تندرج الدعوات الإيرانية لتحويل مليشيات “الحشد الشعبي” العراقية إلى حرس ثوري، على غرار التجربة الإيرانية، في خانة تنامي قوة وطموح “الحشد” العسكري والسياسي، وترسيخها كذراع إيرانية في المنطقة. فلم تتردد إيران يوماً في إخفاء طموحاتها التوسعية تجاه المنطقة العربية والخليجية. فقُبيل معركة الفلوجة ضد تنظيم داعش الإرهابي طالب عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني محمد صالح جوكار، بتشكيل “الحرس الثوري العراقي”على غرار الموجود في إيران، عبر دمج المليشيات الشيعية في العراق وجعل مليشيا “سرايا الخراساني” نواة لها. وقال النائب الإيراني محمد صالح جوكار إن “تجربة الحرس الثوري أصبحت ناجحة ورائدة لدول المنطقة”. ورشح النائب الإيراني مليشيا “سرايا الخراساني” العراقية لتكون النواة الأولى لتشكيل الحرس الثوري العراقي مشيرا إلى تأييدها الفكرة منذ اليوم الأول للحديث عنها. وأشار إلى أن سجل الحرس الثوري بات”حافلا بالإنجازات”.
وأضاف: “إذا أرادت أي دولة في المنطقة تشكيل قوات مماثلة على غرار قوات الحرس الثوري الإيراني، فنحن جاهزون في إيران لتقديم تجربتنا والاستشارة بهذا الخصوص”. وقال إن على العراق تطبيق التجربة الإيرانية بخصوص “حرس الثورة ونحن على أتم الاستعداد لتزويد العراقيين بنمط وهيكلية هذه القوات، ليتمكن العراق من تشكيل قوات حرسه”.وزعم جوكار أن تجربة الحرس الثوري نجحت في سوريا واليمن والعراق، وقال: “تجربة حشد الناس على تشكيل قوات شعبية تمسك بزمام الأمور كانت من أهم إنجازات قوات الباسيج في سوريا والعراق واليمن، وهذا النمط من تحشيد الشارع يعد تجربة خاصة بالباسيج”. وأضاف: “إيران كان لها دور بارز في تشكيل الحشد الشعبي في العراق وتشكيل قوات ما يسمى (الدفاع الوطني) في سوريا، وفي تجربة الحوثيين في احتلال صنعاء”.
وانسجاماً مع هذا التوجه الذي طرحه محمد صالح جوكار، أعلن -قبل عدة أيام -قائد «الحرس الثوري» السابق محسن رفيق دوست إن إيران علی استعداد كامل لمساعدة العراق إذا فكر في تأسيس «حرس ثوري». وأوضح أن بلاده تملك «تجارب جيدة» في هذا الشأن، وتستطيع مساعدة بغداد. ورأی أن نموذج الحرس «يمكن أن يكون جيداً للاقتداء به، خصوصاً أنه «خاض معارك مهمة علی المستوی الداخلي والخارجي ويستطيع أن يخدم دول المنطقة بخبراته».
ويستمدّ الطرح الإيراني خطورته وجدّيته من مجموعة الأحداث والتطوّرات الميدانية والسياسية التي تزامن معها، ولعلّ أهمها تصريحات هادي العامري، زعيم منظمة بدر المقرّب من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، التي اتهم فيها القوات الحكومية بـ“الخيانة”. وبينما يرى العامري أن الحكومة العراقية “خاضعة لضغط الولايات المتحدة”، زعم أن “الإيرانيين لديهم خبرة كبيرة في محاربة الإرهاب وأن السبب في الحساسية تجاه اللواء قاسم سليماني، المتواجد في العراق بموافقة الحكومة العراقية لمساعدة الأجهزة الأمنية، هو نجاحه”. وشدّد الأمين العام لمنظمة بدر على أن الحشد الشعبي مستلهم من تجربة التعبئة في إيران، محذّرا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من فتح أي جبهة قبل دخول الفلوجة، في إشارة إلى معركة الموصل.
وتصريحات العامري ليست إلا غيض من فيض من تصريحات مسؤولين عراقيين آخرين تؤكّد حضور إيران المؤثّر في المشهد العراقي، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، والذي أكد فيه أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يعمل مستشارا للحكومة العراقية، وذلك لتبرير مشاركته في التخطيط مع الميليشيات لمعارك الفلوجة. ويأتي هذا التصريح ليرسّخ عجز حكومة بغداد عن التحكم في مسار تدخلات طهران الساعية إلى تنفيذ أهم بند من بنود مشروع تصدير ثورتها وهو إنشاء نسخة من الحرس الثوري تكون أكبر ذراع عسكرية وسياسية واقتصادية لها خارج إيران، وذلك بعد فشل المحاولة مع حزب الله.
وتعكس هذه التطورات مجتمعة رغبة إيران في ترسيخ حضورها في العراق، عبر تحويل مليشيات “الحشد الشعبي” إلى “مؤسسة عسكرية” معترف بها، بالتوازي مع إضعاف دور الحكومة العراقية، وتزايد طموح قادة مليشيات “الحشد” السياسية، وعجز الحكومة العراقية عن التحكم في مسار هذه المليشيات، والتدخلات الإيرانية، إذ جاء الاعتراف بقاسم سليماني كمستشار حكومي، ليرسّخ هذا العجز. لذا تأتي العروض الإيرانية لتحويل المليشيات إلى حرس ثوري، في استنساخ لتجربة الحرس الثوري الإيراني، لتأكيد هيمنتها السياسية على بغداد، وتثبيت شرعية السلاح التابع لها في الدولة العراقية، والأكثر خطورة، لقيام “الحرس الثوري العراقي” المفترض، بدور عسكري أوسع في المنطقة، بحسب المشككين بنوايا النظام الإيراني. وفي هذا السياق لم يكن إعلان محسن رفيق دوست تصريحا إعلاميا عابراً، ولا غير محسوب النوايا والخطط والنتائج، فالمتتبع لتشكيل الميليشيات الطائفية في العراق، والمرتبطة بفيلق القدس الإيراني الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، سيعرف أن تصريح رفيق دوست يمثل لحظة إعلان الانتقال من مرحلة الميليشيات، التي تسمى بالمفهوم الايراني مرحلة التعبئة (الباسيج) إلى مرحلة “الحرس الثوري”، الذي هو ليس قوة عسكرية وحسب، إنما مؤسسة عسكرية واقتصادية وسياسية مستقلة، لها الكلمة الفصل في التدخل والحسم بكل شؤون الدولة والحكومة والمجتمع. وبالأخص في الأوقات الحرجة وفي النزاعات والتظاهرات الشعبية أيضاً.
واختياره العراق كنواة لتشكيل ذلك الحرس الثوري ليس اعتباطاً، إنما باعتباره الحلقة الأضعف المحكومة بسلطتهم شبه المطلقة على أحزابه وقادته وحكوماته منذ عام 2003 حتى الآن. ويجده اليوم التوقيت المناسب لإعلان مرحلة تأسيس الحرس الثوري العراقي، لمَ لا والحكومات العراقية المتعاقبة ربطت النظام الاقتصادي والمالي مع إيران، لتموّل الأخيرة بها تلك الميليشيات التي أنشأتها على أرض وادي الرافدين، والتي ستنشئ منها كما صرّح محسن رفيق دوست فيالق الحرس الثوري العراقي، ليعيث بالعراق وبالمنطقة مزيداً من التفخيخ والتفكيك، وفي هذا الإطار تطرح عدة أسئلة : أولاً: أي المليشيات التي ستشكل النواة الأولى للحرس الثوري العراقي؟ ثانيا: ما هو هدف النظام الإيراني من نشر هذه التجربة، ومحاولة إحيائها في عدد من الدول؟، ثالثاً: هل مشروع الحرس الثوري العراقي قابل للتطبيق في العراق؟
بيّن البرلماني الإيراني محمد صالح جوكار، الخطوط العريضة لكيفية إعطاء إيران التوجيهات لتشكيل فيلق حرس ثوري في العراق على طراز الحرس الثوري في إيران. تكون سرايا الخرساني، النواة الأولى للحرس الثوري العراقي المرتقب، رجع صدى لكلام قائد في سرايا الخراساني الذي كان قد تساءل في آذار/ مارس الماضي، لمَ لا تكون قوات الحشد الشعبي أشبه بالحرس الثوري الإسلامي في إيران؟ وذكر أن نماذج ميليشيات الحشد الشعبي في العراق وسوريا واليمن تمهد لتأسيس الحرس الثوري في تلك البلدان..
