يوضح الخبراء أن الثيوقرطية نشأت أولا لدى اليهود إذ كان نظام الحكم لديهم يختلف عن أنظمة الحكم السائدة لدى اليونانيين، فقد كانت نصوص التوراة المصدر الوحيد للتشريع ولتنظيم شؤون الناس، وهو ما بدا غريبا لليونانيين الذين لم يعرفوا هذا النوع من الخلط بين الديني والمدني، وكانت شؤون الحكم عندهم في منأى تماما عن الدين.
النظام الثيوقراطي بطبعه نظام وثوقي (دوغمائي) يحكم زورا باسم الله ويرى أن لا مجال لمعارضته ولا لمساءلته لأنه يتصرف من منطلقات غيبية ليس للإنسان أن يُدركها. ويتميز النظام الثيوقراطي بالنفوذ الواسع لرجال الدين.
وتُمثل حاضرة الفاتيكان أوضح تجليات الدولة الثيوقراطية، فالبابا يعتبر نفسه ممثل الله في الأرض، إلا أن مختصين لا يعتبرون الفاتيكان ثيوقراطية بحكم أنَّ حكومته لا تحكم شعبا تتحقق فيه شروط الشعب المميز للدولة الحديثة مع الحوزة الترابية والسيادة.
الإسلام والثيوقراطية
يُطرح إشكال الثيوقراطية دائما بالنسبة للإسلام والمسلمين خاصة من طرف الباحثين الغربيين المتأثرين بالمسار التاريخي للمسيحية وارتباطاته بالتطور الاجتماعي التاريخي للقارة الأوروبية.
ويؤكد المختصون أن الثيوقراطية لا مجال لها في الإسلام، فلا وجود لكهنة ولا رهبان في الإسلام حتى يدعوا الحكم باسمه، كما أن الفقيه أو العالم المسلم ليس وسيطا بين العبد وربه كما هو الحال في التقاليد المسيحية، وفضلا عن كل ذلك لا وجود للكنيسة ولا شبيهَ لها في الإسلام.
كما أن الأساس النظري لقيام الثيوقراطية ليس موجودا في الإسلام. ومع ذلك فقد قامت ثيوقراطيات في التاريخ الإسلامي، فبعض الخلفاء كانوا يعتبرون أنفسهم خلفاء الله في أرضه وتحالفوا مع بعض العلماء لتثبيت حكمهم، واستفادوا من فتاوى في هذا الاتجاه.
لكن الأمر لم يبلغ مستوى الثيوقراطية المؤسسية المنظمة، ولا حد اعتبار الخليفة أو السلطان أو الأمير معصوما.
كما أنَّ الإسلام يعتبر تولي أمور الناس أمرا دنيويا ويجب أن يخضع لذلك الاعتبار
، والخليفة ليست له صلاحيات مطلقة وهو معرض للمساءلة وللنصح، ومن أمثلة ذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الرجل الذي نصحه فنهره الناس فقال عمر: “لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها”.