استيقظنا صباح الأحد الماضي على أنباء مقتل 49 شخصاً بدم بارد في ملهى ليلي بمدينة «أورلاندو» في ولاية فلوريدا. ولأن كثيراً من الضحايا كانوا مثليين، بدا للوهلة الأولى أنها كانت جريمة كراهية. ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى تم اكتشاف أن القاتل هو «عمر متين»، المولود في الولايات المتحدة لأب مهاجر أفغاني. وحذر مسؤولو إنفاذ القانون من التسرع في إصدار الأحكام جزافاً، مؤكدين أنهم لا يزالون يحققون في «الجوانب المقلقة» للجريمة. وعلى رغم ذلك، بمجرد أن سمع السياسيون والمراقبون ووسائل الإعلام السائدة الخبر عن دين الجاني، بدؤوا المزايدات!
وسارع «دونالد ترامب» إلى تهنئة نفسه مباشرة معتبراً أنه «على حق» بشأن «الإرهاب الإسلامي الراديكالي»، وكرر دعوته إلى حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. وذهب إلى حد الإشارة إلى أن «شيئاً ما يجري» مع الرئيس أوباما، في إشارة ضمنية إلى أن الرئيس إما أنه كانت لديه معلومات بشأن القتلة أكثر مما يقر بمعرفته، أو أنه تقاعس في أداء واجبه لوقف التهديد الإرهابي. وفي حين أن كثيراً من «الجمهوريين» أعربوا عن غضبهم من «تلميحات» ترامب بشأن لوم أوباما، فقد بدا مقبولاً لديهم بما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك كان «إرهاباً إسلامياً»، فعلى سبيل المثال، هاجم حاكم ولاية نيوجيرسي الجمهوري «كريس كريستي» من وصفهم بـ«المسلمين المتطرفين» قائلاً: «إن هؤلاء الناس يكرهوننا بسبب ما نحن عليه، وسيحاولون قتلنا.. هذا كل ما في الأمر، وعلينا أن نرد الصاع صاعين».
من جانبها، قبلت الشبكات التلفزيونية ذلك على أنه «حقيقة»، وكرست ساعات لا حصر لها لهراء لا معنى له ممن يطلقون على أنفسهم لقب «خبراء الإرهاب»، الذين لم يفوّتوا فرصة الظهور على شاشة التلفزيون على رغم عدم درايتهم بتفاصيل الجريمة المعنية. ومن ثم توالت المقالات والتعليقات في الصحف تسلط الضوء على تنظيم «داعش» الإرهابي والعنف و«رهاب المثلية» في الإسلام! وما ينبغي فعله لوقف «تطرف» الشباب المسلم. والثناء أو انتقاد ما فعلته أو لم تفعله إدارة أوباما لوقف «الهجوم الإرهابي» التالي من قبل «المتطرفين المسلمين» بحسب وصف ترامب ورفاقه «الجمهوريين».
والمشكلة في هذه الرواية لمذبحة «أورلاندو» هي أنها لا تصمد عندما نحقق فيها عن كثب، إذ نجد أن هناك تفسيراً آخر للأحداث، وهو أن «عمر متين» كان شخصاً يعاني من اضطراب شديد ولديه سجل حافل بالعنف والسلوك المضطرب والاعتداء على زوجته. ويبدو أنه كانت لديه مشاعر متصارعة تجاه ميوله. فتشير التقارير إلى أن «عمر متين» تردد على ملاهٍ ليلية ومواقع تعارف خاصة بالمثليين. ويضع التقرير الذي أوضح أنه شعر بالغضب مؤخراً عندما رأى مشهداً مقززاً في العلن، اللمسة الأخيرة على ما يبدو أنه صورة تقليدية لشخص مريض نفسياً يعيش في أكذوبة وتألم بسبب ميوله المرتبكة. وفي ضوء عجزه عن حل صراعه الداخلي، تفجر غضبه، لأنه كان يخشى أنه هو نفسه من المثليين. وراح يدمرهم لأنه أراد أن يدمر ذلك الجانب من نفسه.
وإذا ما نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن جريمة القتل الجماعي في أورلاندو تكاد لا تكون لها علاقة بالدين أو «التطرف». ويبدو أن الحديث عن «داعش» لم يكن سوى محاولة من القاتل لـ«ستر ميوله» وإخفاء دافعه الحقيقي. فـ«داعش» لم تقده لجريمة القتل هذه، ولم تدربه أو تلهمه. وفي بعض مراسلاته، خلط «متين» بين «داعش» و«حزب الله»، وهو ما يظهر أنه لم يفهم أو لم يكترث لفهم الأيديولوجية الجنونية لذلك التنظيم. وأما رسالته الأخيرة التي يتعهد بالولاء فيها لـ«داعش»، فكانت إنكاراً نهائياً، إذ حاول الكذب على نفسه وعلى العالم بشأن ما كان عليه، والسبب الحقيقي وراء ما فعله. ولأنه تنظيم حقير، فقد قبل «داعش» زعم ولاء القاتل المريض.
وأخيراً، علينا أن ندقق بعناية في المصطلحات التي نستخدمها، فلو أن «متين» كان ينتمي إلى ديانة أخرى، مثل «شارلستون سلاير» على سبيل المثال، فهل كنا سنصف جريمته بـ«الإرهاب»؟ وافتراض أن أي جريمة قتل يرتكبها مسلم تنطوي على اختلاف جوهري، ليس خطأً فحسب، ولكنه أيضاً يبعدنا عن التحقيق في مشكلة القتل العشوائي وأسبابها.
جيمس زغبي
*نقلا عن صحيفة الاتحاد