الفلوجة مكان يحمل ذكريات سيئة للجنود الأميركيين الذين خدموا في العراق. فثمة معركتان خاضهما هؤلاء الجنود في تلك المدينة في العام 2004، واللتان كانت الثانية منهما المعركة الأكثر دموية في الحرب كلها، والتي أكدت أن الفلوجة هي حصن التمرد الذي بزغ لتحدي الاحتلال الأميركي. كما كانت الفلوجة المدينة الكبيرة الأولى التي تسقط في يد “داعش” في مستهل حملته في عموم العراق في العام 2014. والآن، ستدور رحى معركة ثالثة من أجل الفلوجة. وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أعلن يوم 22 أيار (مايو) أن هجوماً يستهدف استعادة المدينة التي تقع على بعد نصف ساعة بالسيارة إلى الغرب من بغداد، قد بدأ.
القرار بالذهاب إلى الفلوجة بالنسبة للائتلاف الذي يقاتل “داعش” تحت القيادة الأميركية، ينطوي على مغزى عسكري ضئيل. وتبقى الأولوية منصبة على استعادة الموصل، ثاني كبريات المدن العراقية، والتي كانت قد سقطت في يد “داعش” قبل عامين. وما تزال عمليات الاستعدادات التحضيرية لاستعادة هذه المدينة تجري على قدم وساق، على الرغم من أن البعض يعتقدون بأن القوات الأمنية ستكون مستعدة للتحرك نحو المدينة قبل نهاية العام. ويخشى الأميركيون أن تصبح عملية الفلوجة سبباً لتشتيت للانتباه بحيث يتم تأجيل تنفيذ الهجوم على الموصل مرة أخرى.
مع أن المنطق العسكري لهذه العملية يظل موضع شك، فإن هناك أسباباً سياسية جيدة لإعلان السيد العبادي. فقد تحملت حكومته الواهنة ما هو أكثر من بعض الأسابيع المُتعبة. ومرتان منذ نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي، قام رعاع موالون لمقتدى الصدر، رجل الدين المضطرب وزعيم إحدى الميليشيات، باختراق “المنطقة الخضراء” التي تتمتع بحماية مشددة، واجتاحوا البرلمان احتجاجاً على الفساد والطائفية. وفي الأثناء، كانت الحالة الأمنية في بغداد تسوء بثبات حيث وقعت سلسلة من التفجيرات التي نفذها “داعش” ضد مناطق شيعية في المدينة. ويوم 18 أيار (مايو) الحالي، تبجح “داعش” بأنه قتل أكثر من 522 بغدادياً في غضون شهر.
لذلك، كان يجب مشاهدة السيد العبادي وهو يفعل شيئاً ما. ووفق مايكل نايتس، الخبير في الشأن العراقي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن من غير المرجح أن يكون التخطيط لحملة التفجيرات التي نفذها “داعش” في بغداد قد تم في الفلوجة الواقعة تحت الحصار والإغلاق منذ أشهر. والاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن المتفجرات جُلبت من محافظة ديالا الواقعة إلى الشرق والجنوب على طول نهر دجلة. لكن الفلوجة تظل مصدر إزعاج، والتي يمكن -بل وربما يجب التعامل معها.
يقول السيد نايتس إن الهجوم على الفلوجة لا يجب أن يؤجل استعادة الموصل. وستكون القوات في الشمال في جزئها الضخم فرقاً أعاد الائتلاف تجميعها من الجيش النظامي، ومقاتلين من البشمرغة الكردية. وتعتمد عملية الفلوجة على ما تدعى وحدات الحشد الشعبي، المكونة بشكل رئيسي من ميليشيات شيعية معظمها يلقى الدعم المباشر من جانب إيران، إلى جانب قوات الشرطة المحلية. وسيكون رأس الحربة في العملية وحدات مكافحة الإرهاب النخبوية المدعومة من جانب القوة الجوية التابعة للائتلاف، كما كان الحال عند استعادة الرمادي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
يبدو محتملاً أن الفلوجة ستعود إلى قبضة الحكومة خلال وقت قصير. أما أن استعادتها ستؤثر على حملة تفجيرات “داعش” في بغداد، فاحتمال أقل ترجيحاً. ويقول الأميركيون إنه بينما يخسر “داعش” الأراضي، فإن عودته إلى طرقه الإرهابية القديمة ستكون أمراً حتمياً، وهي حقيقة لن تجلب الكثير من الارتياح لسكان المدينة الذين طالت معاناتهم.
ترجمة:عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد