من الثابت أن عملية حصار قوى المعارضة السورية ليست حكرا على إيران وروسيا والنظام السوري وحلفائه من الميليشيات الأفغانية والباكستانية والعراقية واللبنانية. يبدو الحصار شبه مكتمل من مختلف الأطراف المؤثرة في الميدان السوري، أبرزها الإدارة الأميركية التي تساند القوى الكردية في مواجهة تنظيم داعش، وتعمل من خلالها على تثبيت قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، وهي ترفض أي محاولة لفتح قنوات الدعم العسكري للمعارضة السورية عبر الحدود التركية.
كذلك تنشط الطائرات الروسية العسكرية في ضرب قوات المعارضة في حلب وأريافها، ونجحت مع الطائرات العسكرية السورية قبل أيام في ضرب معظم المشافي المتبقية في المدينة المحاصرة في ظل صمت دولي وأميركي أظهر إلى حدّ بعيد عدم الاعتراض الأميركي على هذه العمليات العسكرية. ورغم تلميح وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن هناك تخوفا لديه من وجود خدعة روسية، في إشارة إلى اتفاق روسي-أميركي سيكشف عنه بعد أيام، إلا أن كيري ربما كان يشير إلى أن الغارات الروسية وإطباق الجيش السوري والحرس الثوري الإيراني الحصار على حلب، يأتيان ضمن هذا الاتفاق، وأن القلق الأميركي يقتصر على بعض العمليات العسكرية لا على أساس استمرارها.
فصائل المعارضة السورية المتمركزة في حلب أكدت أنها لن تسلم المناطق التي تسيطر عليها، بل أكد عضو المكتب السياسي لحركة نورالدين الزنكي ياسر اليوسف لـ”العرب” أنّ “النظام السوري استطاع التقدم عبر طريق الملاح والسيطرة على طريق الكاستيلو بسبب الطبيعة الجغرافية التي سمحت للطيران الروسي بأن يؤمن له غطاء”، مشيرا إلى أنّ “ما يحسبه النظام من نصر هو محدود ومؤقت، ولدينا خطط بديلة سوف نفاجئه بها، كما أنّ كل ما يشاع عن خروج المدنيين والثوار من البلدة غير صحيح، رغم أننا لا نمنع حركة المدنيين ولا نجبرهم على البقاء على خلاف ما يقوم به كل من النظام وداعش”.
وكان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو قد أعلن قبل أيام، ومع إحكام الحصار على حلب، عن فتح معابر لخروج المدنيين ومعابر خاصة للعسكريين الذين يريدون التسليم. وقد ترافق هذا الإعلان الروسي مع حملة إعلامية قام بها النظام السوري ردت عليها فصائل المعارضة بنفي وجود مثل هذه الممرات، وتكذيب ما قالته وسائل إعلام النظام عن خروج مدنيين وتسليم مجموعات معارضة مسلحة سلاحها للنظام السوري وحلفائه. الناطق الرسمي باسم جيش الإسلام إسلام علوش علق على الاقتراح الروسي بالقول “نحن نفهم هذه الدعوة على أنها مشروع لتهجير سكان حلب من مدينتهم على مرأى ومسمع العالم ومنظمات حقوق الإنسان”.
وأضاف في اتصال مع “العرب”، “نحن ندعم دعوة الأمم المتحدة الممثلة بطلب ستيفان دي ميستورا لضرورة السماح للمدنيين الذين لا يريدون الخروج من منازلهم بالبقاء وحمايتهم وعدم التعرض لهم”. كما أكدّ علوش أنّ “الوضع في حلب سيء للغاية إذ تم إطبـاق الحصار على المدينة من قبل عصابات الأسد والعصابات الطائفية المساندة لها والمدعومة من سلاح الجو الروسي، ولكـن رغم كل ذلك فالتشكيلات العسكرية في حلب تبذل قصارى جهدها في سبيل التصدي لهذه الحملة العنيفة رغم تواضع الإمكانات وشح الموارد بالمقارنة مع الطرف الآخر وفي ظل وجود قوة عظمى تقاتل بكل إمكاناتها مع عصابة الأسد”.
ورغم الشكوى من ندرة المساعدات العسكرية لدى فصائل المعارضة واستمرار التضييق من قبل واشنطن عليها وانكفاء الدول العربية عن خوض معركة دعم المعارضة والانكفاء التركي نحو الداخل، فإن ذلك كله لم يمنع هذه الفصائل من استعادة زمام المبادرة على الأرض. وقد أثبتت قدرة على ردّ هجوم النظام وحلفائه ونجحت في استعادة بعض المناطق التي خسرتها خلال الأسبوعين الماضيين.
وفي المقابل تتحدث أوساط دبلوماسية غربية في بيروت، عن أن روسيا وإيران ستسعيان خلال الأشهر المقبلة إلى فرض وقائع جديدة في الميدان مستفيدتين من عدم اعتراض أميركي جدي على هذا التغيير يضاف إلى ذلك انهماك الأميركيين بالانتخابات الرئاسية خلال الأشهر المقبلة وإلى ما بعـد انتخاب الرئيس الجـديد بأشهر. فالوقائع الجديدة هي التي ستتعامل معها الإدارة الأميركية الجديدة والتي لن تخرج عن استراتيجية إنجاز تسوية في سوريا ولكن لن تتجاوز موازين القوى على الأرض.
وهي معركة تجميع أوراق قبل الشروع في الحل، والحل لن يكون في عهد الإدارة الأميركية الحالية، كما لن تجرؤ إدارة أوباما على خوض مغامرة التشويش على حملة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، بحيث تشهد سوريا انقلابا في موازين القوى لصالح روسيا وإيران. ذلك أن حصول هذا التطور سيعني، بالضرورة، القضاء على فرص كلينتون بالرئاسة وتعبيد الطريق أمام وصول مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
الميزان الأميركي الذي ساهم، إلى حد بعيد، في إطلاق يد روسيا وإيران في سوريا، ولجم الدور التركي كما الدور السعودي عبر تقنين قاس للمساعدات العسكرية باتجاه المعارضة السورية، لا يعتقد الكثير من المراقبين أنه مؤشر على إعادة إنتاج النظام السوري نفسه في أي صيغة مقبلة. ولعل موقف جبهة النصرة الأخير بالإعلان عن انفصالها عن تنظيم القاعدة، يعطي إشارة على أن الإدارة الأميركية يمكن أن تتعامل مع هذا الوجود باعتباره غير إرهابي، من دون أن ننسى أن الموقف الأميركي من قرار جبهة النصرة لم يتغير، لكنه بدا أكثر استعدادا للنظر في الأعمال لا الأقوال.
الكرّ والفرّ في الميدان السوري يترافقان مع تبلور ثلاث كتل أساسية بعد إنهاء تنظيم داعش: كتلة النظام السوري وما يمثله على مستوى الأقليات الدينية، وكتلة كردية، وكتلة سنية يمكن أن تتضمن التيارات الإسلامية وجبهة النصرة في صلبها.
وهذه الكتل الأساسية هي التي تمتلك الامتداد الإقليمي والدولي، وهي ستخوض معارك إثبات حضور وقدرة على السيطرة إلى أن يحين موعد التسوية الذي لن يكون قبل عام على الأقل. ولكن يجب ألا ننسى أخبار فك الحصار عن حلب التي تواترت في الساعات الأخيرة، عن مقاومة سورية ضد هجمات الروس وكتائب الأسد وحزب الله. ذلك أن تطورات الميدان قادرة على تغيير القواعد كلها.
علي الأمين
صحيفة العرب اللندنية