يواجه السكان المدنيون النازحون من مدينة الفلوجة بغرب العراق، فرارا من تنظيم داعش ومن الحرب الدائرة بمدينتهم، معضلة إثبات براءتهم من الانتماء للتنظيم المتشدد والقتال إلى جانبه.
وتكاد هذه التهمة الجاهزة تطال جميع الذكور الذين تفوق أعمارهم الـ13 سنة وأحيانا الأطفال دون تلك السن، إذا كانت بنيتهم الجسدية تشير إلى قدرتهم على حمل السلاح.
وبمجرّد خروجهم من المدينة بعد أن يكونوا قد تفادوا مخاطر كبيرة من بينها الموت برصاص تنظيم داعش أو بعبواته الناسفة المزروعة على كل الطرق والمنافذ، يدشن النازحون مرحلة جديدة من المعاناة من عملية التدقيق الأمني الطويلة وما يرافقها من إهانات ومن تعذيب للمشكوك فيهم أكثر من غيرهم.
وتزيد من المعاناة مشاركة الميليشيات الشيعية غير النظامية في احتجاز النازحين وفي التحقيق معهم بطرق بدائية كثيرا ما تتحوّل إلى عملية انتقام طائفي من هؤلاء السكان الذين ينتمون إلى الطائفة السنية.
وتجمع الثلاثاء عدد من النازحين الفارين من المعارك في مخيم عامرية الفلوجة حول عدد من المسؤولين العراقيين الذين كانوا في جولة تفقدية وتوجهوا إليهم بالسؤال بشكل جماعي “أين هم أولادنا؟”.
وناشدت الأمهات المسؤولين معرفة مصير فلذات أكبادهن فيما كان رجال يكتبون على الورق أسماء المئات من أقاربهم الذكور الذين بات مصيرهم مجهولا.
وقالت طليعة ذياب التي فرت من بلدة الصقلاوية الواقعة شمال الفلوجة مطلع الشهر الجاري، “زوجي، وثلاثة من أبنائي، وثلاثة من أولاد إخوتي مفقودون”، مشيرة إلى أنها لم تتمكن من الحصول على معلومات حول مصيرهم منذ أسبوع. وأضافت “نسمع أن العديد منهم تعرض للقتل، نريد أن نعرف ما الذي حدث؟”.
وعائلة ذياب واحدة من المئات من الأسر التي تتكدس في مخيم عامرية الفلوجة منذ الأسابيع الثلاثة الماضية.
وقد أطلقت القوات العراقية فجر 23 من الشهر الماضي، عملية لاستعادة الفلوجة التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش منذ يناير 2014.
وانتهت المرحلة الأولى من العملية بمشاركة فصائل الحشد الشعبي التي تم تحديد تحركها بفرض طوق على المدينة واستعادة المناطق المحاذية لمدينة الفلوجة.
وفي حين تزداد أعداد النازحين من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم المتشدد، يتضاعف كذلك حجم الشكاوى من ارتكاب قوات الأمن وفصائل الحشد الشعبي لانتهاكات.
وقالت مروة محمد مشيرة إلى الفصائل الشيعية المسلّحة إن “الحشد الطائفي خطف زوجي”.
وأضافت “المليشيات أخذت كل الرجال، كتائب حزب الله هم من أخذتهم نعرفهم من راياتهم، لكن فصائل أخرى كانت موجودة أيضا”. ويقطن الفلوجة والمناطق المجاروة عرب سنة، فيما غالبية الفصائل المشاركة في المعركة من المجموعات الشيعية التي تدعمها إيران.
وأدت مشاركة الميليشيات في عملية استعادة الفلوجة إلى مضاعفة المخاوف من وقوع أعمال انتقامية ضد المدنيين.
وقال مسؤول من مكتب رئيس الوزراء كان ضمن الوفد الذي تفقد المخيم “سأقوم بنقل هذه المعلومات، نحن نصغي وننظر إلى الحلول”.
وبدوره، قال الناطق باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن، إن “مجموع الرجال الذين تم حجزهم من مدينة الفلوجة بلغ 600 منذ بداية العملية حتى الآن، نحاول التعرف على عناصر داعش الفارين”.
وقال رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، الثلاثاء، في بيان إنه شكل لجنتين للتحقيق حول الجانبين الإنساني وحماية المدنيين النازحين من الفلوجة”، مؤكدا “العمل على التسريع التدقيق الأمني”.
غير أن دوائر عراقية كثيرا ما تشكك في فعالية مثل هذه الإجراءات، مؤكّدة أن الميليشيات الشيعية قوية سياسيا وعسكريا بما يكفي لجعلها عصية عن المحاسبة.
وبعيدا عن الغبار الذي أحاط بالمسؤولين الزائرين، يجلس الرجال الذين أفرج عنهم داخل خيمة ويتبادلون أطراف الحديث حول عمليات التعذيب التي تعرضوا لها من قبل عناصر الحشد الشعبي.
ويقول رجل عرف عن نفسه باسم “أبوبان” وهو يكشف عن الجروح الظاهرة على رسغيه “لقد رأيت بأم عيني أكثر من أربعين شخصا يموتون في معتقلات الحشد”. وأضاف “هذه الجروح ناجمة عن تقيدي أربعة أيام دون طعام وشراب”.
وبدوره، قال أبوحسين من منطقة الأزرقية “لقد ضربونا بالعصي، أنظر إلى ذراعي، لقد رأيتهم يحرقون رجلا كما تشوى الدجاجة”.
ويروي كثيرون في المخيم قصصا حول التعذيب من قبل الميليشيات، لكنهم يرفضون الكشف عن أسمائهم كاملة بسبب الخوف. وقال أبوعبدالله وهو مدرّس بالغ من العمر 57 عاما “هربنا من داعش من أجل أن ينقذنا الحشد، لكنهم عاملونا كأننا دواعش”. وأضاف “لم تتأثر حياتنا كثيرا عندما كنا تحت حكم داعش، لأننا نسكن منطقة ريفية، لدينا مزرعة نعتاش منها، ونعرف كيف نعيش تحت الحصار”. وختم بحسرة “دعني أقل لكم إنه كان علينا البقاء هناك”.
صحيفة العربي الجديد