في الحادي عشر من أيار/مايو سقط أكثر من 100 قتيل وجُرح أكثر من 165 شخص في ثلاث هجمات منفصلة في بغداد. وقد أودى التفجير الأكثر دماراً بحياة ما يزيد عن 25 إمرأة وطفلاً في “سوق عُريبة” في مدينة الصدر.
وفي أعقاب هذه الهجمات، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») مسؤوليته عنها واصفاً سكان مدينة الصدر الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة بـ “الروافض”، في إشارة إلى أن كل من يعيش فيها يشكل هدفاً شرعياً، بمن فيهم النساء والأطفال.
وتجدر الإشارة إلى أن لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» ثلاثة أهداف من شن مثل هذه الهجمات: هدفاً عسكرياً، وآخر سياسياً، وثالث طائفياً. فهو يفعّل خلايا التفجير في أنحاء العاصمة رداً على خسائره في ساحات المعارك، من أجل دفع “قوات الأمن العراقية” إلى إبقاء أعداد كبيرة من القوات في بغداد، والحد من زيادة نشرها في مناطق القتال. وعلى خلفية الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها العاصمة العراقية، سيُبقي هذا الأمر “قوات الأمن العراقية” المشتركة متشتتة على عدة جبهات وتفتقر إلى القوة التي تخوّلها التوغل في الموصل.
وكون هذه التفجيرات تكتيكاً سياسياً، فهي تهدف إلى تقويض [عمليات] الحكومة بصورة أكبر خلال فترة من الجمود السياسي وإلى إظهار أن الدولة العراقية دولة فاشلة غير قادرة على حماية مواطنيها وأن الديمقراطية لن تحقق السلام للعراقيين.
رسالة تنظيم «الدولة الإسلامية»
يهدف تنظيم «داعش» إلى بعث رسالة مفادها أنه يمكنه تعطيل حياة العراقيين بشكل مروّع، وسيستمر بذلك، حتى ولو خسر كافة أراضيه، ولن تكون الحكومة العراقية، وأي قوات دولية، قادرة على منعه من القيام بذلك.
وسيعمل تنظيم «الدولة الإسلامية»على إيصال نفس هذه الرسالة إلى الشعوب في سوريا وفي المناطق الأخرى التي يتواجد فيها، ليرسم بذلك صورة من العنف الدموي حيث يكون الأبرياء هم الضحايا في محاولة لنشر الخوف والكراهية والغضب.
ومن الواضح في هذا الإطار أن الهدف الطائفي يكمن في بدء دورة من الهجمات الانتقامية رداً على الفكرة القائلة بأن خلايا «داعش» متواجدة في الأحياء السنية في بغداد، على الرغم من أنه من الأرجح أن تكون قادمة من مناطق خارج بغداد مباشرة.
ومن غير المرجح أن تؤدي هذه الهجمات الأخيرة إلى عودة العنف الطائفي الذي شهدته السنوات السابقة، كما أن الغضب ينصب إلى حد كبير على تنظيم «الدولة الإسلامية» والمؤسسة الأمنية؛ بيد أن شن حملة قصف مستمرة سيزيد من التوترات الطائفية.
وفي الواقع، يمكننا أن نرى بالفعل الأصداء السياسية لهذه الهجمات، التي جاءت مباشرة بعد قيام متظاهرين باقتحام البرلمان العراقي ومرور شهور على تصاعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
يُذكر أن هناك استياء كبير تجاه الحكومة العراقية وأن هذه التفجيرات قد تصبح مركزاً جديداً لهذا الاستياء، بينما يتم تعديل مجلس الوزراء وتُجرى إصلاحات حكومية ببطء ووسط إمكانية تعطيل سهلة.
وتتساءل الساحة السياسية العراقية المنقسمة بشكل مزمن عن سبب حدوث هذه التفجيرات ومن يستحق اللوم، مع سعي البعض إلى الاستفادة من الوضع لتصفية الحسابات.
وسينتقد البعض رئيس الوزراء أو يدعون إلى الإطاحة بوزير الداخلية محمد الغبان، وبوزير الدفاع خالد العبيدي، اللذين أشيد بهما لتحسينهما أداء وزارتيهما وقوات الأمن والقوات العسكرية.
تحويل القوات العسكرية
سيدعو آخرون إلى تحويل القوات العسكرية المخصصة لحملة الموصل [وتوجيهها] نحو تحرير الفلوجة التي تقع بالقرب من بغداد ولكنها ربما لا تشكل مصدر القنابل التي ضربت بغداد في 11 أيار/ مايو.
