أنجز حزب العدالة والتنمية الحاكم وبكل سلاسة أمس، مؤتمره غير الاعتيادي الثاني له، وانتخب رئيسه الجديد واللجنة المركزية للحزب بعد أسبوعين امتلأت بهما الصحف المواقع بالتحليلات والتحذيرات والتوقعات حول مصير الرئيس السابق وطبيعة ووظيفة الرئيس الجديد.
جدارة وديمقراطية
وها نحن اليوم قد أصبحنا في يوم تجاوزنا فيه هذه المرحلة، وقد أثبت الحزب وبجدارة أنه حزب ديمقراطي بما تعني الديمقراطية من سلاسة الانتقال، وأن المناصب لا تحتكر وأن المسؤول ينزل عن صهوة جواد منصبه دون تشبث ولا مقاومة، ولكنه أيضا أعطى مؤشرات أنه ما زال يحمل في جيناته الأيدلوجية الشرقية التي تثق بالقائد الفرد وتلتزم بتعليماته.
ولكن ما بعد هذه الخطوة هو الأهم، فمن هو يلدريم؟ وماذا سيفعل رئيس الوزراء الجديد في منصبه وكيف سيتعامل مع ما واجهه سلفه داود أوغلو من مشاكل وصلت به للانسحاب من الواجهة وفي مشاعره غصّة وفي كلامه عتاب مؤدب.
الرجل هو رفيق درب مؤسس الحزب والأب الروحي له أردوغان منذ كان يبنى نجاحاته التي صنعت مجده في بلدية إسطنبول حين كان عمدتها، وشارك معه في العديد من المشاريع والقرارات وشهد معه النجاحات ولكنه بقي في الظل، الرجل الفني الماهر الذي يعرف كيف ينفّذ المخططات ويحافظ على المكتسبات استمر مع أردوغان فكان من مؤسسي حزب العدالة والتنمية حتى قبل دخول داود أوغلو إليه، وشارك في عدة وزارات متتالية في وزارة المواصلات والتي كانت إنجازاتها أحد أهم مفاخر حزب العدالة والتنمية من الطرق والموانئ والمطارات ونجح أيضا في رفع شعبية حزبه في مدينة إزمير التي تعتبر قلعة المعارضة الكمالية التي لا تأييد فيها للأحزاب اليمينية أو المحافظة، ولم يسطع نجم بن علي كثيرا إلا في افتتاح هذه المشاريع مع أردوغان.
بروز يلدريم
ولكن ومنذ أحداث التقسيم واهتزاز تركيا ووصول الهزة للحزب واستمرار محاولة الانقلاب تحت اسم ملفات فساد الوزراء في حكومة أردوغان الأخيرة، برز موقف الرجل المتطابق مع أردوغان والمدافع عنه بالمطلق في وجه كل من حاول إسقاطه أو حتى هز صورته وتشويه سمعته.
وقد تردّد اسم الرجل ولو على استحياء بين من يخلف أردوغان في رئاسة الوزراء يوم صعد لرئاسة الجمهورية، لكن الحسابات الميدانية والحزبية رجّحت أحمد داود أوغلو عليه، ومع إتمامه لدورته الثالثة في البرلمان مع انتخابات حزيران 2015 وكونه ضمن المجموعة التي تولّت مناصب لثلاث دورات متتالية في الحزب كبرلماني لم يرشح عن الحزب فعيّنه أردوغان على رأس مستشاريه في رئاسة الجمهورية وأوشك أن ينافس داود أوغلو في الانتخابات الحزبية الماضية على رئاسة الحزب بدعم من أردوغان بسبب خلاف على مرشحي اللجنة المركزية للحزب التي أعدّها داود أوغلو واعتبرت قائمة فيها نوع من التصفية للمقربين من أردوغان في اللجنة لولا أن تم حل الأمر بالتراضي ليلة الجمعية العمومية وأعيدت هيكلة القائمة بما يرضي الأطراف.
وهذا يوضّح مدى قرب هذا الرجل من أردوغان ومدى ثقة أردوغان به، لذلك لم يكن مستغربا دعم أردوغان لترشحه لرئاسة الحزب، وليس من المستغرب أن نرى انسجاما تاما بين الرجلين في الفترة القادمة على خلاف ما عاشته الفترة الأخيرة من رئاسة داود أوغلو للحزب، حيث أن داود أوغلو صاحب الشخصية والرؤية الخاصة في إدارة وتسيير الحزب والحكومة والذي فضّل الانسحاب من حلبة القيادة على الأقل في هذه الفترة حرصا على مصلحة الحزب ومكتسبات المشروع الذي يحمله ولكنه لن يترك السفينة كاملة.
نائب للرئيس
وإن تركيا في هذه المرحلة العصيبة التي تشهد فيها أحداثا كبيرة تحيط بها من كل جانب، وفي وقت يسعى فيه حزب العدالة والتنمية إلى تغيير النظام من شبه برلماني إلى رئاسي كامل بقيادة سياسية متناغمة ولا يكفي أن تكون متوافقة أو متفاهمة، لأن الكثير من أسباب الخلافات التي عاشتها سدة الحكم في تركيا بين أردوغان وداود أوغلو مرجعها اختلاف وجهات النظر في إدارة المشروع والدولة، وعدم رغبة داود أوغلو في لعب دور الرجل الثاني في الحزب الذي ينفّذ مخططات ورؤية أردوغان رئيس الجمهورية، الذي يقوم بدور رئيس الدولة.
أي أن بن علي يلدرم الرجل القادم من محيط أردوغان جاء وهو يعلم أنه ورغم أن النظام الحاكم شبه برلماني وأن منصبه المنصوص عليه بالقانون هو رئاسة الوزراء إلا أنه يقبل أن يكون في الحقيقة نائبا لرئيس يحكم الدولة بمنصب رئيس جمهورية لأنه يؤمن كما ذكر في عدة خطابات أن رئيس الجمهورية أردوغان ما يزال القائد الفعلي لحركة العدالة والتنمية وأنه لا يختلف معه قيد أنملة ولأنه وحسب الكثيرين ممن يؤيدون موقفه يؤمنون أن تركيا سفينة لا يمكن أن يقودها ربانان في نفس الوقت وإلا فستغرق ويغرق معها مشروع تركيا الحديثة والأقوى في المنطقة.
وستشهد الفترة القادمة بروزا أكثر لأردوغان في الشأن السياسي وصناعة السياسات ويكون بن علي يلدرم رجل المشاريع العملاقة منشغلا أكثر في تنفيذ مخططات وأهداف العدالة والتنمية الداخلية التي وضعت في عهد أردوغان ويعمل في الشأن الدولي كنائب رئيس لا كرئيس وزراء وإن حمل الاسم.
معين نعيم
تركيا بوست