المشاورات الجارية حالياً بين الشرعية اليمنية من جانب و«الحوثيين» وممثلي المخلوع صالح من جانب آخر، تدور في فراغ أو كالرحى الثقيلة التي تدور لكنها مثبتة في مكانها الذي لا تتقدم منه أو تتحرك. لذلك فإن نتيجة المشاورات الدائرة ومصيرها يكتنفه الغموض مثلما يكتنف الغموض الجو السياسي العام لليمن، بسبب ما يقوم به «الحوثيون» وصالح من عبث. وبالنتيجة فإن الرؤية الوطنية اليمنية يكسوها الضباب الكثيف وتحتاج حالياً إلى وقفة جديدة صادقة من قبل «الحوثيين»، إذا كان يهمهم مستقبل اليمن وأمنه وسلامة أبنائه، وعليهم أن يدركوا بأن فشلهم على الساحة العسكرية الميدانية حتمي، ما يعني إفلاسهم التام على الساحة السياسية إن هم لم يتداركوا أنفسهم ويعملوا فكرهم بطرق أفضل مما يقومون به حالياً من التفافات ودوران ومناورات خرقاء وكسر للهدنة، على أمل أن يحققوا شيئاً على الساحة العسكرية كي يستغلوه على الساحة السياسية ضمن سعيهم لبلع السلطة والثروة في اليمن.
مسائل السلطة والثروة أمور لها قيمتها، وهي أساسية في تطلعات أي جهة سياسية، نحن لا ننكر ذلك، لكن هذه المسائل لابد وأن تكون منطلقات واقعية للعمل الجاد والسعي ذي المردود القيمي على شؤون الوطن، وليس بغرض تحطيمه وهدمه كما يفعل «الحوثيون» وصالح في هذه المرحلة. «الحوثيون» في هذه المرحلة يتخلون عن جذورهم الأساسية التي مارس فكرها أهل اليمن الشمالي لردح طويل من الزمن، واستعاضوا عنها بالفكر الخميني الاثنا عشري القائم على ولاية الفقيه، بمعنى أنهم حادوا كثيراً على الخطوط الرئيسة للفكر السياسي اليمني الأصيل، أي أن الحركة السياسية التي يريدون لليمنيين أن يتحركوا وفقاً لها قد اختلفت بوصلتها، وهذا واضح جداً من ما يفعلونه ويمارسونه الآن في مشاورات الكويت.
إن الحركة السياسية في الداخل اليمني وخارجه يتحدد مداها وتتضح وجهتها وفقاً لوضوح الصيغة السياسية التي تمسك بزمام المؤسسات الوطنية وعلاقة اليمن بالخارج، خاصة محيطه الجغرافي الأقرب، وحركته على الساحتين الإقليمية والعالمية، وهذا يتحدد بقدر وضوح الصيغ السياسية والأفكار الوطنية التي تقود خطى الشعب اليمني، و«الحوثيون» فاقدون لبوصلة كل ذلك في مشاورات الكويت، وهم يتخبطون يمنة ويسرة، وفقاً لما تمليه عليهم السياسات الإيرانية تجاه دول الخليج العربي والعالم العربي، وهذا لن يفيدهم في شيء، وهو سبب البلاء الذي هم فيه الآن. ولذلك من الضروري لـ«الحوثيين» في مشاورات الكويت إذا أرادوا لها أن تنجح أن يكون حوارهم مع الشرعية اليمنية صريحاً ومباشراً ومفيداً وعادلاً ومنصفاً حول أشكال وتفاصيل الصيغ السياسية القادمة لليمن، وذلك وفقاً لموقفهم العسكري والسياسي الضعيف حالياً، ويجب عليهم ألا يبالغوا في مطالبهم وطروحاتهم ومقدار القوة التي يحوزونها. إن الوضوح المطلوب والضروري غائب تماماً عن كل ما يقوم به «الحوثيون» من فوضى وعبث وعدم اتزان على طاولة التشاور في الكويت، وإنْ هم استمروا في ذلك فهم حتماً لخاسرون، ومن ثم سيخرجون من «المولد بلا حُمُّص» كما تقول عرب اليوم.
الانطباعات التي نخرج بها من ما يقوم به «الحوثيون» من عبث سقيم هي أنهم يحاولون أن يجعلوا كل شيء مؤجلاً في الحوار الدائر، فبعد مرور ردح ليس بقصير من الزمن، يتم ترحيل بنود الحوار في أجندة أعمال المشاورات، وتتأجل من يوم إلى آخر على الرغم من أن الأمور المطروحة في غاية الأهمية لوقف نزف دماء الشعب اليمني، فهذا هو أخطر الأمور وأهمها، لكن يبدو بأنهم لا يأبهون بدماء أهل اليمن جملة وتفصيلاً.
عبدالله جمعة الحاج
الاتحاد الإماراتية