في أول استغلال لحادث الهجوم الذي استهدف مقر صحيفة “شارلي إيبدو”، الأسبوعية الساخرة في باريس، الذي قتل فيه 12 شخصًا بينهم رجلا شرطة، و8 صحفيين، وأصيب 11 آخرون، والاعتداء على كنيس يهودي، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليهود الفرنسيين للهجرة إلى إسرائيل، بعد أن قتل 17 شخصًا في هجمات لمسلحين، بينهم أربعة يهود، وقال نتنياهو في نداء وجهه إليهم “إلى جميع اليهود في فرنسا، وفي أوروبا، أريد أن أقول لكم إن إسرائيل ليست فقط الوجهة التي تتجهون إليها في صلواتكم؛ بل هي وطنكم أيضًا”.
فريق وزاري!
وفي خطوة عملية للتنفيذ، أشار “نتنياهو” إلى أن فريقًا من الوزراء سيجتمع للاتفاق على إجراءات لتشجيع هجرة اليهود من فرنسا ودول أوروبية أخرى، وإن من يرغب من اليهود في الهجرة إلى إسرائيل سيستقبل بحرارة، وزعم نتنياهو أن الإسلام الراديكالي هو تهديد للحضارة الغربية ولليهود، لتسويق فكرته التي وجدت صدى كبيرًا في الإعلام الغربي.
وشارك نتنياهو برفقة وزير خارجيته المتطرف، أفيغدور ليبرمان، في مسيرة في باريس تضامنًا مع الضحايا، التي شارك فيها أكثر من مليون شخص، وقد اجتمع ليبرمان بمسؤولين في وزارة الخارجية ومسؤولين أمنيين لمناقشة تداعيات الهجمات الأخيرة، ومن ذلك تقوية الأواصر مع زعماء الجاليات اليهودية في فرنسا وأمن المؤسسات اليهودية، حسب ما قالت المتحدثة باسم الوزارة.
المشاعر المناهضة للسامية
قالت صحيفة “الإندبندنت أون صندي” البريطانية في تقرير لها بعنوان “كثير من اليهود يفكرون بالمغادرة على إثر تفاقم موجة العداء للسامية” أعده كاهال ميلمو، أشار فيه إلى إجراءات أمنية طالت الكنس اليهودية عقب الهجوم على المتجر المتخصص ببيع السلع “الكوشر”، أي المسموح باستهلاكها وفقًا للشريعة اليهودية، ويقول التقرير إن السلطات طلبت من الكنس إغلاق أبوابها، وإن أحدها، كنيس باريس الكبير، قد أغلق أبوابه للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال مراسل “الإندبندنت أون صندي” إنه التقى مواطنين فرنسيين يهود، عبروا عن قلقهم بسبب تنامي المشاعر المناهضة للسامية في فرنسا، وقالت سيدة إن من يستهدفون اليهود لا يكترثون لتوجهاتهم السياسية وموقفهم من الحرب في غزة مثلًا، بل هم يستهدفونهم “بناء على الاسم”، وقال شابان التقاهما المراسل إنهما لا يحسان بالأمان، وإن يهودًا آخرين يعرفانهم يفكرون بمغادرة فرنسا والرحيل إلى إسرائيل.
الهجوم على أهداف يهودية
ويورد معد التقرير بعض الحوادث السابقة للهجوم على أهداف يهودية، منها إقدام جندي فرنسي سابق اسمه “محمد مراح” على مهاجمة مدرسة يهودية في تولوزعام 2012 وقتله أربعة أشخاص، وقال وقتها إنه كان مدفوعًا لتأثره بكون “اليهود يقتلون إخوتنا في فلسطين”، وأورد التقرير حالة سطو على أحد المنازل، وأن أحد الذين سطوا عليه قال إنهم استهدفوه لأنه منزل ليهود، “ولا بد من أن فيه أموالًا” ويقول معد التقرير إن الرجلين اغتصبا الزوجة في نهاية عملية السطو.
وقالت الصحيفة في تقريرها وسط هذه الأجواء ارتفع عدد اليهود الذين يرحلون إلى إسرائيل إلى الضعف، فبلغ سبعة آلاف في العام الماضي، ويرى معد التقرير أن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في غزة تلعب دورًا في تفاقم هذه الروح، وأن البعض ردد شعارات “الموت لليهود” في المظاهرات التي سارت في الشوارع الفرنسية احتجاجًا على الحرب.
نقل الآلاف من أوروبا
وقالت مصادر إسرائيلية إن عشرات اليهود بدأوا في التوافد على مكتب تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، وسط نشاط الوكالة اليهودية التي تسعى إلى نقل آلاف اليهود من أوروبا لإسرائيل، ونقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت”، عن مصادر في مكتب تشجيع الهجرة في فرنسا (لم تسمها): “بدأ توافد عشرات اليهود إلى المكتب للهجرة إلى إسرائيل”، مشيرة إلى أن التوافد يأتي في ظل حملة إسرائيلية تسعى إلى جذب يهود من أوروبا إلى إسرائيل، ويقول مراقبون إن إسرائيل تسعى للاستفادة من “حادثة الاعتداء على متجر يهودي في باريس الأسبوع الماضي؛ لرفع وتيرة الهجرة إليها”.
وتقدر الوكالة اليهودية على موقعها الإلكتروني أعداد اليهود في أوروبا بنحو مليون ونصف المليون شخص من بينهم نحو 600 ألف يعيشون في فرنسا، وكانت منظمة تابعة للجالية اليهودية في فرنسا نشرت أسماء 4 أشخاص قتلوا في حادث احتجاز رهائن في متجر يهودي في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس أمس. وقالت “يديعوت أحرونوت” على موقعها الإلكتروني إن الأربعة من اليهود.
ارتفاع نسب الهجرة المعاكسة
وتقول الباحثة المقيمة في باريس ريم عبد الحميد في دراسة لها عن هجرة اليهود الفرنسيين لإسرائيل، إن فرنسا تنفرد بإرسال أعداد من مواطنيها اليهود إلى إسرائيل، وأن ذلك يأتي ضمن خطة استراتيجية تعتمدها حكومة بنيامين نتنياهو تهدف إلى “إنقاذ اليهود الفرنسيين”، أو استقطابهم كمهاجرين إلى إسرائيل، في ظلّ تراجع نسبة المهاجرين وارتفاع نسب الهجرة المعاكسة، وأشارت “عبد الحميد” إلى إعلان وزارة الاندماج الإسرائيلية أن “3348 يهوديًا هاجروا من فرنسا إلى إسرائيل في العام 2013 بزيادة نسبتها 70 في المئة، في حين أن العدد لم يزد عن 1972 يهوديًا في العام 2012″، وتصريح المدير العام للوزارة عوديد فورير بقوله “استقبلنا حتى الآن منذ مطلع العام، 717 شخصًا”.
استقطاب المهاجرين
وقالت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية إن 854 يهوديًا فرنسيًا توجهوا إلى إسرائيل في الفترة الممتدة ما بين مطلع كانون الثاني ونهاية شباط 2014، في مقابل 274 خلال المدة ذاتها من العام الماضي، وقال “فورير” إن الوزارة تسعى إلى استقطاب عدد أكبر من المهاجرين اليهود من فرنسا إلى إسرائيل يصل إلى 4000 مهاجر في العام 2014، و5000 في العام 2015، و6000 في العام 2016، وتقول “ريم عبد الحميد” إن تلك هي خطة السنوات الثلاث التي وضعتها حكومة نتنياهو، بالتعاون مع تنظيمات يهودية في فرنسا أهمها “المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية” Le Conseil Representatif des Institutions Juives de France (CRIF) الذي يضم العديد من المنظمات اليهودية منذ 1977.
زيادة في عدد المبعوثين الإسرائيليين
وأشارت الباحثة إلى إن الخطة تشمل زيادة في عدد المبعوثين الإسرائيليين، فقامت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا بإضافة ثلاثة مبعوثين جدد إلى “الوكالة اليهودية”، وثلاثة آخرين إلى العديد من العاملين في السفارة الإسرائيلية في باريس، معظم هؤلاء ينتمون للأحزاب اليمينية، خاصة “إسرائيل بيتنا” الذي يتزعّمه أفيغدور ليبرمان، وحزب “البيت اليهودي” الذي يتزعمه تانيت، والعديد من المبعوثين من الشباب سيتمّ توزيعهم على عدد من المدارس الفرنسية الخاصة، التي تدرّس اللغة العبرية وتتناول دولة إسرائيل، والهدف هو تحريض اليهود على الهجرة، وتعزيز معسكر اليمين المتطرف في إسرائيل.
الوكالة اليهودية
الجدير بالذكر أنه خلال السنوات الأولى من نشاة إسرائيل، استقطبت الهجرة الصهيونية مئات الآلاف من المهاجرين الجدد، في العام 1949، جلبت الوكالة اليهودية 3800 يهودي يمني إلى إسرائيل كجزء من عملية البساط السحري، في العام 1951، جاء 110000 من اليهود العراقيين كجزء من عملية عزرا ونحميا، وفي العام 1991 جلبت عملية سليمان 14300 من اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل جوًّا في 36 ساعة فقط، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، أشرفت الوكالة اليهودية في “عالية” (على هجرة) أكثر من مليون يهودي من تلك المنطقة، وتركز الدعاية التي تحضر في الندوات وورش العمل التي تعقدها الوكالة اليهودية أربع مرات أسبوعيًا، على تقديم مفصّل للمساعدات والإغراءات المادية للراغبين بالهجرة إلى إسرائيل: مساعدات السكن والتعليم والقروض والاعتراف بالرخص والشهادات الفرنسية في أغلب المجالات، وتسهيل الطريق أمام رجال الأعمال لفتح مصالح اقتصادية وتخفيض الضرائب وغير ذلك.
متابعة – التقرير
http://goo.gl/6F0sh1