الجهات التي تتهم المملكة العربية السعودية بأنها تعطل انتخاب رئيس للبنان ردَّ عليها السفير علي عواض عسيري بكلمة واضحة ألقاها في مأدبة العشاء في دارته والتي حضرتها شخصيات رسمية وسياسية بارزة تمثل كل المناطق والمذاهب وغالبية الشعب اللبناني. وفي هذه الكلمة حضّ على “إنهاء حالة الفراغ الرئاسي والتوصل الى حلول توافقية بحيث يحل عيد الفطر المبارك ويكون للبنان رئيس يحقق آمال جميع اللبنانيين وتطلعاتهم”. أما الجهات التي تتهم إيران بتعطيل انتخاب رئيس للبنان، فلم تسمع من طهران سوى تكرار القول الغامض إن هذا “هو شأن اللبنانيين ولا تدخّل لخارج فيه”… في حين أنها توعز الى “حزب الله” بالتغيّب عن جلسات الانتخاب التي لا يتغيّب عنها النواب المعروفون بصداقتهم للسعودية، أي أن السعودية هي مع ما يتفق عليه اللبنانيون، أما إيران فهي، ويا للأسف، مع ما يختلفون عليه.
لذلك فإن الأسئلة التي ينتظر لبنان أجوبة عنها ليبني الموقف اللازم هي: ماذا تريد إيران من لبنان وفي لبنان؟ هل تريد رئيساً للجمهورية ومن هو، أم تريد فراغاً يستمر الى حين يقبل الطرف الآخر بما تريده، وهو ليس رئيساً فقط بل تعديل دستور الطائف على نحو يحقق للشيعة في لبنان شراكتهم الفعلية في السلطة؟
الواقع أن إيران لم تجب حتى الآن بصراحة ووضوح عن هذه الأسئلة وكأنها تريد من اللبنانيين وقادتهم أن يفهموا منها بالإشارة… فيما هي تمضي في تنفيذ خطة الفراغ الرئاسي، وجعل الفراغ الحكومي يقف عند الحافة، والفراغ المجلسي يحصل ساعة تشاء وباستمرار الخلاف على قانون جديد للانتخاب، حتى أذا حان موعد الانتخابات النيابية في حزيران 2017 فلا يكون قانون تجرى على أساسه إلا قانون الستين المرفوض أو الفراغ، ولا قانون جديد صار اتفاق عليه حتى الآن، ولا تمديد لمجلس النواب ليكتمل عندئذ الفراغ الشامل في كل السلطات وتصاب أعمال كل المؤسسات بالشلل.
هذا هو المخطط الإيراني في لبنان الذي تحاول تنفيذه من خلال “حزب الله” ومن معه، ويجاريه في ذلك، ويا للأسف، “التيار الوطني الحر” من حيث يدري أو لا يدري الى اين يذهب ذلك بلبنان… فهل ينجح أشقاء لبنان وأصدقاؤه في إفشال هذا المخطط، حتى اذا كان ثمة ضرورة لإعادة النظر في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث لتكون أكثر عدالةوانصافاً ومساواة، فإن هذا يتم بالحوار والتفاهم بين القادة في لبنان ومع رئيس الجمهورية عند انتخابه، وعند تشكيل الحكومة وليس تحت ضغط الفراغ الشامل الذي يذهب بالجمهورية تحت ضغط الشارع.
إن ايران اذا كانت صادقة في حل أزمة الانتخابات الرئاسية في لبنان، فما عليها سوى أن توافق على فصل هذه الأزمة عن أزمات المنطقة التي قد يطول وقت حلها، وان تتشاور مع الدول المعنية بوضع لبنان توصلاً الى الاتفاق على اختيار رئيس للجمهورية يكون توافقياً ووفاقياً، لأن اي رئيس يكون طرفاً لا يستطيع أن يجمع بل يفرّق. فإذا صار اتفاق وتوافق على رئيس للبنان، فإن انتخابه يصير باجماع أو بشبه اجماع، اما اذا تعذّر فعلى إيران أن تفعل ما تفعله السعودية وغيرها وهو الطلب من “حزب الله” ومن معه حضور الجلسة وترك الحرية للأكثرية النيابية المطلوبة لانتخاب من تشاء من المرشحين المعلنين وغير المعلنين، لأن لا حل لأزمة الانتخابات ا لرئاسية إلا بهذه الطريقة الدستورية والديموقراطية وليس بالفراغ الشامل الذي تهدد إيران به لتقضي على لبنان الواحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، أو لتشعل حرباً جديدة فيه توصلاً الى تعديل الدستور كتلك الحرب التي سبقت انعقاد مؤتمر الطائف، فدفع لبنان غالياً ثمن ذلك دماراً وخراباً ووصاية سورية فرضت عليه. فهل تريد إيران تكرار ذلك من اجل وضع دستور جديد للبنان وربما لفرض وصاية مباشرة أو غير مباشرة عليه، أو يكون جزءاً من حصة نفوذها في المنطقة؟
إن هذا لن يتحقق نظراً الى انقسام اللبنانيين سياسياً وطائفياً، وهو انقسام له صلة بصراع المحاور في المنطقة، وهو صراع لن ينتهي إلا بالتوصل الى حل أو تسوية للأزمات في سوريا واليمن والعراق كي يصير في الإمكان تقاسم النفوذ ويكون لبنان من ضمن هذا التقاسم أو يبقى خارجه بالاتفاق على حياده وتحييده عن كل ما يجري حوله لأنه السبيل الوحيد لضمان استمرار استقراره السياسي والأمني والاقتصادي.
إميل خوري
صحيفة الخليج