رغم التطمينات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للأسواق والمؤسسات المالية مساء الأربعاء، إلا أن هناك حالة ترقب مصحوبة بقلق بدأت تسود أوساط بعض المستثمرين، خاصة مع خفض التصنيف الائتماني للبلاد. لكن في المقابل، قللت مصادر حكومية ورؤساء منظمات أعمال ومؤسسات حكومية من تأثيرات قرار حالة الطوارئ لمدة 3 شهور على مناخ الاستثمار، خاصة مع قوة الاقتصاد التركي واحتلاله المرتبة 16 بين الاقتصاديات الكبرى، وتنوع مصادر داخله، خاصة من السياحة والاستثمارات المباشرة.
وحسب مصادر حكومية “لا يجب الخلط بين حالة الطوارئ وإعلان الأحكام العرفية، ففي حين تكون الصلاحيات في حالة الطوارئ في يد السلطات المدنية، فإنها تمنح في حالة الأحكام العرفية إلى العسكر”.
ورأى مراقبون أتراك أن فرض حالة الطوارئ لمدة 3 شهور قد يؤثر سلبا على أداء الاقتصاد التركي بشكل عام، وتتضح آثاره على قطاعي السياحة والاستثمارات الأجنبية، على وجه التحديد، رغم التطمينات التي أطلقها أردوغان، من أن “حالة الطوارئ تتماشى مع دستور تركيا ولن تنتهك سيادة القانون والحريات الأساسية للمواطنين، أو حتى ما تتضمنه مواد قانون الطوارئ من استمرار حق المواطنين في إدارة أموالهم وأملاكهم والعمل”.
وقالت مصادر اقتصادية تركية لـ”العربي الجديد”، أمس الخميس، إن فرض قانون الطوارئ يعطي الحق للدولة بإلغاء الحقوق وإصدار قوانين استثنائية، ما يخلق قلقا في مجمل القطاعات الاقتصادية، متوقعين أن تظهر تباعاً على سعر صرف الليرة التركية وأداء البورصة وأدوات الدين الحكومية.
تأثير محدود
ورأى محللون وخبراء اقتصاد أتراك، أن فرض قانون الطوارئ لن يكون له أثر كبير على الاقتصاد، لأن الدولة ستراعي عدم تطبيقه إلا في أوقات وأماكن محددة، بعيدة عن الاقتصاد والمناطق السياحية، مضيفين أنه ضرورة قصوى لإعادة ترتيب وهيكلة المؤسسات التركية، خاصة بعد تحويل أعداد كبيرة من متهمي الانقلاب إلى المحاكم وإيقافهم عن العمل، أو احتمال هزات ارتدادية لاحقة.
ولم يربط المحللون بين فرض حالة الطوارئ وما تشهده الليرة من تراجع في سعر صرفها خلال الأيام الأخيرة، لأن حالة الطوارئ بدأ سريانها أمس، وتراجع سعر الليرة معظمه مرتبط بتحسن سعر الدولار عالمياً، على حد قولهم.
وطمأن رئيس الحكومة التركية، بن علي يلدريم، الشعب التركي بقوله: إن إعلان حالة الطوارئ لن ينعكس على الحياة اليومية للشعب.
وأضاف يلدريم، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، أن القرار المتخذ من قبل الحكومة فيما يخص إعلان حالة الطوارئ، لن ينعكس على الحياة اليومية للشعب، إنما هو قرار يتعلق بآليات الدولة وسرعة عملها.
وأشار يلدريم، في سياق آخر، إلى أن استجابة الشعب لدعوةِ الحكومة، ونزوله إلى الشوارع، للتصدي لمحاولة الانقلاب، كانت مصدر القوة الأكبر بالنسبة إلى الحكومة.
كما طمأن نائب رئيس الوزراء التركي للشؤون الاقتصادية في الحكومة، محمد شيمشك، الشعب التركي أمس، من عدم تأثير حالة الطوارئ المعلنة في عموم البلاد على الاقتصاد، وأنّ حالة الطوارئ جاءت لمكافحة عناصر منظمة الكيان الموازي الإرهابية فقط.
وأوضح شيمشك، في تغريدة على حسابه الخاص في “تويتر”، أنّ الإصلاحات الهيكلية في بنية الاقتصاد التركي ستستمر خلال الفترة القادمة، ولن تتعرض للتوقف، وأنّ القرارات الاقتصادية التي ستتخذ ستكون صديقة للأسواق.
وأضاف شيمشك، أنّ من أولويات الحكومة التركية، خلال الفترة القادمة، ستكون للإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد التركي، وأنّ الاستثمارات ستستمر كما كانت عليه سابقا.
