قال تقرير نشره موقع «ذي إنترسبت» الأمريكي إن هدف تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) تقويض ما أسماه «المنطقة الرمادية» من العيش المشترك بين المسلمين عامة، وأولئك الذين يعيشون في الغرب منهم خاصة؛ والغرب، والقضاء عليها تمامًا.
وأضاف التقرير أن التنظيم يسعى في خضم ذلك أن يظهر بمظهر الحامي الوحيد للمسلمين في الغرب، وأن يدفعهم إما إلى الهجرة إلى «دولة الخلافة» أو أن يقوموا بتنفيذ هجمات إرهابية في الدول الغربية التي يعيشون بها.
دابق
وأعاد تقرير الموقع الأمريكي إلى الأذهان البيان الذي كان تنظيم داعش قد نشره في مجلته على الإنترنت؛ دابق، في شهر فبراير (شباط) من عام 2015، وحذر فيه التنظيم من أن «المسلمين في الغرب سوف يجدون أنفسهم بين خيارين».
قبل أسابيع من ذلك البيان، كانت قد وقعت مجزرة في مكاتب المجلة الساخرة «شارلي إبدو» في باريس.
وفقًا للتقرير، فاجأ الهجوم المجتمع الفرنسي، في حين جلب إلى السطح بالفعل التوترات الكامنة بين المسلمين الفرنسيين ومواطنيهم.
وأشار التقرير إلى أنه وفي حين أيَّد تنظيم داعش في البداية القتل على أسس دينية بحتة، واصفًا رسامي الكاريكاتير بالملعونين، عرض التنظيم في بيان دابق أساسًا أكثر منطقية تقشعر له الأبدان لدعمه.
في بيانه قال التنظيم إن «الهجوم أفضى إلى مزيد من تقسيم للعالم» وأضاف التنظيم أن الهجوم ساهم في إحداث الاستقطاب بالمجتمع و«القضاء على المنطقة الخضراء» التي تمثل التعايش بين الجماعات الدينية.
هجمات باريس
ونتيجة لذلك، كما قال التنظيم، فإن المسلمين الذين يعيشون في الغرب لن يكونوا قريبًا موضع ترحيب في مجتمعاتهم. وفي ظل التعامل معهم مع تزايد الشكوك وعدم الثقة والعداء من قبل مواطنيهم نتيجة لإطلاق النار المميت، فإن المسلمين الغربيين سيضطرون قريبًا إلى «إما أن يرتدوا… أو [يهاجروا] لتنظيم داعش، هربًا من الاضطهاد من الحكومات الصليبية»، وهدد التنظيم بمزيد من الهجمات في المستقبل.
وقال التقرير إنه لم يمض الكثير على بيان التنظيم في دابق حتى قامت مجموعة من الشبان الموالين للتنظيم، يحملون الأسلحة النارية والمتفجرات؛ بسلسلة من التفجيرات المنسقة وإطلاق النار على المدنيين في قلب باريس.
الهجوم الذي أسفر عن مقتل حوالي 130 شخصًا وجرح المئات، كان أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ فرنسا الحديث. وفي بيان صدر على الإنترنت، أعلن تنظيم داعش عن مسئوليته عن الهجوم، مشيرًا إلى أن عناصره قد «استهدفت عاصمة البغاء والرذيلة».
توليد العداء
التقرير اعتبر أنه من خلال شن هجمات مروعة على نحو متزايد ضد أهداف غربية، فإن تنظيم داعش يسعى نحو الحصول على هدف محدد – توليد العداء بين السكان المسلمين المحليين والمجتمعات الأوسع التي يعيشون فيها.
وذكر التقرير أنه وعلى الرغم من دلالاتها الوخيمة، فإن مثل هذه الإستراتيجية تبدو قابلة للتحقق للتنظيم. في الواقع، حقق بعض أعضاء التنظيمات بنجاح من قبل شيئًا مماثلًا، في العراق، عندما أثار تنظيم القاعدة في العراق عمْدًا حربًا أهلية طائفية في هذا البلد بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
ورصد التقرير رسالة كان قد أرسلها أبو مصعب الزرقاوي؛ الزعيم الأردني المولد لتنظيم القاعدة في العراق عام 2004 لأسامة بن لادن، اقترح من خلالها إثارة مثل هذا الصراع، داعيًا إلى تنفيذ هجمات إرهابية ضد الأغلبية السكانية الشيعية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى حملة قاسية على الأقلية السنية.
