أدّى مصرع القيادي البارز في «حزب الله» مصطفى بدر الدين، في سوريا في أيار/مايو إلى ترك الحزب يترنح [من هول الصدمة]، ولكن ليس للسبب الذي يعتقده معظم الناس. صحيح، أنه فقد أحد قادته المؤهلين تأهيلاً خاصاً والذي يتميز بِنَسبْ فريد من نوعه كونه نسيب عماد مغنية، الذي تآمر معه بدر الدين لتنفيذ هجمات إرهابية مدمرة يعود عهدها إلى تفجيرات بيروت في الثمانينات. وكان بدر الدين يشغل وظيفتان في أثناء وفاته، كقائد لكل من الشبكة الإرهابية الدولية للحزب («منظمة الجهاد الإسلامي» أو «منظمة الأمن الخارجي») ولقواته العسكرية المنتشرة على نطاق واسع في سوريا. ولا تُعتبر خسارة مثل هذا القائد الكبير والمحنك نكسة صغيرة لـ «حزب الله».
إلا أن مصرع بدر الدين، بحد ذاته، ليس السبب الحقيقي لشعور «حزب الله» بالقلق، بل إن حقيقة عدم كون إسرائيل – العدو اللدود للجماعة – المسؤولة عن مقتله على ما يبدو، هي سبب الشعور بالإحباط. ويبدو أن هناك حالياً أعداء لـ «حزب الله»، هم أكثر أهمية وإلحاحاً من إسرائيل – الأمر الذي أدى إلى جعل حزب “المقاومة” مرتبك ومنزعج.
منذ عام 2012، لقي مقاتلو «حزب الله» مصرعهم في معارك ضد المتمردين السنة في سوريا بأعداد أكبر مما خسر الحزب في جميع معاركه وحروبه مع إسرائيل. والمسألة ليست مجرد أعداد، بل مصرع قادة رئيسيين. فوفقاً لبعض التقارير قُتل عدد قليل من قادة «حزب الله» على يد إسرائيل، بمن فيهم جهاد مغنية وسمير القنطار. ولكن هذه الحالات هي الاستثناء التي تُثبت القاعدة، أي: أن معظم كبار قادة «حزب الله» لقوا مصرعهم على أيدي المتمردين السنة وليس على أيدي الإسرائيليين.
وقد قُتل بعضهم على الخطوط الأمامية عندما كانوا يحاربون إلى جانب نظام الأسد. ففي أيار/مايو 2013، قُتل فوزي أيوب، قائد لبناني- كندي مزدوج الجنسية من «حزب الله» في محافظة درعا جنوب سوريا، وكان قد ظهر على لائحة أهم المطلوبين لدى “مكتب التحقيقات الفدرالي” الأمريكي. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، قتل قائد آخر هو حسن حسين الحاج، وذلك في معارك جرت حول إدلب، في شمال غرب البلاد. وفي صيف عام 2013، قُتل خليل محمد حامد خليل في حمص. وفي شباط/فبراير 2016، قُتل علي فياض في منطقة حلب، بينما لاقى “قائد «حزب الله» المخضرم” خليل علي حسن، مصرعه أيضاً في منطقة حلب في أوائل حزيران/يونيو 2016.
وبالنسبة لـ «حزب الله»، تعتبر معظم الأشياء السيئة نتاجاً لمؤامرة إسرائيلية، بدءاً من الحركة اللبنانية الشعبية التي كانت قد طردت سوريا من لبنان عام 2005 إلى الحرب الأهلية السورية. وبالتالي فوفقاً لمنطق «حزب الله»، جاء مصرع المقاتلين والقادة في المعارك [المختلفة]، نتيجة لخوض حرب تُعتبر في مخيلة الحزب بأنها نتاج مؤامرة تكفيرية- إسرائيلية – أمريكية. ولكن الاغتيال المستهدف لشخص بارز بمستوى بدر الدين بعيداً عن خط المواجهة هو حدث قائم بذاته.
لذلك عندما خرج زعيم الحزب، حسن نصر الله، على موجات الأثير ليعلن انه “لا توجد إشارة أو دليل يقودنا الى الإسرائيليين”، كان ذلك إنجازاً رائعاً بالفعل. وقد أضاف نصر الله بسرعة أن «حزب الله» “لا يخشى اتهام إسرائيل عند الضرورة”، ولكن في هذه الحالة “قادت تحقيقاتنا إلى الجماعات الإرهابية [السنية]”. ولا يمكن أن يكون نصر الله أكثر وضوحاً، عندما قال: “خلال 24 ساعة عرفنا من قتل سيد مصطفى، لا تحاولون مجرد الإشارة إلى إسرائيل.”
كما أن المتمردين السنة السوريين هم ليسوا العدو الوحيد لـ «حزب الله» من غير الإسرائيليين، وقد تم تأكيد ذلك من خلال القرار الذي اتخذه «مجلس التعاون الخليجي» في وقت سابق من هذا العام من خلال إدراج «حزب الله» على القائمة السوداء، والاستنكارات التي واجهها الحزب من قبل جامعة الدول العربية و«منظمة التعاون الإسلامي». وفي الواقع، حتى قبل اتخاذ هذه الإجراءات، كان السعوديون يقودون بالفعل محاولة للتصدي لأنشطة «حزب الله» في منطقة الخليج وبلاد الشام على حد سواء. وقد أدى جهداً واحداً على وجه الخصوص إلى نتائج مذهلة.
