من زاوية ما، كانت أوروبا تنتظر بخوف شريف وسعيد كواشي، الفرنسيين الجزائريين الذين قيل إنهما قاما بإطلاق النار الأربعاء الماضي على مكتب مجلة شارلي إيبدو، مجلة فرنسية ساخرة سخرت من كل المقدسات، بما فيها النبي محمد عليه السلام.
خوفًا من ردة الفعل السلبية من الجهاديين الذين نموا في بلدانهم وتطرفوا مع الحروب الخارجية، خصوصًا الانتفاضة السورية، بدأت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وبضعة بلدان أوروبية أخرى برفع المشاركة الاستخباراتية وتمرير القوانين بعيدة المدى التي تهدف لتقوية قدرات مكافحة الإرهاب. بينما عانت أوروبا من الإرهابيين المحليين والإقليميين لعقود، تدفق المحاربين المدربين الذين قوتهم المعارك مثّل خطوة تغير للمسؤولين الأوروبيين. في صيف 2013، قال وزير داخلية فرنسا حينها مانويل فالس إن الجهاديين العائدين هم “قنبلة موقوتة”.
الهجمات الوحشية في باريس هذا الأسبوع، التي خلفت 18 قتيلًا بينهم الأخوان كواشي، عجلت باانتقال أوروبا نحو سياسة مكافحة إرهاب أشد. بينما انتقدت أوروبا طويلًا إجراءات أمريكا لمكافحة الإرهاب -مثل جمع البيانات الذي قامت به وكالة الأمن القومي وكشفها إيدوارد سنودين- كمنتهكة للخصوصية، بدأ الزعماء الأوروبيون ببناء جهاز مكافحة إرهاب جديد شديد القسوة لقتال ما يخافون أن يكون تهديدات جديدة، مثل الإخوة كواشي أو أسوأ.
المسؤولون الفرنسيون دعوا لاجتماع مع المسؤولين الأعلى بالشؤون الأمنية في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وبلدان أوروبية أخرى يوم الأحد لمناقشة إجراءات أكثر لاتخاذها. رئيس المجلس الأوروبي دونالد تسك، يدعو الآن لأمن مطار أعلى، بما في ذلك قاعدة بيانات تسمح للسلطات بمراقبة كل من يسافر من وإلى أوروبا.
فرنسا فرضت سلسلة من القوانين تهدف لتعزيز قدرات وكالات تعزيز القانون لمراقبة الجهاديين وحجب المواطنين المشتبه بهم من العودة للبلاد. في بريطانيا، صانعو القانون يعملون على قانون مكافحة إرهاب جديد مثير للجدل قد يجعل البريطانيين المشتبه بتعاطفهم أو تعاملهم مع الجهاد مجردين من الجنسية ببساطة. الحكومة الألمانية قررت مصادرة بطاقات هوية المشتبه بهم من الجهاد لمنعهم من السفر برًا إلى تركيا للقتال في سوريا.
من البرتغال إلى صربيا، الحكومات، غالبًا باستجابة لضغط أمريكا ومجلس الأمن، أخذت خطوة لتصعيب الأمور على المقاتلين الأجانب للانضمام إلى الدولة الإسلامية في سوريا. من تصعيد الأمن في موانئ اليونان ومراقبة المطارات في قبرص لتجريم المقاتلين الأجانب في كوسوفو، المسؤولون الأوروبيون يريدون تصعيب الأمر على مواطنيهم لمغادرة البلاد والانضمام إلى القضايا العسكرية، وخصوصًا تصعيب الأمر عليهم للعودة مع تدريب ميداني سيكشف عنه في شوارع القارة العجوز.
ولكن، قنبلة فال المؤقتة انفجرت بأي حال، محولة باريس هذا الأسبوع لمشهد من الدم وثقوب الرصاص وأماكن الرهائن، مغذية المخاوف أن هجمات مشابهة قد تصبح اعتيادية عبر أوروبا. نتيجة واحدة من هجمات باريس هي نوبة جديدة من الاستبطان، بينما المحققون الذين كانوا منزعجين من التهديد الجهادي القادم العام الماضي أو قبله يحاولون معرفة كيف استطاع اثنان من المقاتلين المقدسين المعروفين المدانين مع ورقة مليئة بالصلات مع الإسلاميين التخطيط وتنفيذ أسوأ الهجمات على التراب الفرنسي في نصف قرن.
