مرّت الآن سنتان بالتمام والكمال على ما يُتداول تحت عنوان “سقوط الموصل” في أيدي تنظيم داعش الإرهابي، فيما هو في الواقع سقوط لثلث مساحة البلاد، بمدن مهمة أخرى غير الموصل، منها تكريت والرمادي وسنجار وعشرات البلدات في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى وصلاح الدين والانبار.
كان ذلك حدثاً صاعقاً، مُزلزلاً، خصوصاً على صعيد عواقبه الإنسانية الكارثية. يُشبه في أوجه عديدة منه حدث الهزيمة العربية الكبرى أمام إسرائيل في حزيران 1967، بل إن الحدث العراقي كان أكثر وقعاً على النفوس العراقية، ففي 1967 كانت هناك جيوش (عربية) تحارب وكان هناك قتلى بين الجنود والضباط الذين قاتلوا، فيما في الحدث العراقي كان هناك استسلام تامّ وشامل وغير مشروط ومبكّر من قوات الجيش والشرطة والأمن والبيشمركة، بل كانت هناك عملية تسليم وتسلّم من دون مراسيم رسميّة، فقد فرّ الضباط قبل الجنود، بملابس مدنيّة، أمام مجموعات داعش التي تسلّمت من دون قتال أسلحة فتّاكة جديدة بذخائرها ومعسكرات وقواعد بمُعدّاتها الكاملة المتكاملة، فيما كان هناك ضحايا بالمئات بين صفوف مجنّدين أغرار لم يحظوا من آمريهم حتى بمجرد النصيحة بالفرار (ضحايا سبايكر وسواهم)، فضلاً عن السبايا والمغتصبات الإيزيديّات والمسيحيّات، وهو أمر لم يفعله الإسرائيليون مع العرب لا في 1967 ولا في أيّ حربٍ أخرى.
مرّت سنتان على وقوع تلك الجريمة الكبرى، ولم نعرف حتى اليوم كيف حصل ما حصل، ولماذا حصل ما حصل، ومَنْ المسؤول، بل المسؤولون، عمّا حصل!
مجلس النواب، مثل كلّ برلمان، مِن أوجب واجباته المراقبة والمحاسبة، مثلما مِن واجبه التشريع. مجلسنا شكّل لجنة للتحقيق في “سقوط الموصل” بعد خمسة أشهر من وقوع الحدث، وفي غضون شهر (كانون الأول 2014)، أعلنت لجنة التحقيق تلك عن أنّها باشرت استجواب المسؤولين المحتملين عما حدث، من السياسيين والعسكريين.
اللجنة استغرقتها التحقيقات ثمانية أشهر بالتمام والكمال، أعلنت في نهايتها (آب 2015) عن أنها أنجزت تقريرها النهائي، متضمناً معلومات تُحمّل المسؤولية إلى 34 مسؤولاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً في الدولة.
ما فعله بعد ذلك مجلس النواب، الذي شكّل هو لجنة التحقيق من تلقاء نفسه وليس بإرادة من خارجه، أنه وضع التقرير فوق الرفوف العالية في مبناه منذ ذلك الوقت حتى اليوم، ولم يأذن بنشر التقرير أو ملخّص له، ولا هو قام بواجبه في مناقشة التقرير للتصديق على ما يحتمل التصديق ونبذ ما يتعيّن نبذه.
الآن تمرّ سنتان على سقوط الموصل وتكريت والرمادي وسنجار وعشرات البلدات والمدن الأخرى، وتنقضي عشرة أشهر على انتهاء التحقيق البرلماني في هذه القضية، ولا كأنَّ حدثاً صادماً وصاعقاً ومزلزلاً قد حدث. الطبقة السياسية برمّتها لا تريد لأحد أن يفتح “باب جهنّم”، مع انّ رئيس مجلس النواب عندما تسلّم التقرير من اللجنة قال أمام كاميرات الفضائيات (في 16 آب 2015) بلهجة التوكيد إنَّ مجلسه “سيتناول التقرير في الجلسة القادمة التي سيعقدها علنية ليطّلع الشعب العراقي على حقيقة ما جرى من أحداث تسبّبت في سقوط محافظة نينوى بيد داعش الإرهابي وما تبعه من انهيارات أمنيّة في عدد من محافظات العراق”، وقال أيضاً إنّ المجلس “سيُرسل التقرير إلى الادّعاء العام ليأخذ مجراه القانونيّ”.
و…. “هذاك يوم وهذا يوم” كما نقول في عاميّتنا!
عدنان حسين
موقع المدى