في آب/أغسطس 2015، أُلقي القبض في بيروت على السعودي أحمد المغسل، زعيم الجناح العسكري لـ «حزب الله» الحجاز والمهندس الرئيسي لتفجير “أبراج الخبر” عام 1996، حيث أفادت التقارير أنه كان يعيش تحت حماية «حزب الله» اللبناني، وتم تسليمه إلى المملكة العربية السعودية. فبعد تمكنه من الهرب لفترة قاربت الـ 20 عاماً، جاء إلقاء القبض المفاجئ على المغسل كصدمة غير مرحب بها لـ «حزب الله». وفي الواقع، إن المغسل الذي يتحدث الفارسية هو في وضع فريد يؤهله إلقاء الأضواء على النشاطات السرية للعملاء الايرانيين ووكلائهم في المنطقة، وخاصة «حزب الله».
لذا يجب أن لا يأتي كمفاجأة بأن المقالة التي نشرها وزير الخارجية السعودي في صحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الثاني/يناير (والتي أُدرجت فيما بعد في نطاق مستند تقني من قبل الحكومة السعودية) قد استخدمت لغة حادة ضد «حزب الله»:
إن [«حزب الله»]، الذي يعمل تحت وصاية إيران، يحاول السيطرة على لبنان وشن حرب ضد المعارضة السورية – وفي هذه الحالة يساعد على ازدهار تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن الواضح لماذا تريد إيران بقاء بشار الأسد في السلطة في سوريا: ففي تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب صدر عام 2014، كتبت الوزارة أن إيران تَعتبر سوريا “جسراً حيوياً لإمدادات الأسلحة لـ [«حزب الله»]”. وأشار التقرير أيضاً، نقلاً عن بيانات الأمم المتحدة، أن إيران وفرت السلاح والتمويل والتدريب “لدعم الحملة الوحشية لنظام الأسد التي أسفرت عن مقتل 191,000 شخص على الأقل”. وأشار نفس التقرير لعام 2012 أن “رعاية الدولة الإيرانية للإرهاب قد ظهرت من جديد”، حيث أن النشاط الإرهابي لكل من إيران و[«حزب الله»] “قد وصل إلى درجة لم يسبق لها مثيل منذ التسعينيات”.
كما أن السعوديين ليسوا وحدهم في الجهود التي يبذلوها للتصدي لنفوذ «حزب الله» وعملياته في المنطقة وخارجها على حد سواء. وفي غضون بضعة أسابيع من إصدار وزارة الخارجية الأمريكية لأحدث طبعة من تقريرها السنوي حول الإرهاب، أكد مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن “التصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار ولدعمها للإرهاب كان عنصراً أساسياً في حوارنا الموسع مع دول «مجلس التعاون الخليجي»، في أعقاب قمة قادة هذه الدول في كامب ديفيد في أيار/مايو [2015]. كما وسّعنا أيضاً التعاون مع شركائنا في أوروبا وأمريكا الجنوبية وغرب أفريقيا لبلورة وتنفيذ استراتيجيات للتصدي لأنشطة الجماعات المتحالفة مع إيران والتي ترعاها الجمهورية الإسلامية، مثل «حزب الله»”.
وبالنسبة لجماعة تأسست على مبادئ “المقاومة” ضد إسرائيل، يتعيّن على «حزب الله» التعامل مع الواقع الصعب بأنه خسر أكثر من 1000 مقاتل في المعارك ضد إخوانه العرب والمسلمين، وليس الإسرائيليين. ويُنظر إلى الجماعة في جميع أنحاء المنطقة كسلاح طائفي في الترسانة الإيرانية. فهو ليس قوة مقاومة تحارب الاحتلال، بل قوة تدعم احتلال في سوريا. وفي مقال ظهر في موقع “ناو” في أيار/مايو، اعترف مقاتل في «حزب الله» قائلاً، “نحن غزاة، هذا هو دورنا الآن. نعم، لديّ العديد من الأسئلة، ولكن الحرب معقدة للغاية ولديّ عائلة يجب أن أدعمها”.
إن مكانة «حزب الله» قد تراجعت بشكل كبير في مختلف بلدان الشرق الأوسط. وكانت شعبية الجماعة قد ارتفعت في أعقاب الحرب مع إسرائيل عام 2006، ولكن هذه هي قصة مختلفة في الوقت الحالي. فبعد قيام «مجلس التعاون الخليجي» بتصنيف «حزب الله» [كمنظمة إرهابية]، أصر نصر الله أن معظم العالم العربي رفض هذا القرار ولا يزال يؤيد الحزب. بيد، تعطي استطلاعات الرأي من أيلول/سبتمبر 2015 صورة مختلفة، حيث يحمل 86 في المائة من الأردنيين نظرة سلبية عن «حزب الله»، كما حصل الحزب على نسبة تأييد لا تزيد عن 13-15 في المائة فقط في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وكما يُظهر اغتيال بدر الدين، يجد «حزب الله» نفسه في ورطة كبرى في استطلاعات الرأي فيما يتعلق بالمشكلة السنية. إن هذا المجرى للأحداث ذو دلالة كبيرة عندما لا تأتي المشكلة الأمنية الأكبر من إسرائيل بل من سوريا.
ماثيو ليفيت ونداف بولاك
معهد واشنطن