الفجوات الاستخباراتية تبدو جلية. المخابرات الفرنسية والأمريكية كانت تراقب الأخوين لسنوات. الأكبر سعيد، ذو الـ34 عامًا، تلقى تدريبًا من جناح القاعدة في اليمن في 2011، والتقى مع الداعية والمنظر الأمريكي أنور العولقي.
شريف، ذو الـ32 عامًا، اعتقل في فرنسا عام 2005 بينما كان يسعى للانضمام للجهاد في العراق وقضى ثلاث سنوات في السجن؛ حيث تم سرد قصته في فيلم وثائقي. كلا الأخوين كانا جزءًا من قواعد البيانات الأمريكية لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك قوائم المنع من السفر.
رؤساء التجسس الأوروبيون يخافون أن المستقبل يحمل مشاهد أسوأ. المدير العام للمخابرات البرياطنية (M15) أندرو باركر قال في خطاب نادر الخميس إن بريطانيا تقوي نفسها ضد موجة كبيرة من هجمات القاعدة عالية المستوى، قائلًا: “نحن لا زلنا نواجه مخططات معقدة وطموحة تتبع المسعى المؤسس للقاعدة وأشباهها: محاولات بتسبب خسائر كبيرة في الأرواح بمهاجمة أنظمة نقل أو أهداف رمزية“، في خطابه في معهد الخدمات المتحدة الملكية، مضيفًا: “نحن نعرف، على سبيل المثال، أن مجموعة من إرهابيي القاعدة في سوريا تخطط لهجمات دموية ضد الغرب“.
باركر، قال إن خبرة بريطانيا السابقة بقتال الجيش الجمهوري الأيرلندي جعلت الأمر واضحًا بأن الهجمات الإرهابية يمكن أن تدوم لمراحل طويلة، حيث “يتطلب الأمر جهودًا مكثفة طويلة الأمد وعملًا جماعيًا لمكافحته، ومن غير الواقعي توقع إيقاف مخطط كل هجمة، حتى لو كان المنفذون في بعض الحالات تحت مراقبتنا لسنوات عدة”.
الإرهاب جديد على أوروبا. المجموعات المسلحة المحلية، من جمهوريي أيرلندا إلى قوميي الباسك، إلى الجناح اليساري الألماني والإيطالي، تناثرت في المدن الأوروبية بالقنابل والجثث لعقود سعيًا لأهداف سياسية أو أيدولوجية.
وأوروبا عانت بشدة من المتطرفين الإسلاميين، حتى قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011. فرض آية الله الخميني حكمًا بالإعدام، أو فتوى، على سلمان رشدي بسبب كتابه الآيات الشيطانية عام 1989.
فجر الإرهابيون الجزائريون مترو باريس عام 1990 وخططوا لإسقاط برج إيفل بطائرة مخطوفة. ما يقارب الـ200 شخص ماتوا في هجوم مرتبط بالقاعدة في قطارات مدريد عام 2004، وبعد ذلك بسنة قتل 52 عندما فجر الإسلاميون الباصات وخطوط المترو. قتل مسلم ألماني صانع الأفلام المثير للجدل ثيو فان جوج عام 2004، وتم حرق مكاتب شارلي إيبدو عام 2001 بعد أن نشرت المجلة الأسبوعية عددًا تسخر به من النبي محمد عليه السلام.
لكن، مع اندلاع الحرب الأهلية السورية، التي ولدت جيلًا جديدًا من المحاربين المقدسين المدربين، تفاقمت مشاكل أوروبا. منذ تشرين الأول 2013، كان هناك أكثر من 20 مخططًا إرهابيًا قام به متطرفون تدربوا في سوريا، بما في ذلك هجوم بالسكاكين ضد الضباط الفرنسيين من رجل يصرخ “الله أكبر” في تورس، وقتل أربعة أشخاص في بروكسل أيار الماضي من رجل عائد من سوريا، بحسب باركر. وقال إن بعض الهجمات تم إفشالها، مستشهدًا بحادثة صادر بها الفرنسيون عبوة ناسفة من شقة مرتبطة بشخص عاد من سوريا. وقال إن البريطانيين أفشلوا ثلاثة مخططات في الشهور القليلة الماضية.
للتأكد، بعض البلدان الأوروبية تعاني لتوازن بين قوانين مكافحة إرهاب مع الكبح والفهم. الدنمارك تسعى لسحب فتيل تهديد الجهاديين العائدين من خلال المشورة والتدريب على العمل. وفي ألمانيا، يبدو أن المسؤولين قلقون من المجموعة المضادة لاستقبال المهاجرين بيجيدا، بقدر ما هم قلقون من تهديد هجمة جديدة.
وقال وزير العدل الألماني هيكو ماس الجمعة: “نحن لا نحتاج سباقًا للقوانين الجديدة، بقدر ما نحتاج تعليمًا أكثر وحوارًا مع المسلمين في ألمانيا. مجتمع مفتوح وحر هو الجواب الأفضل لكراهية الإرهابيين. يجب أن لا نقع في فخ الإرهابيين. حد حريتنا وسن قوانين جديدة هو تمامًا ما يسعون له“.
ولكن لمعظم أوروبا، هجمات باريس، متضمنة دراما اختطاف الرهائن الذي دام طيلة الجمعة، أكدت حس الخوف الذي كان يجتاح القارة أساسًا.
يقول باحث رئيس في المركز الدولي لدراسة التطرف، شيراز ماهر، إن هذا يؤكد حقًا المخاوف التي كانت تملكها الوكالات الأمنية سابقًا، مضيفًا أنه بالرغم من أن هجمات باريس لم تزهق كثيرًا من الأرواح مثل هجمات مدريد في 2004 أو لندن في 2005 إلا أنها بثت طيلة أيام على التلفاز، مضاعفة التأثير و”مطيلة الحدث” بحسب قوله.
الصيف الماضي، الحكومة الإسبانية اليمينية المعتدلة، التي تكافح البطالة والاقتصاد المنهار، أعلنت الإرهاب الجهادي كأكبر مشكلة في البلاد، قائلة: “الإرهاب الجهادي هو التهديد المميت الذي يواجهه المجتمع في القرن الحادي والعشرين“، على لسان وزير داخليتها جورج فيرنانديز دياز في خطاب له حزيران الماضي.
ولكنّ السياسيين البريطانيين هم الذين ذهبوا لأقصى حد، معلنين تشريعًا قد يسمح للحكومة بتجريد البريطانيين الجهاديين من مواطنتهم لمنعهم من إعادة دخول البلاد. وثيقة مكافحة الإرهاب الجديدة المناقشة الأسبوع الماضي في مجلس العموم تقدم مجموعة من السلطات الجديدة للحكومة لتهاجم التهديد الإسلامي المتوقع، من منع شركات التأمين الدفع للإرهابيين، لطلب فريق رعاية الأطفال الذين ترى أنهم بخطر تحولهم لإرهابيين.
المنتقدون، بما فيهم مراقب سياسة مكافحة الإرهاب البريطاني، دايفد أندرسون، عرضوا مخاوفهم من أن هذا التوجه قد يجرد الجهاديين المحتملين من مواطنتهم، جاعلهم بدون جنسية، وبدون أي ملجأ قانوني.
نائب رئيس الوزراء نيك كليج، حذر الثلاثاء من أن التشريع قد يهزم في البرلمان بدون وقايات لحماية المتهمين، مثل المراقبة القانونية بما يسمى القوانين الاستثنائية المؤقتة. هجوم باريس أصبح مباشرة جزءًا من الحوار، بينما يتهم كليج الأطراف اليمينية الداعمة للاتحاد الأوروبي باستخدام المأساة لاكتساب نقاط سياسية وإثارة حس مضاد للهجرة.
يقول ماهر من مركز دراسة التطرف: “أعتقد أنه من المشين على بريطانيا فعل هذا. لا يجب أن تكون هذه الطريقة التي تسير نحوها الأمور“.
فورين بوليسي – التقرير
http://goo.gl/JhY5qQ