يراهن عدد كبير من محللي سوق النفط العالمية ومتابعي تجارة هذه السلعة أن أسعار النفط ستشهد ارتفاعاً الى ما بين ٥٥ و٦٠ دولاراً للبرميل في نهاية ٢٠١٦. ويبرر هؤلاء الذين حضروا على هامش مؤتمر «أوبك» في فيينا هذا التطور بتراجع الاستثمارات في قطاع النفط في عدد كبير من الدول المنتجة نتيجة انخفاض سعر النفط الى مستويات بلغت احياناً ٣٠ دولاراً ثم عادت وارتفعت الى ٤٩ دولاراً للبرميل. فبعضهم مثل غاري روس رئيس شركة الاستشارات الأميركية «بيرا» يتوقع هذا الارتفاع تدريجياً لأن العرض في العالم يتراجع بسبب انخفاض الانتاج في عدد من الدول مثل أميركا وانتاج النفط الصخري الى دول عديدة أخرى أوقفت استثماراتها. ويرى روس أن السوق في حاجة الى مستوى سعر عند ٦٠ دولاراً. ويتوقع آخرون في الدول النفطية بقاء سعر برميل النفط بين ٤٧ و٥٠ دولاراً هذه السنة وارتفاعه الى أكثر من ذلك في ٢٠١٧. وبدأ تحسن السعر الى ٤٩ دولاراً مع الحديث عن تحرك لتجميد الانتاج من دول «اوبك» ولو ان ذلك لم يحظَ على اتفاق شامل بعد ان رفضت ايران الدخول فيه. ولكن الحديث عن التجميد كان له تأثير نفسي في السوق. إضافة الى مشكلات في نيجيريا وفنزويلا وحريق كندا والاضراب في الكويت وانخفاض الانتاج الليبي الذي بلغ في أيار (مايو) الماضي ١٥٥ الف برميل في اليوم بسبب صراعات بين ممثلي شركات النفط في الغرب والشرق، ما رفع سعر النفط الى ٤٩ دولاراً للبرميل واحياناً الى ٥٠ دولاراً. ولكن خالد الفالح وزير الطاقة الجديد في أكبر دولة منتجة للنفط في «أوبك» والتي تملك احتياطياً ضخماً أكد في فيينا أن لا تراجع في استثمارات القطاع الانتاجي في السعودية وان المملكة مستمرة في تنفيذ خططها التطويرية للحقول المنتجة. أما الحديث عشية مؤتمر «أوبك» في كواليس الأوساط النافذة في دول المنظمة عن احتمال وضع سقف انتاجي للمنظمة بحوالي ٣٢.٢ مليون برميل في اليوم كان له ايضاً اثر نفسي في السوق مما رفع قليلاً سعر النفط حتى لو لم تتوصل «أوبك» الى اتفاق حول ذلك. فنية البعض محاولة الحد من حرية الانتاج أظهرت ان الجميع يفكر الآن في الحد من تدهور سعر النفط. حتى لو ان ايران لم توافق على ذلك لأنها اعتبرت انه لا يمكن وضع سقف انتاجي من دون الاتفاق على حصص الانتاج.
فالرهان ان تراجع الاستثمارات في دول عديدة والأحداث الجيوسياسية غير المطمئنة على صعيد الانتاج النفطي في عدد من الدول النفطية وفي طليعتها نيجيريا وفنزويلا وليبيا تؤدي الى سوق نفطية قد تشهد بداية توتر على صعيد العرض النفطي. اضافة الى ذلك رغبة وذهنية الدول في حد تدهور سعر النفط كلها عناصر تعمل على بقاء سعر البرميل بين ٤٧ و٥٠ دولاراً حالياً على ان يتحسن في نهاية السنة. ويقول غاري روس «ما يحدث حالياً منذ بدأ انخفاض سعر النفط الى ٣٠ و٤٠ دولاراً هو قتل العرض بسبب تراجع الاستثمارات وهي تحتاج الى عودة سعر ٦٠ دولاراً للبرميل لعودتها».
لقد أنتج اعضاء أوبك الـ١٣ ٣٢.٤٧٠ مليون برميل من النفط في اليوم في أيار (مايو). وايران ٣.٤٥٠ مليون برميل مع صادرات بلغت ١.٨٦٥ مليون برميل في اليوم، فقد زاد انتاج ايران النفطي بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً. فقد تمكنت ايران من زيادة انتاجها رغم ان عدداً من العقوبات الاميركية المرتبطة بالتمويل لم يرفع عنها مما يصعب الاستثمارات في قطاعها النفطي وايضاً مبيعاتها من النفط بالدولار. ولكن حقول ايران تحتاج الى استثمارات والشركات العالمية متخوفة من الدخول فيها بسبب العقوبات الأميركية. والوزير خالد الفالح يؤكد انه حريص على ان تبقى «اوبك» منظمة اقتصادية وإبعادها عن السياسة. واليوم كل الدول في هذه المنظمة في حاجة الى ان تبقى كذلك ولكن هل ينجح هذا الرهان؟
الأشهر المقبلة وتطور مستوى سعر النفط ستظهر ذلك. فالرهان على مستوى سعر برميل النفط دائماً خطير مع مفاجآت تحدث في الأسواق النفطية، ولكن الاحتمال الأكبر اليوم في اوساط الصناعة النفطية وتجار النفط ان سعر النفط سيشهد ارتفاعاً تدريجياً رغم وصول انتاج ايران الى الاسواق بوتيرة اسرع مما كان متوقعاً.
رنده تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية