عندما يعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي أن إيران «ستحرق» الاتفاق النووي إذا انتهكه الطرف الآخر ، واستمر البعض في التهديد ب «تمزيقه» في إشارة إلى تهديدات صدرت عن مرشحين بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، فهذا يعني أن كثيراً مما قيل عن «التحالف الجديد» بين واشنطن وطهران في طريقه إلى أن يتساقط بكل ما يعنيه ذلك من معاني تجديد المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران ليس فقط على صعيد الاتفاق النووي ، ولكن أيضاً على صعيد النفوذ في أهم مواقع التمدد الإقليمي لإيران في سوريا والعراق.
هذا يعني أن علاقات إيران مع الولايات المتحدة قد تشهد تطورات مأزومة، الأكثر من ذلك أن هذا يحدث في الوقت الذي يواجه فيه التحالف الإيراني- الروسي في سوريا صعوبات كثيرة سواء على الصعيد الميداني وانتشار القوات، أو على صعيد تنامي التعاون والتنسيق الروسي مع الكيان الصهيوني ، ليس بخصوص أفق تسوية القضية الفلسطينية بعيداً عن تطورات المبادرة الفرنسية فقط، بل وأيضاً على صعيد تقاسم النفوذ في سوريا بين موسكو وتل أبيب ، وهو حتماً سيكون على حساب النفوذ الإيراني في سوريا.
تهديدات خامنئي ب «حرق» الاتفاق النووي ليس دافعها فقط تصريحات المرشح الرئاسي الأمريكي ترامب بل أيضاً تلكؤ أمريكي في تنفيذ التزامات واردة في الاتفاق النووي، كما أوضح خامنئي أن واجب الطرف الآخر في الاتفاق النووي ، ورفع العقوبات التي لم تزل قائمة، ولم تحل قضية البنوك، وقضية تأمين ناقلات النفط تمت تسويتها بشكل محدود، والعوائد النفطية والأصول الإيرانية الموجودة في بقية البلدان لم يفرج عنها.
هذا الأمر يكشف أن القيادة الإيرانية تشك بنوايا الولايات المتحدة وخصوصاً إزاء ما يصدر من تصريحات يطلقها المرشحون المتنافسون على الرئاسة الأمريكية، ما يكشف أن عهد لين باراك أوباما مع إيران كان مؤقتاً أولاً، وكان يعبر ثانياً عن مشاكل في إدارة علاقاته الإقليمية.
تعقيدات علاقات طهران مع واشنطن لا تقل عن التعقيدات التي تواجهها مع موسكو على الصعيدين السياسي والعسكري ، وهذا ما أكدته جلسات اللقاء الثلاثي العسكري الإيراني – الروسي – السوري في طهران بين وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان ووزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو ووزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج، والذي أعقبه زيارة سريعة لوزير الدفاع الروسي لدمشق التقى خلالها مع الرئيس السوري بشار الأسد. وتزامن مع هذا الاجتماع العسكري الثلاثي الذي يعكس مدى مستوى الأزمة بين طهران وموسكو في سوريا تصريحات طمأنة وردت على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال فيها إن موسكو ستواصل «تقديم الدعم للجيش السوري من أجل منع الإرهابيين من السيطرة على مساحات واسعة في مدينة حلب وريفها»، إشارة لافروف إلى المعارك الدائرة في حلب وريفها الجنوبي جاءت تأكيداً لوجود خلافات إيرانية – سورية مع روسيا بخصوص معارك حلب ، والهدنة الروسية التي عرقلت تقدم الجيش السوري والقوات الداعمة في تلك المعارك لصالح قوات المعارضة وخاصة جبهة النصرة.
وتأكيداً لتلك الخلافات فإن ما صدر عن الاجتماع العسكري الثلاثي خرج ببعض الحلول والتوافقات ، أبرزها إعطاء الإيرانيين دوراً أكبر في الميادين السورية وخاصة في معارك حلب. وفي محاولة لتفعيل تلك التوافقات الجديدة فقد تم تعيين الأدميرال علي شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي وزير الدفاع الأسبق منسقاً أعلى للعمليات الروسية – الإيرانية – السورية المشتركة، وبالذات الإشراف على الإمدادات والعمليات الميدانية في سوريا حسب ما ورد على لسانه ، حيث أوضح أن «الروس اقتنعوا بالرؤية الإيرانية، وضرورة العودة إلى معركة حلب أولاً، واعتبارها مدخلاً في أي عمل عسكري مشترك».
ربما تكون هذه التوافقات حقيقية ، لكنها يمكن أن تكون أيضاً مؤقتة على ضوء التفاهمات الروسية – الأمريكية في سوريا، وأيضاً على ضوء التفاهمات الروسية – «الإسرائيلية» على نحو ما كشفتها نتائج زيارة بنيامين نتنياهو الثالثة هذا العام لموسكو ، حيث تجاوزت تلك النتائج كل التقدم المتصاعد في علاقات التعاون الروسية – «الإسرائيلية» إلى الملف السوري، سواء من ناحية تأمين المصالح «الإسرائيلية» في سوريا، أو من ناحية تطوير التعاون بين القوات الروسية الموجودة في سوريا مع القوات «الإسرائيلية»، ولعل في الاتفاق على إجراء مناورات عسكرية مشتركة روسية – «إسرائيلية» في البحر المتوسط ما يؤكد ذلك.
فقد حصل نتنياهو من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضمانات لهذا التعاون ، وعبر بوتين على ذلك رمزياً بإهداء نتنياهو دبابة «إسرائيلية» كان قد غنمها جنود سوريون في معركة مع القوات الغازية «الإسرائيلية» للبنان عام 1982 في منطقة السلطان يعقوب اللبنانية، إشارة رمزية لم تحظ برد فعل سوري لكنها أقلقت طهران وستزيد من قلقها على آفاق علاقاتها المتأزمة في سوريا مع موسكو.
د.محمد السعيد إدريس
صحيفة الخليج