وبالفعل، أقسمت شخصيات رئيسية من قيادة القوة العسكرية الشيعية مثل أبو مهدي المهندس بتعبئة قوات “الحشد الشعبي” بشكل إضافي للحفاظ على أمن بغداد ووعدت بتحرير الفلوجة وتأمين المناطق المحيطة ببغداد.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يُنظر إلى القوات العراقية المسؤولة عن أمن “المنطقة الدولية” بأنها فشلت فشلاً ذريعاً في منع اختراق تلك المنطقة والسماح لآلاف المتظاهرين بدخول البرلمان.
وعلى الرغم من أن عامة الشعب يحترمون القوات على الخطوط الأمامية احتراماً كبيراً، إلا أن مصداقية “قوات الأمن العراقية” في بغداد باتت على شفير الهاوية.
وبالتالي، ستُمارس ضغوط على الحكومة العراقية لكي تزيد من اعتقالاتها [لأبناء السكان] السنّة، وتعتمد عمليات تشخيص أكثر طائفية، وتفرض المزيد من القيود على حرية حركة العراقيين داخل بلادهم.
وقد تعاني أي مدينة من المدن الكبرى من الهجمات الإرهابية ولن تكون أي منها بمنأى عنها. ففي سياق الحرب التي يخوضها العراق، تحسن الوضع الأمني في بغداد، وذلك إلى حد كبير لأن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد أُجبر على تركيز جهوده على ساحات المعارك.
إصلاح المشكلة
بينما يضطر تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى أن يكون مرة أخرى جماعة إرهابية تقاتل من الظلال، فإن بغداد ستعود لتأخذ الثأر على التحدي الكبير الذي تواجهه في مكافحة الإرهاب.
وفي الواقع، لا تُعتبر بغداد محمية من هذه المخاطر اليوم أكثر مما كانت عليه في العامين 2012 و2013 عندما كان التنظيم يشن تفجيرات كبرى متزامنة متعددة الأهداف كل بضعة أسابيع.
ولا تتمكن نقاط التفتيش من التعامل مع مستويات حركة النقل – فبشكل مذهل، لا تزال تستخدم أدوات غير فاعلة للكشف عن القنابل – كما أن الفساد لا يزال يطرح مشكلة في هذه المواقع. فالعديد من المتعاونين مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، أي المجندين الجدد، والمتشددين القدامى الذين تجنبوا السجن، وأولئك الذين أُفرج عنهم أو هربوا من السجن، يعيشون في ضواحي بغداد.
والمطلوب في هذا الإطار “طفرة” جديدة [في عدد القوات] العراقية، بدعم من التحالف الدولي، للتصدي لخطر الهجمات الإرهابية الاستراتيجية ضد بغداد، مما يمكن أن يزيد من تشتت انتباه الحكومة، ويمكّن الميليشيات في المناطق الحضرية ويؤخر معركة الموصل.
وتبرز حاجة ملحة لقيام التحالف بمساعدة العراق على معالجة قضية ضعف بغداد أمام التفجيرات وهي قضية قائمة منذ فترة طويلة، وذلك بنفس الطريقة التي ساعد فيها التحالف العراق على معالجة الخطر الذي طرحه سد الموصل بشكل طارئ.
وحيث أن [انهيار] سد الموصل يمكن أن يؤدي إلى فيضان مدمر من الماء على بغداد، فإن التفجيرات التي يقوم بها تنظيم «الدولة الإسلامية» يمكن أن تؤدي إلى فيضان مدمر من الهجمات الطائفية ومن حكم الميليشيات في بغداد. ولكن من خلال الدمج فقط بين الخبرة التقنية والتخطيطية والاستخباراتية للتحالف مع القوة البشرية ومعرفة الأراضي من الجانب العراقي، يمكن السيطرة على هذا التهديد، قبل أن يقوّض المتطرفون من كلا الجانبين العاصمة بغداد.
وفي النهاية، يدرك الجميع أنه كان بإمكان التحالف أن يفعل ما هو أكثر للمساعدة على الدفاع عن بغداد في حزيران/ يونيو 2014. والآن أمامه فرصة ثانية، وإذا اغتنم التحالف هذه الفرصة أو أهملها، سيتذكر العراقيون ذلك جيداً.
مايكل نايتس
معهد واشنطن