يتساءل الكاتب ديفيد بلير في تقرير له بصحيفة ديلي تلغراف، عما إذا كانت نظرة أهل الفلوجة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، ستجعلهم “محررين” فعلا أم الأمر سيبدو غير ذلك.
ويبدو أن الانقسام العميق اليوم داخل عشائر وأهالي الفلوجة أنفسهم يجيب على ما يشبه مثل هذا السؤال القلق، ليصبح الحديث بعد ذلك عن مصالحة بين العراقيين كنوع من ذر الرماد في العيون تمارسه حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وفيما يشتد ضجيج العسكر، تتصاعد الأسئلة داخل العراق حول مستقبل البلاد بعد داعش. بعد انفجار أورام التطرّف من خلال داعش، وقبله القاعدة، واليوم انتهاكات ميليشيات الحشد الشعبي.
لكن ما مارسه تنظيم داعش من انتهاكات ومجازر وإعدامات في أوساط السنّة العراقيين، أحدث حالة انقسام كبير داخل العائلة الواحدة، على النحو الذي جعل من مشاركة العشائر والجنود والضباط السنّة في الحرب ضد داعش أشبه بحرب أهلية، وربما عائلية بامتياز.
وتنقل صحيفة نيويورك تايمز شهادات من داخل الفلوجة لضباط سنّة يشاركون في تحرير المدينة، فيما أشقاء وأقرباء وجيران لهم منخرطون في صفوف داعش.
ويعكس عزم قائد شرطة الأنبار هادي رزيج على قتال الإرهابيين “حتى لو كان شقيقي بينهم”، مدى الأحقاد التي تولّدت داخل العائلات نفسها، ومدى الضرر الذي سببه التنظيم داخل البنية الاجتماعية للطائفة السنّية في العراق.
وبدا العميد رزيج، بينما قواته تكافح من أجل بسط نفوذها في الفلوجة، غير متحمس كثيرا عندما تحدث لمراسل صحيفة نيويورك تايمز عن التحديات التي تواجه قواته، لكن المعركة مثلت بالنسبة لهذا الضابط المنحدر من عشائر الفلوجة، تحديا شخصيا بالنسبة إليه.
ويتهم شقيق رزيج بالانتماء إلى تنظيم داعش الذي يقف على الضفة الأخرى من القتال. ويمكث شقيقه حاليا في أحد السجون العراقية التي اقتيد إليها بعد اعتقاله في إحدى نقاط التفتيش، بينما كان يقود سيارة مليئة بالمواد المتفجرة.
وبجوار رزيج يجلس أحد رجاله يدعى صالح إبراهيم، الشرطي من الفلوجة الذي كان يقاتل ضمن وحدات الشرطة التي حققت مكاسب مفاجئة في الجزء الجنوبي من المدينة، وتمكنت من السيطرة على مقر الدوائر الحكومية.
وفي عام 2013، انضم شقيق صالح إلى صفوف داعش أيضا.
وتورد الصحيفة تصريحات لمحافظ نينوى السنّي نوفل حمادي ضد داعش، فيما شقيقه قد بايع التنظيم ونشر ذلك في شريط فيديو.
وتتخوف أوساط عراقية، من أن تستمر العملية السياسية في العراق في إنتاج مشاعر التهميش والإحباط لدى السنّة، على النحو الذي يوفّر دائما بيئة مروّجة للتطرف بأسماء تترى وتتعدد.
ولم يعد الانقسام داخل العراق بين عرب وأكراد وبين سنّة وشيعة فقط، بل أضحى شديدا داخل الطائفة السنّية نفسها، ذلك أن مرحلة داعش شهدت انقساما مجتمعيا بين سنّة الاعتدال المتحدرين من تاريخ الطائفة في العراق، وسنّة التطرّف الذين وجدوا في التنظيم الإرهابي ملاذا ينشدون من خلاله ردّ المظالم التي لحقت بالطائفة منذ سقوط النظام السابق.
يذكّر المراقبون أن المناطق السنّية العراقية انتفضت على الواقع الذي أنتجه غزو 2003 منذ بداياته، وأن مدينة الفلوجة كانت رائدة في التعبير عن غضب السنّة ما جعلها تصطدم مع المحتل الأميركي كما مع قوات بغداد، وأنه لم تجر “تهدئة” الحراك السنّي نسبيا إلا من خلال تبدّل المقاربة الأميركية، من خلال وعود بتعديل الاختلالات وضخ الأموال، التي أنتجت ظاهرة “الصحوات” ضد تنظيم القاعدة ما بين عامي 2006 و2007.
صحيفة العرب اللندنية