تأسست “سرايا الخراساني” على يد حميد تقوي الجنرال بالحرس الثوري الإيراني، الذي قتل في كانون الأول/ ديسمبر 2014، في مواجهات مع تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سامراء التابعة لمحافظة صلاح الدين شمالي بغداد. وتشكلت هذه المليشيا في إيران من عناصر عراقيين يقودهم ضباط في الحرس الثوري الإيراني، فيما يشغل منصب أمينها العام عراقي يدعى علي الياسري، ويقود لواءها العسكري المعمم العراقي حامد الجزائري. وكانت المليشيا ذاتها تقاتل في سوريا، وتحديدا في مدينتي نبل والزهراء، كجزء من الجهد الإيراني لإنقاذ نظام الأسد، ولكن تم سحبها من هناك إلى العراق في نهاية نيسان/ أبريل 2016 ، حسبما ذكرت مواقع عراقية.ميليشيا “سرايا الخراساني” تعتبر من ألوية المهمات الخاصة المرتبطة بـ”فيلق القدس” في العراق، والتابع للحرس الثوري الإيراني وتتخذ من علامته العسكرية علامة لها.
وتتبع ميليشيا “سرايا الخرساني” للحرس الثوري الإيراني حيث تعمل تحت إشرافه المباشر، وكان “الأمين العام” للميليشيا “على الياسري” أعلن في لقاء تلفزيوني أن “حركته” تتبع ولاية الإمام الفقيه في إيران ولا تتبع النظام العراقي لأنه لم يعلن، كما قال الياسري، عن ولاية الفقيه “ندين بالولاء لخامنئي لأنه يقدم لنا كل ما نحتاجه من دعم، ونحن نؤمن بأن هذا هو الطريق الذي سيؤدي الى وحدة الأمة الإسلامية ونصرها الذي أصبح واضحا الآن” وأوضح بأن تبعية الميليشيا هي للخامنئي وليس للسيستاني ” الولاية الآن هي بيد خامنئي الذي يوجه سياسة الدولة في إيران والعالم الإسلامي ولذا يجب علينا طاعته، أما السيستاني فنحن نحترمه ولكنه لا يعلن الولاية ولا يقود الدولة، رغم أنه يتدخل في السياسة من خلال الفتاوى والتوجيهات فقط”.
فقد أكد الياسري أنه لا يعترف بالعراق أو بغيره وإنما فقط بـ”خدمة الإسلام وآل البيت هي الهدف، ونحن ننفذ ما يريده الإسلام”، وأضاف الياسري “إننا لا نأخذ الأوامر من حكومة إيران بل من خامنئي كونه الولي“.وتعتبر الميليشيا هي الجناح العسكري لـ”حزب الطليعة الاسلامي” العراقي. وبالرغم من أن الميليشيات الشيعية في كامل أرجاء العراق تملك ثقلا سياسيا، إلا أن تشكيل واحدة منها على الأقل وفقا للهيكل التراتبي للحرس الثوري الإيراني سيجعلها قوة سياسية وعسكرية رسمية في البلاد خاصة أن عدة قوات من الحشد الشعبي تتلقى التمويلات والتدريبات من إيران. وفي حال تنفيذ دعوة تأسيس حرس ثوري عراقي وما سيتبعه من نشر قوات باسيج “التعبئة العامة” فسيكتب الانتشار لهذه الفكرة بعدة عواصم أخرى، وقد أعلنت جماعة الحوثي مؤخرا عن تخريج خلية اغتيالات في صنعاء على غرار نموذج حزب الله وبتدريب من عناصره.
نصّ تصريح قائد الحرس الثوري المتقاعد، العميد محسن رفيق دوست، على أنّ من مبررات استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني في العراق، “خوضه معارك هامة على المستوى الداخلي والخارجي”. ويشير هذا التصريح، بصورة مباشرة، إلى كل التدخلات الإيرانية في المنطقة، (العراق، وسورية، ولبنان، واليمن)، وحتى زرع خلايا عسكرية أو تجسسيّة في الكويت، والبحرين، والسعودية، بحسب الاتهامات الرسمية. ولا يُخفي الإيرانيون هنا، أن للحرس الثوري أدواراً إقليمية أوسع يجب أن يقوم بها أيضاً “الحرس الثوري العراقي” المُفترض. فإيران، والتي نشطت في تجنيد المليشيات العراقية، والأفغانية، واللبنانية، والإيرانية لصالح نظام الأسد في سورية، تريد أن تمنح شرعية أوسع لمليشياتها، وتريد أن تبدأ من العراق.
وبذلك، يظهر “الحرس الثوري العراقي” كحلم لـ”الثورة الإسلامية في إيران”، إذ ترغب طهران في تنظيم ذراع عسكرية جديدة لها في دول الخليج العربي، بصورة مباشرة. ولم يتردد قادة مليشيات “الحشد الشعبي”، يوماً، في تهديد دول الخليج. فقد سبق لأحد قادة مليشيا “أبو الفضل العباس”، أوس الخفاجي، وواثق البطاط من حزب الله العراقي، أبو مهدي المهندس، أن هددوا دول الخليج، وتوعدوا السعودية، تحديداً، بتنفيذ هجمات على أراضيها. وكانت صور رجل الدين السعودي، نمر النمر، والتي رُسمت على قاذفات صواريخ “الحشد”، حادثة رمزية أخرى، تؤكد أن لهذه المليشيات نوايا لا تخفيها في استهداف دول الخليج، إذ وضعت صور النمر، في إشارة إلى “الثأر لإعدام السعودية له”، بقصف مدينة الفلوجة العراقية.
دعوة لحرس ثوري عراقي مسألة تهدد الأمن العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص، وتعد شرعنة لوضع الميلشيات العراقية التي ستشكلها ويعني مزيد من النفوذ الذي تجاوز حتى الآن نفوذ الجيش العراقي والحكومة العراقية، أما دمجها تحت اسم وهيكل الحرس الثوري سيعني اختطاف العراق لصالح إيران بشكل كامل وإحكام القبضة الأمنية على هياكل الجيش والمؤسسات الأمنية العراقية، فكأن إيران هي التي أصبحت على حدود السعودية الشمالية. خطورة هذه الدعوة أيضا أنها تأتي بعد ثلاثة أيام فقط من كشف قائد القوات البرية الإيرانية، العميد أحمد رضا بوردستان، أن إيران حشدت 5 ألوية عسكرية لدخول الأراضي العراقية. وقال بوردستان: “القوات المجهزة هي ألوية من القوات البرية، وأنجزت عمليات الاستطلاع في الجانب الآخر من الحدود العراقية، وأصبحت جاهزة للاشتباك بشدة. وبحسب دراسة معهد العمل الأمريكي، فإن ما بين 12 إلى 22 مليار دولار ستوجه للأنشطة الإرهابية، التي يدعمها الحرس الثوري الإيراني هذا العام، ويؤكد التقرير أن الحرس الثوري يدعم نشاط المنظمات الإرهابية، مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان. كما ترسل إيران مليارات الدولارات وتقدم المساعدة العسكرية إلى سوريا.
