لو كان أوباما يستطيع أن يعود وراءً في الزمن ويقوم بتغيير شيء ما في فترة رئاسته، فإنه كان سيختار التدخل الذي قادته الولايات المتحدة في ليبيا. بينما ينظر أوباما بشكل متزايد في إرثه، فإن السؤال الحتمي الذي وجهه إليه أحد الحاضرين ليلة الخميس في قاعة “نيوز أور” في إنديانا عما يمكن أن يفعله لو أتيحت له فرصة عمل الأشياء مرة أخرى، أكد أيضاً كيف أن سياسته الخارجية تصنع حقل ألغام سياسي لهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة التي تتطلع إلى خلافته في البيت الأبيض.
“سيدي الرئيس، ما هو الشيء الوحيد الذي تود أن تعود فتغيره خلال فترة رئاستكم، وكيف يمكن أن تغيره؟” قال السائل في إلكهارت؛ حيث قام أوباما بأول زيارة له كرئيس منذ سبع سنوات.
في السياسة الخارجية، قال أوباما إن ذلك الشيء كان عملية العام 2011 في ليبيا، حيث قادت الولايات المتحدة حملة قصف جوي بدعم من حلف الناتو والأمم المتحدة. وكان القذافي -“هذا الرجل”، كما دعاه أوباما، في تذكير بأن الرجل القوي كان يعد راعياً لإرهاب دولة- قد هدد بذبح الآلاف من أبناء الشعب الليبي في ذلك الحين.
وأضاف أوباما: “لقد نجحنا، وربما أنقذنا عشرات الآلاف من الأرواح”، في إشارة إلى “التحالف الكبير” الذي ذهب إلى هناك. “لكنني اعتمدت أكثر من اللازم على دول أخرى لتقوم عندئذٍ بتحقيق الاستقرار وبالمساعدة في دعم تشكيل حكومة، لكن الوضع (في ليبيا) الآن هو نوع من الفوضى”.
في آذار (مارس) 2011، منحت الأمم المتحدة تفويضاً بتدخل عسكري، وبعد أيام لاحقاً، أقامت الولايات المتحدة وشركاؤها في الائتلاف منطقة حظر للطيران فوق البلد الشمال أفريقي، وشرعوا في قصف قواتها الحكومية.
بعد ذلك، تمت الإطاحة بالقذافي القذافي وقتله في تشرين الأول (أكتوبر). لكن ليبيا استمرت في التحلُّل منذ ذلك الحين؛ حيث تندفع مجموعة “داعش” الآن لملء الفراغ الفوضوي الذي صنعته الحرب والفصائل المتنافسة والحكومات التي جاءت في أعقاب الحرب.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها أوباما عن ندمه إزاء جهود المتابعة المترنحة. لكن ملاحظات أوباما حول ليبيا جاءت بعد ساعات فقط من إلقاء وزيرة خارجيته السابقة، هيلاري كلينتون، خطاباً مركزاً على شؤون الأمن القومي، والتي تضمنت انتقادات حادة لمنافسها المحتمل في الانتخابات الرئاسية للعام 2016، مرشح الحزب الجمهوري المفترض دونالد ترامب.
كما استخدمت كلينتون خطابها في سان دييغو أيضاً لإطلاق حصتها من الهجوم ضد ترامب في الانتخابات العامة، وقالت إن تصريحاته غير المتساوقة والمتناقضة في كثير من الأحيان حول السياسة الخارجية تثبت أنه خطِر بحيث لا يجب أن يكون القائد العام
ولكن، مع حتمية توريث “فوضى” ليبيا لخليفة أوباما -إلى جانب سلسلة من الأزمات العالمية التي تمتد من سورية إلى أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي- فإن تصريحات الرئيس تُذكِّر أيضاً بأن مسار كلينتون الأكثر عدوانية سيفتح أيضاً سجلها الأوسع أمام قدر أعلى من التدقيق. وفي حين أنه ليس من الواضح على الإطلاق في هذه المرحلة ما إذا كان خليفة أوباما سيكون ترامب أو كلينتون، فإن المرشح الديمقراطي هو الذي يُحتمل أن يتم ربطه بشكل وثيق مع السياسة الخارجية للرئيس الحالي -وخاصة في موضوع ليبيا.
كوزيرة الخارجية، كانت كلينتون من مستشاري أوباما، والتي أيدت بقوة القيام بعمل عسكري في ليبيا. كما كانت تترأس وزارة الخارجية أيضاً عندما قُتِل السفير الأميركي وعدد من الأميركيين خلال الهجوم الذي شُن على البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي، في أيلول (سبتمبر) 2012. ويواصل المشرعون الجمهوريون محاولة بناء قضية تعتبر كلينتون مخطئة لفشلها في توفير الأمن الكافي قبل الهجمات، وتثبت أن الإدارة ضللت الجمهور عمداً بعد الهجوم، على الرغم من أن حفنة من التحقيقات السابقة لم تعثر على أدلة على ارتكاب أخطاء أو مخالفات.
من جهته، قال السفير الليبي لدى الأمم المتحدة لمجلة “فورين بوليسي” مؤخراً إن الفوضى التي أعقبت التدخل لم تكن خطأ الولايات المتحدة أو خطأ قوات التحالف، وإنما هي أزمة حكم من صنع الليبيين أنفسهم. ومع ذلك، أوضح المعارضون الجمهوريون مسبقاً أن سيحاولون استخدام ليبيا، وتجربة كلينتون الكاملة الأكثر عمقاً، في العمل ضدها.
وكان ترامب قد أرسل تغريدة في 21 أيار (مايو)، وقال فيها: “إن تدخلات هيلاري كلينتون الخارجية الهوجاء أطلقت العنان للدولة الإسلامية في سورية، والعراق، وليبيا. إنها (كلينتون) متهورة وخطيرة!”.
يجب ملاحظة أن ترامب كان أيد التدخل في ليبيا من أجل إسقاط القذافي ذات مرة أيضاً، وقال في ذلك الحين: “عند هذه النقطة، إذا لم تتخلصوا من القذافي، فإن ذلك سيلحق عاراً رئيسياً وكبيراً بهذا البلد”.
في العام 2016، قررت كلينتون من جانبها تحدي هذه الجهود، وأن لا تكتفي في ذلك بالدفاع عن تجربتها فقط، وإنما أن تروجها باعتبارها مكمن قوة رئيسي في سعيها إلى أن تكون القائد العام للقوات الأميركية.
جادلت كلينتون بأن العوائق في ليبيا نفسها هي التي عرقلت النجاح هناك. ففي حين أن الليبيين لم يستطيعوا توفير أمنهم الخاص، كما قالت، فإنهم قاوموا وجود قوات أميركية -أو أي قوة أجنبية- لتوفره لهم.
وقالت في مناظرة رئاسية ديمقراطية في نيويورك في نيسان (أبريل): “إننا لا نستطيع أن ننآى بأنفسنا عن ذلك. إن الشعب الليبي يستحق فرصة في الديمقراطية والحكم الذاتي. وأنا، كرئيسة، سأستمر في المحاولة لمنحهم ذلك”.
لكن كلينتون لم تأتِ على ذكر ليبيا في خطابها الذي ألقته يوم الخميس.
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية