ثورة شعبية اندلعت في تونس أواخر عام 2010، أطلق شراراتها الأولى الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده، حادث تضامن معه التونسيون، وسريعا اتسعت رقعة الاحتجاجات التي توجت بسقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي وفراره من البلاد، وألهمت تلك الثورة حركات الاحتجاج التي بدت ثورات شعبية سلمية في بقية دول الربيع العربي.
لم يكن الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده تعبيرًا عن غضبه على معاناته البطالة، ومصادرة الشرطية البلدية فادية حمدي عربة الخضار التي يقتات منها، يدري أن ذلك سيشعل ثورة شعبية تطيح بالرئيس زين العابدين بن علي بعد 27 يوما فقط من اندلاعها.
فقد فجر البوعزيزي مخزون الغضب عند جموع التونسيين الرافضين لتردي أوضاع بلدهم الذي يعاني شعبه البطالة وغياب وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم، فضلا عن كبت الحريات وانتهاك حقوق الإنسان.
اتسع نطاق التظاهرات وشملت مدنا عديدة في تونس، وسقط فيها 338 قتيلا إلى جانب مئات الجرحى، نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، ولم تفلح العبارة الشهيرة التي خاطب بها بن علي شعبه “فهمتكوا” في احتواء المظاهرات والاحتجاجات.
أجبرت الاحتجاجات بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى المتظاهرون بحلها، لكن الاحتجاجات التي توسعت وازدادت شدتها اضطرت بن علي إلى ترك السلطة ومغادرة البلاد فجأة، عشية يوم الجمعة 14 يناير/كانون الثاني بعد حكم دام 23 عاما، كما فرّ العديد من أفراد عائلته وعائلة زوجته المتهمين بممارسة الفساد على نطاق واسع.
ولخصت عبارة المواطن التونسي الذي نزل إلى أحد شوارع العاصمة فرحا “بن علي هرب” الحالة. وبعد فرار بن علي أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي في اليوم نفسه توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة، وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وفقا للفصل 56 من الدستور القديم مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول.
وبعد يوم واحد قرر المجلس الدستوري اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن في يوم السبت 15 يناير/كانون الثاني 2011 تولي فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب منصب رئيس الجمهورية مؤقتا، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يوما.
غير أن الأحداث اتخذت منحى آخر، حيث تظاهر يوم 25 فبراير/شباط 2011 أكثر من 100 ألف شخص في تونس، ضد حكومة الوزير الأول في عهد بن علي، محمد الغنوشي، وطالبوا بانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد لتونس، فخلف الباجي قايد السبسي الغنوشي.
الرئاسة
توالت مجموعة من الأحداث الفارقة في مسار تونس ما بعد الثورة أبرزها انتخاب المجلس التأسيسي في 12 ديسمبر/كانون الأول 2011 المنصف المرزوقي، رئيسا للجمهورية، بعد مصادقته على القانون التأسيسي للتنظيم المؤقت للسلطة العامة، كما كلف حمادي الجبالي الرجل الثاني في النهضة حينها بتشكيل الحكومة.
عنف
في 11 يونيو/ حزيران 2012 شهدت مدن تونسية هجمات راح ضحيتها قتيل ومئات الجرحى ، وفي 6 فبراير/شباط 2013 اغتيل المعارض اليساري شكري بلعيد رميا بالرصاص في تونس العاصمة، وأدى ذلك إلى مظاهرات احتجاج عنيفة في عدد من المدن، وإلى أزمة سياسية أفضت إلى استقالة الحكومة وتعيين علي العريض -الذي ينتمي إلى حزب حركة النهضة– رئيسا جديدا للوزراء.
وفي 25 يوليو/تموز 2013، اغتيل المعارض اليساري محمد البراهمي أمام منزله في العاصمة تونس، ما فجر أزمة سياسية جديدة، وبعد مرور أربعة أيام على مقتله، لقي ثمانية جنود تونسيين مصرعهم في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر، حيث كانت سلطات الأمن تلاحق مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة منذ 2012.
الدستور والانتخابات
بعد أشهر من المفاوضات الصعبة والصاخبة للخروج من الأزمة السياسية، وقع القادة التونسيون الدستور في 26 يناير/كانون الثاني 2014، بعد تأخير استمر أكثر من عام، وبعد ثلاثة أيام من توقيع الدستور شكلت حكومة تكنوقراط بقيادة مهدي جمعة، وتخلت حركة النهضة عن السلطة للتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية في نفس العام.
وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014 فاز حزب نداء تونس الذي يقوده الباجي قايد السبسي، في أول انتخابات تشريعية منذ الثورة، وحصل على 86 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 217 مقعدا، متقدما على حزب حركة النهضة الذي حصل على 69 مقعدا، وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام فاز السبسي بمنصب رئيس الجمهورية قبل أن يشهد حزب نداء تونس خلافات داخلية.
الجزيرة