في خضم التصريحات والأوضاع الميدانية المتردية في العراق، قد يبدو مشروع الحرس الثوري العراقي أمرا “قابلا للتطبيق”، لكن خبراء في مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية يرون عكس ذلك، فالعراق ليس إيران، ولا يمكن نسخ الحرس الثوري الإيراني بسهولة. حد العوامل التي خولت للميليشيات البروز في العراق هو نفسه العامل الذي يحد من قدرة إيران على تأسيس ميليشيا رسمية في البلاد، ألا وهو الجمود السياسي في بغداد والطائفية التي تسيطر على الحياة السياسية، ومسألة المصالح التي قد تدفع جهات متحاربة اليوم إلى التعاون من أجل صدّ هذا المشروع؛ من ذلك أن الأكراد والسنّة مستعدون للعمل معا بشكل خاص للحيلولة دون نشوء قوة موحدة مدعومة من إيران في البلاد من شأنها أن تعطي طهران المزيد من الثقل في بغداد.
وستكون هناك أيضا مسألة الصراع مع ميليشيات أخرى مثل سرايا السلام التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، لذا من المنتظر أن ينشب في بغداد صراع مع الكتل السياسية والميليشيات الأقل استعدادا لمساندة مخططات إيران، وسيكون ذلك صحيحا خاصة في ما يتعلق بعامل آخر يمنع إيران من إحداث قوة أمنية أكثر تأثيرا في العراق، ألا وهو الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.عندما بدأ تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” في الاستيلاء على الأراضي في العراق تعاونت الفصائل الكردية والسنية المحلية بحماس مع الميليشيات الشيعية الممولة من إيران لمحاربة العدو المشترك. لكن تلك القضية المشتركة لن تدوم إلا على مدى الفترة التي يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية فيها على الفلوجة والموصل وغيرهما من الأراضي العراقية، حيث تدور الهجومات، وقد يركز خصوم الميليشيات الإيرانية جهودهم قريبا على تعطيل أهداف إيران في العراق. كذلك يشكل الحكم الكردي في كردستان العراق تعقيدا بالنسبة إلى الإيرانيين، إذ تتعامل إيران بحذر مع الحراك الكردي في الشمال الغربي للبلاد، ويمكن أن يشتعل هذا التمرد إذا أزعجت أكراد العراق عن طريق السعي إلى إحكام سيطرتها في العراق بشكل مطلق وبما يضر بمصالحهم.بناء على كل ذلك، يقول الخبراء “يمكننا أن نتفهم بأن جهود إيران لإنشاء الحرس الثوري العراقي لن تؤدي إلى مخططات ملموسة في أي وقت قريب”، خاصة إذا ما تمّت أيضا مراجعة التجربة الإيرانية مع حزب الله في لبنان، حيث فشلت طهران في جعل الحزب يمتلك سيطرة مطلقة على لبنان، واصطدمت مخططاته بمعارضة امتلاكه للسلاح وسحب الشرعية.
إجمالاً يمكن القول أن حالة الانقسام الطائفية في العراق لن تسمح باستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني، إلا في حالة التسليم بتقسيم العراق على أسس طائفية. فليس أمام هذه المليشيات إلا أن تبتلع الدولة وتُهيمن على بغداد، وبالتالي تؤسس لتقسيم العراق، أو تنحلّ المليشيات وتختفي، وهو الأمر الذي لا تريده طهران أبداً. من هنا، فإن أي دور إيراني لتحويل مليشيات “الحشد الشعبي” إلى حرس ثوري يأتي لمأسسة الحكم المليشياوي في بغداد، وضمان شرعيته واستمراره، وضمان هيمنة إيران على القرار العراقي، بقوة السلاح هذه المرة، لا بولاء الأحزاب الدينية العراقية، كما هو الآن. ومن الصعب التنبؤ بنهاية تجربة مليشيات “الحشد الشعبي” العراقية، لكن المؤكد أن هيمنة هذه المليشيات على بغداد يعني استمرار الحكم الطائفي، وتحوُّله إلى حكم طائفي مليشياوي، ما ينهي أي أمل في إصلاح العملية السياسية، وإدماج العرب السنة في النظام السياسي في بغداد، وإيقاف دائرة الثأر والإقصاء الطائفي في البلاد. وتعني مأسسة تجربة مليشيات “الحشد” ضرب آخر أمل في استعادة العراق كدولة وطنية يمكن أن تضمّ، يوماً، مواطنين من أعراق وأديان ومذاهب مختلفة.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية