عقد «المجلس الوطني للمعارضة الإيرانية» اجتماعاً بباريس (يوم السبت في 9 يوليو 2016)، وقد سمّته مريم رجوي زعيمة «مجاهدي خلق» في الأصل «اجتماعاً»، لكنه كان أكثر من ذلك، فهو حشدٌ ضخم وصل إلى حدود المائة ألف من عشرات التنظيمات والناشطين المدنيين الذين أتوا من سائر نواحي أوروبا والولايات المتحدة وكندا. وبالإضافة إلى التظاهرة الهائلة هذه للمعارضين لنظام الملالي في الخارج، كان هناك هدفٌ آخر هو وضع برنامج جديد للمعارضة، يتجاوز ما كان تحالف المجلس الوطني قد التقى عليه في السنوات الأخيرة.
لقد مرّت منظمة «مجاهدي خلق» بثلاث مراحل استغرقت حوالي السنوات العشر. فقد كان عليها أن تتخلص من سمعة تحالفها مع نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ثم كان عليها أن تحظى بالاعتراف من أوروبا للخلاص من صبغة التنظيم الإرهابي. ودخلت إلى مرحلة المجلس الوطني، أي عقد تحالفات مع حركات وتنظيمات معارضة أخرى بعد عام 2009، عام «الثورة الخضراء» في إيران. لقد عانت طويلاً في المرحلتين الأولى والثانية، وبخاصة أنها كانت ما تزال تقوم بأعمال عنف بالداخل الإيراني، لكن ازدياد القمع بإيران بعد تزوير انتخابات الرئاسة عام 2009، واعتقال المرشحين ضد محمود أحمدي نجاد، سهَّل عليها الدخول في المرحلة الثالثة، مرحلة التحالفات، والنضال السلمي، وتجاوز الأصول العنفية، والماركسيات، إذ إن آلافاً من المثقفين والفنانين ورجال الأعمال والناشطين المدنيين والذين يعيشون في الخارج أو نجحوا في الخروج من السجون إلى المنافي، كانوا قد يئسوا من إمكانية انفتاح النظام نهائياً. إذ عايشوا فترتي محمد خاتمي المخيِّبتين، ثم اشتد بهم الغضب لإدراكهم استحالة التغيير من الداخل سلماً ومن طريق الانتخابات عام 2009. ولذلك لم تجد «مريم رجوي» صعوبات كبيرة في مغادرة التنظيم إلى المجلس، وهي صممت لذلك منذ عام 2005، لكنها لم تلق استجابات بارزة إلا بعد عام 2009.
تتفاوت بالطبع قوة التنظيمات المشاركة في المجلس بالداخل الإيراني. وقد تكوَّن بعضها بالخارج الأوروبي والأميركي وليس لها وجودٌ فعليٌّ بالداخل. بيد أن معظم التنظيمات المشاركة في المجلس أو في اجتماع وحشد باريس لها وجودٌ متجذرٌ بالداخل، بنته بعضها بعد تشكُّلها على وقْع التطورات المتلاحقة بالداخل الإيراني. والمهم في قضية المعارضة الإيرانية أنه ما عاد عندها تردُّد في التشارك مع «مجاهدي خلق»، وأنها تملك الآن جذعاً قوياً معظمه من المثقفين البارزين، ومن الناشطين المدنيين وأن هذا الجذع صار معروفاً ومقبولاً ليس من الإيرانيين بالخارج والداخل فقط، بل ومن الأحزاب السياسية وجهات المجتمع المدني في أوروبا والولايات المتحدة. وقد تحدثت مريم رجوي وآخرون بالمجلس مراراً في البرلمان الأوروبي، وفي جامعات ومنتديات كثيرة، وكان نشاطها السابق (ودائماً بعد العام 2009) إعلامياً ومتجهاً إلى الحكومات وإلي المجتمع المفتوح. وهي دأبت بعد العام 2009 إلى إقامة تجمعات حاشدة سنوية في باريس وغيرها، حظيت دائماً بشعبية كبيرة إضافة إلى اهتمام وسائل الإعلام، كما أن لديها آلاف المواقع ووسائل الاتصال الأخرى، والتي تهتم باختراق الداخل الإيراني أو التفاعل معه.
ما معنى حشد باريس، وما هي الظروف الجديدة التي تقتضي برنامجاً جديداً أو خطة جديدة؟ ما كانت صعوبات المعارضة الإيرانية آتية فقط من بنيتها الذاتية، بل إن الدول الأوروبية والولايات المتحدة مترددة كثيراً في احتضانها أو قبولها، بسبب حرصها على تحسين العلاقات مع نظام الملالي، ثم بسبب حرصها على إنجاح المحادثات النووية، لكن الجميع يدركون الآن أن للنظام الإيراني طبيعة لا تتغير، وبخاصةٍ بعد زيادة المحافظة وزيادة العسكرة، وزيادة سيطرة الأجندة الأمنية، واعتبار الأميركيين والأوروبيين أن إيران أكبر داعم للإرهاب في العالم.
يقول المعارضون الإيرانيون الآن وبوضوح إنهم يريدون إسقاط النظام، وهم يعرفون أن النظام، أي نظام باستثناءات قليلة، لا يسقط إلا من الداخل، وهم يراهنون على التوترات بالداخل والناجمة عن زيادة القمع ضد الجمهور، وعن اضطهاد القوميات الكردية والآزرية والتركمانية والبلوشية. بيد أن المعارضين المنظمين بالخارج، والذين يزيدون على المليون شاب وفتاة، يتفقون أنهم يستطيعون التأثير ليس عن طريق التوجه إلى الداخل الإيراني فقط، بل ومن طريق تنبيه العالم إلى الطبيعة الوحشية للنظام، وعدم التعامل معه كأنما هو دولة عادية.
على أن العامل الأبرز أو الإضافي في حشد هذا العام، هو التحذير من دور إيران التخريبي في الإقليم وفي منطقة الشرق الأوسط، في غرب الفرات، تقول مريم رجوي إن الحرس الثوري والميليشيات التابعة له تدمّر العراق وسوريا ولبنان، وتهدد دولاً ومجتمعات أخرى بالتقسيم والحروب الأهلية المستمرة، وتخلق عداوات للشعب الإيراني لا تنتهي في عشرات السنين.
ما تقوله مريم رجوي، ويقوله معارضون آخرون يساريون وليبراليون من المثقفين والفنانين إن المنطقة المجاورة لإيران توشك أن تهلك بين إرهابي الحرس الثوري والميليشيات التابعة له، و«داعش» والمتطرفين الآخرين. فلابد أن يواجه العالم هذا النظام القاتل، كما يواجه «داعش»، ولا تكون عنده أوهام بالاستعانة به على «داعش»!
رضوان السيد
صحيفة الاتحاد