تريث المستثمرين
وفي المقابل، وحسب المحلل الاقتصادي التركي جيواد غوك، “سيؤثر فرض قانون الطوارئ على الاقتصاد التركي، على الأقل لجهة التريث والانتظار في أي مجازفة بضخ الأموال وإقامة الأعمال، ريثما تنتهي الأشهر الثلاثة ولا يتم تمديد حالة الطوارئ”.
وأضاف غوك لـ”العربي الجديد”، أن الآثار ستتجلى في قدوم السياح الذين تراجع عددهم بشكل ملحوظ بعد التفجيرات ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي تلاها فرض قانون الطوارئ، إلا من بعض الروس والعرب الذين سيختارون مناطق سياحية هادئة بعيدة عن العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول.
وحسب المحلل الاقتصادي التركي، فإن الآثار ستطاول كذلك رأس المال الخارجي، لأن ثمة قرارات ومراسيم يمكن أن تصدر بشكل استثنائي وتعيق الاستثمار وتؤثر على البيع بالأسواق الداخلية والتصدير، مشيراً إلى الآثار النفسية التي بدأت تتكرس نتيجة تخفيض بعض وكالات التصنيف الائتماني لتصنيف تركيا.
ورأى جيواد غوك، أن على الحكومة التركية السرعة بطمأنة رؤوس الأموال وإصدار تدابير عاجلة، كي لا ينعكس قانون الطوارئ على سعر الليرة وأداء البورصة وقدوم السياح والاستثمارات الخارجية.
وتشهد الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعاً خلال الربع الأول من العام الجاري، إذ لم تزد عن 2.6 مليار دولار، بعد أن تقدمت تركيا إلى المرتبة 22 عالمياً في جذب الاستثمارات العام الماضي، وبلغت قيمة صافي الاستثمارات الأجنبية عن 16.5 مليار دولار، بزيادة نسبتها 32.4% عن عام 2014.
وتعرض، بالمقابل، موسم السياحة لهزات عدة، تجلت في العقوبات التي فرضتها روسيا بمنع نحو 4 ملايين سائح ينفقون نحو 6 مليار دولار، قبل أن ترفع العقوبات أخيراً، فضلاً عن تفجيرات إرهابية طاولت المناطق السياحية في مدينتي إسطنبول وأنقرة وأكبر مطارات تركيا “أتاتورك” في إسطنبول.
وتشير مصادر تركية رسمية إلى تراجع كبير للسياحة التركية خلال الموسم الحالي، بعد تراجع عدد السياح من نحو 41.5 مليون سائح عام 2014 إلى أقل من 36 مليوناً العام الماضي، وفق ما ذكرت مؤسسة الإحصاء التركية.
وارتفعت الليرة خلال تعاملات أمس، لكنها ما زالت قرب أدنى مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار، بعد خفض مؤسسة “ستاندرد آند بورز” التصنيف الائتماني للبلاد.
وهبطت العملة التركية إلى 3.0973 أمام نظيرتها الأميركية في تعاملات الأربعاء، ليكون أدنى نقاطها على الإطلاق بعد خطوة وكالة التصنيف التي جاءت على خلفية القلق من تزايد المخاطر السياسية وانعكاسها على الاقتصاد.
وبدأت الليرة تعاملات أمس منخفضة قرب مستوى 3.092، قبل أن ترتفع إلى 3.064 في حوالي الساعة 8:50 صباحا بتوقيت مكة المكرمة.
وخفضت “ستاندرد آند بورز” العالمية تصنيف تركيا إلى BB مع نظرة سلبية، معللة ذلك بتأثير سلبي للمشهد السياسي على بيئة الاستثمار.
يذكر أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، بعد اجتماعه، أمس الأول، مع مجلس الأمن الوطني، في الوقت الذي تواصل فيه السلطات عملية “تطهير” مؤسسات الدولة باعتقالات واسعة، بعد انقلاب 15 يوليو الفاشل، والذي لم يحقق أي نجاح يذكر.
ووفقا للمادة 119 من الدستور التركي، يمكن إعلان حالة الطوارئ عند حدوث كارثة طبيعية، أو أزمة اقتصادية قوية، أو لدى انتشار حالات عنف ووقوع اضطرابات خطيرة في النظام العام.
وبحسب المادة 120، فإنه في تلك الحالات يمكن لمجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية، وبعد استشارة مجلس الأمن القومي، إعلان حالة الطوارئ لمدة لا تتجاوز 6 أشهر، في منطقة أو أكثر من تركيا، أو في كامل أنحائها.
عدنان عبدالرزاق
صحيفة العربي الجديد