في مثل هذا السيناريو، يمكن لجماعته أن تجبر السكان السنة للنظر إليه على أنه الحامي الوحيد. وقال الزرقاوي في رسالته: «إذا نجحنا في جرهم إلى ساحة الحرب الطائفية، فإنه سيصبح من الممكن أن نوقظ أهل السنة الغافلين لأنهم يشعرون بخطر وشيك وإبادة الموت».
وجاءت ذروة هذه الإستراتيجية «الفاسدة»، كما وصفها التقرير، عندما نجح هجوم ناشطين من قبل تنظيم القاعدة في العراق في تدمير مسجد الإمام العسكري في سامراء؛ واحد من أقدس الأماكن في الإسلام الشيعي. الهجوم الذي صدم المسلمين الشيعة في العراق، نجح في النهاية في اندلاع حرب أهلية شاملة لم تهدأ تمامًا حتى يومنا هذا.
رد عنيف
وتابع التقرير بقوله: «لدى تنظيم داعش أمل ضئيل في تحقيق هذا المستوى من النجاح الكارثي في أوروبا الغربية أو أمريكا الشمالية. ولكن التنظيم يسعى بوعي من خلال الهجمات الإرهابية الاستفزازية بشكل متزايد وعمليات إعدام الرهائن، والتهديدات التي يبثها على الإنترنت لتحريك رد فعل عنيف من قبل الحكومات الغربية والمواطنين ضد الأقليات المسلمة التي تعيش في مجتمعاتهم».
وأوضح التقرير أنه ومن خلال تحقيق هذا، يأمل التنظيم في استقطاب كلا الجانبين ضد بعضهما البعض، وحبسهما في دوامة متصاعدة من الاغتراب والكراهية والانتقام الجماعي. في سيناريو من هذا القبيل، يمكن للتنظيم أن يحاول في وقت لاحق أن يطرح نفسه بوصفه الحامي الوحيد الفعال للمسلمين الغربيين المحاصرين على نحو متزايد.
في أعقاب الهجمات المروعة عمدًا في باريس، تجاوب بعض السياسيين في كل من أوروبا والولايات المتحدة بالفعل مع دعوات لمعاقبة المسلمين بشكل جماعي من خلال سياسات الهجرة التمييزية، والقيود المفروضة على الحريات الدينية.
وأشار التقرير هنا إلى أن تنظيم داعش لا يحظى بشعبية بين المسلمين. ومثل مواطنيهم من غير المسلمين، رفض المسلمون الفرنسيون الفظائع التي حدثت في باريس. وفي الواقع، قُتل العديد منهم في الهجمات.
على هذا النحو، فإنه سيكون على حد سواء أمرًا ضارًا ويأتي بنتائج عكسية لجمعهم في سلة واحدة مع تنظيم داعش وتوجيه اللوم إليهم على تصرفات التنظيم. وبالمثل، سيكون من السخف النظر إلى اللاجئين، وكثير منهم يفرون من حكم تنظيم داعش في العراق وسوريا؛ كما لو أنهم أيضًا مسؤولون عن جرائم التنظيم.
فمن شأن ذلك – بحسب التقرير – أن يمنح التنظيم ضربة دعائية، ومن شأن ذلك أيضًا منح التأييد الضمني لرواية التنظيم بأن المسلمين والغربيين بشكل جماعي في حالة حرب مع بعضهم البعض.
ما يتوجب فعله
بدلًا من ذلك، قال التقرير إنه ردًا على هجوم يهدف إلى زرع كراهية الأجانب، يجب على الدول الغربية تأكيد الوحدة الوطنية للسكان المسلمين والاستمرار في قبول اللاجئين دون تمييز ديني.
في الوقت نفسه، ينبغي أيضًا تكثيف الجهد العسكري ضد جيوب تنظيم داعش في العراق وسوريا، وتوضيح أنه لا يوجد تناقض لاحتضان المسلمين في الداخل في الوقت الذي يتم فيه قتال الارهابيين في الخارج.
واختتم التقرير بقوله: «من خلال الاستفزاز القاتل، يسعى تنظيم داعش لإشعال حرب حضارية بين المسلمين والغرب، وسحب كلا الطرفين إلى مثل هذه المعركة إذا لزم الأمر… ينبغي أن تظهر الدول الغربية التحدي، وتجعل الأمر واضحًا من خلال الكلمة والفعل أنها ترفض رؤية عالم منقسم على أسس تنظيم داعش».
مترجم عن
ISLAMIC STATE’S GOAL: “ELIMINATING THE GRAYZONE” OF COEXISTENCE BETWEEN MUSLIMS AND THE WEST
نقلا عن ساسة بوست