بعد القتال الشرس في محيط قصر الرئاسة اليمني، أعلن وزير الداخلية اليمني، اللواء جلال الرويشان، بدء سريان وقف إطلاق النار بين قوات الحماية الرئاسية والحوثيين في العاصمة صنعاء مساء أمس، وأوضح الوزير أن وقف إطلاق النار جاء بناء على عمل اللجنة الرئاسية التي تم تشكيلها لمتابعة وقف إطلاق النار برئاسة مستشار رئيس الجمهورية عن الحوثيين صالح الصماد، بحسب ما بثته وكالة الأنباء الرسمية، التي قالت وزيرة الإعلام نادية السقاف، إنها “تحت سيطرة الحوثيين ولم تعد معبرة عن الدولة”، وأشار إلى أن اللجنة الرئاسية باشرت عملها في متابعة وقف إطلاق النار في مختلف الأماكن، فيما قالت اللجنة الرئاسية، المكلفة بتثبيت وقف إطلاق النار في صنعاء إنها “أقرت وقف الاشتباكات في محيط دار الرئاسة، جنوبي العاصمة صنعاء، وتثبيته ابتداءً من الساعة الرابعة والنصف عصرًا”.
لجان ميدانية للمراقبة
وأضاف البيان “أنه تم الاتفاق على نشر لجان ميدانية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، وأنها بدأت الانتشار في محيط دار الرئاسة”، فيما قالت مصادر إعلامية إن اشتباكات متقطعة استمرت في أحياء “عطان” وسط صنعاء، ومنطقة “بيت بوس” جنوبي العاصمة، وطبقًا لشهود عيان فإن إطلاق النار استمر بعد الإعلان في محيط دار الرئاسة وأن أصوات الانفجارات سمعت إلى مسافات بعيدة، وأضاف الشهود أن الحوثيين عززوا من مواقعهم خلف منزل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في شارع الستين شمال صنعاء.
جامعة الدول العربية
ودعت جامعة الدول العربية، كافة التيارات والقوى السياسية اليمنية، إلى الوقف “الفوري والشامل لكل أشكال العنف واحترام السلطة الشرعية للبلاد”، وقال نائب الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد بن حلي، إن “الأمانة العامة للجامعة تتابع عن كثب وباهتمام بالغ هذه التطورات المؤسفة (باليمن)، كما تجري الاتصالات اللازمة للمساهمة في احتواء هذه الأزمة”، وأضاف “بن حلي” أن الأمانة العامة للجامعة العربية “تدعو كافة التيارات والقوى السياسية اليمنية بالعمل من أجل الوقف الفوري والشامل لكل أشكال العنف واحترام السلطة الشرعية للبلاد، ومساعدة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في جهوده الرامية إلى رأب الصدع والالتزام بالمسار الديمقراطي الذي يحقق تطلعات الشعب اليمني”.
السيطرة على ثكنة عسكرية
هذا، وتضاربت الأنباء حول سيطرة مسلحي جماعة “أنصار الله”، الشهيرة بـ”الحوثيين” على إحدى الثكنات العسكرية لقوات الحماية الرئاسية، في إحدى الجبال المطلة على الجهة الجنوبية لدار الرئاسة اليمنية في العاصمة صنعاء، في حين نفت مصادر عسكرية صحة هذه الأنباء، لكن، قال القيادي في جماعة الحوثي “علي البخيتي” إن مسلحي جماعته سيطروا على ثكنة عسكرية تابعة لقوات الحرس الرئاسي المتمركزة في جبل “النهدين” المطل على دار الرئاسة من الجهة الجنوبية، بعد اشتباكات عنيفة استمرت لساعات.
قتال جبل النهدين
وكان محيط جبل النهدين، المطل على دار الرئاسة، قصف قصفًا مدفعيًا عنيفًا من قبل مسلحي الحوثي، وشوهدت ألسنة الدخان تتصاعد منه، في أشرس مواجهات منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ولم يعرف عدد القتلى والمصابين من الجانبين، وعن سبب الاشتباكات قال الحوثيون إنها اندلعت في أعقاب إطلاق قوات الحرس الرئاسي، النار على عناصر من اللجان الشعبية (تابعة للجماعة) في جولة (دوار) المصباحي بالمنطقة، فيما لم تورد السلطات الرسمية أسبابًا على الفور، وجراء الاشتباكات، أغلقت العديد من السفارات الأجنبية في صنعاء أبوابها، وطبقًا للمصادر فإن عددًا من السفارات وفي مقدمتها الأمريكية والبريطانية والألمانية والهولندية، أغلقت أبوابها، بسبب الاشتباكات بين الحوثيين وقوات دار الرئاسة بصنعاء، بالإضافة إلى إغلاق عدد من أكبر شوارع وميادين العاصمة.
اللجنة الرئاسية
وقد عقد الرئيس عبد ربه منصور هادي اجتماعًا مع مستشاريه بمن فيهم الحوثيون، وقال مصدر حكومي، إن الرئيس أمر بتشكيل اللجنة برئاسة وزير الدفاع اللواء الركن محمود الصبيحي، وعضوية كل من وزير الداخلية اللواء جلال الرويشان، ومستشار هادي عن جماعة الحوثي صالح الصماد، إضافة إلى القيادي الحوثي مهدي المشاط، وأشار المصدر إلى أن مهمة اللجنة “تثبيت وقف إطلاق النار الذي دعا إليه الرئيس هادي”، وقد تعرض موكب قياديين بارزين في جماعة أنصار الله (الحوثيين) لإطلاق نار مكثف في صنعاء، وقالت وزير الإعلام اليمنية نادية السقاف في تغريدات على صفحتها على “تويتر”، إن موكب الحوثيين الذي يضم مستشار الرئيس عن الجماعة صالح الصماد والقيادي البارز مهدي المشاط مدير مكتب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي تعرض لإطلاق نار مكثف في شارع الستين بعد خروجهما من الاجتماع مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، دون وقوع إصابات، ولم تكشف الوزيرة اليمنية مصدر إطلاق النار، كما لم تعقب جماعة الحوثي.
موكب رئيس الوزراء
كما تعرض موكب رئيس الوزراء خالد بحاح، لإطلاق نار كثيف من قبل مسلحين حوثيين في العاصمة، عقب خروجه من ذات الاجتماع، وقالت السقاف إن “موكب رئيس الوزراء اليمني تعرض لإطلاق نار مكثف من قبل مسلحي جماعة الحوثي في شارع الزبيري بصنعاء بعد خروجه من الاجتماع”، دون أن يصب بأذى، وأوضحت أن “الفضائية اليمنية الرسمية (قناة اليمن الأولى) ليست تحت سيطرة الدولة، ولا وكالة سبأ الرسمية”، مشيرة إلى أن “الحوثيين سيطروا عليهما تمامًا ويرفضون نشر بيانات الدولة؛ لذا أنا كوزيرة إعلام أرفع الشرعية عنهما”، وتابعت: “من يرغب في متابعة أخبار وبيانات الدولة وما يحدث، يتابع قناة عدن، وليس الفضائية أو الوكالة، وسوف أستمر في بث الأخبار من موقعي على تويتر”.
وكان مصدر بالحكومة اليمنية قال إن وكالة الأنباء الرسمية (سبأ) رفضت نشر خبر اجتماع استثنائي عقدته الحكومة، خصص لمناقشة تطورات اختطاف مدير مكتب رئاسة الجمهورية، أحمد عوض بن مبارك من قبل جماعة الحوثي، وأضاف أن “جماعة الحوثي باتت تتحكم في السياسة الإعلامية للوكالة الرسمية في البلد، وتم منع نشر خبر الحكومة لاحتوائه على استنكار شديد لعملية اختطاف مدير مكتب الرئاسة، والمطالبة بالإفراج عنه فورًا”.
معارك محيط القصر الرئاسي
ومع هبوب المعارك على محيط القصر الرئاسي بصنعاء، يبدو أن الموقف بات ينذر بـ”اقتراب الأيام الأخيرة” للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في الحكم، وأنه أصبح “فاقد السيطرة على السلطة لصالح الحوثي الذي بات يسيطر على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد، منذ أشهر “، بحسب محللين، فالاشتباكات التي وقعت صباح أمس الاثنين، بين قوات تابعة له، وأخرى تابعة لجماعة الحوثي، في عدة شوارع متفرقة بمنطقة السبعين، بصنعاء، كانت على مرمى حجر من دار الرئاسة الكائنة في المنطقة نفسها، ويرى مراقبون أن هادي الذي أتى إلى الحكم في فبراير/شباط 2012 بموجب المبادرة الخليجية لتسوية ثورة العام 2011، كمرشح وحيد لطرفي الأزمة، نظام الرئيس السابق (علي صالح) حيث كان يشغل فيه منصب الرجل الثاني كنائب لرئيس الجمهورية ونائب لرئيس حزب المؤتمر الحاكم، ولطرف الثورة ممثلًا في تحالف اللقاء المشترك المعارض، هو اليوم فاقد السيطرة على السلطة، لصالح الحوثي الذي بات يسيطر على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
الجماهيرية المفقودة
وجراء ذلك، يواجه هادي الذي كان يحظى بتأييد جماهيري واسع في بدايات حكمه، وانعكس في الملايين الستة الذين انتخبوه (من إجمالي عدد السكان 25 مليون نسمة) على أمل التغيير والاستقرار، أسوأ تأييد شعبي لرئيس يمني على الإطلاق، ويكاد يكون منعدمًا، حيث يحمله الجميع المسؤولية عن وقوع البلاد تحت سيطرة الحوثي، بل ويذهب بعضهم إلى اتهامه بالتآمر معها في ذلك، وفقًا لمراقبين، ولا يقتصر السخط على هادي على الطرفين السياسيين اللذين أتيا به إلى الحكم، (النظام السابق الذي كان الرجل الثاني فيه، وطرف الثورة الذي هو من أتى به فعليًا إلى الرئاسة)، بل تجاوزهما إلى المواطن العادي الذي يجد أن الدولة بقيادة الأول “خذلت الناس وسلمتهم للميليشيات، والتفجيرات الإرهابية التي أصبحت أكثر عنفًا وتصاعدًا مع غياب الدولة، والسيطرة الحوثية على البلاد”.
قوى الثورة.. أين؟
وكان حزب المؤتمر وهو حزب صالح، قد أقصى هادي من منصبي نائب رئيس الحزب والأمين العام في أكتوبر/تشرين أول الماضي، كما أن قوى الثورة من عسكريين وسياسيين وشباب ترى أن هادي هو من تآمر عليها مع الحوثي لشن الحرب عليها وإقصائها وصولًا إلى السيطرة الحوثية على صنعاء، وفي هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل السياسي، رياض الأحمدي: “أصبح هادي فاقد الغطاء السياسي داخليًا، إلا من تأييد بعض الفصائل الجنوبية المحسوبة على محافظته (أبين-جنوب) والممولة منه كلجان شعبية، إلا أنها تمثل نسبة قليلة في فسيفساء الحراك الجنوبي المتعدد الزعامات والولاءات، حتى إن فروع حزب المؤتمر في الجنوب انحازت إلى صالح ضده، والذي استبدل جنوبيبن آخربن في منصبي نائب رئيس الحزب والأمين العام اللذين كان يشغلهما”.
الحوثيون والبديل المقبول
الدعم والتأييد الإقليمي لهادي، وعدم قدرة جماعة الحوثي على أن تكون البديل المقبول به محليًا وإقليميًا ودوليًا، ذلك هو فقط -بحسب الأحمدي- ما يبقيه رئيسًا في دار الرئاسة مع سيطرة فعلية للجماعة التي يقول إنها تتشاطر تلك السيطرة مع الرئيس السابق علي صالح المتهم، بالتآمر معها في إسقاط البلاد، ويواجه بسبب ذلك قرار إدانة مع قياديين حوثيين من مجلس الأمن الدولي، ومن ملامح التعاون بين الحوثي وصالح، ما دفعه الأخير من رجاله القبليين، وضباط من قوات الحرس الجمهوري سابقًا التي كان يقودها نجله (أحمد) للانخراط ضمن عناصر الحوثي التي اقتحمت العاصمة، وتتشارك معها الآن السيطرة عليها وعلى مدن أخرى.
التخلص من هادي
وبحسب الكاتب والناشط، حمزة المقالح، فإن “صالح يحتاج إلى التخلص من هادي، ليكون تحركه مع الحوثيين لإسقاط البلاد مفيدًا له ولعودته من خلال نجله (أحمد)، أو بأي شكل آخر إلى السلطة، فيما يبدو أن بقاء هادي هو الخيار الأمثل للحوثيين للسيطرة على السلطة بالتدريج من خلال التعيينات التي يفرضونها عليه في أجهزة الدولة التنفيذية والعسكرية والأمنية والتي تنقلهم من السيطرة من خلال المليشيا إلى السيطرة عبر الدولة”، من جانبها تنفي وسائل إعلام المؤتمر، التحالف بين صالح والحوثي من جهة، وإثباته بين هادي والحوثي من جهة أخرى.
صالح ونجله أحمد وحزب المؤتمر
وبحسب قيادات في حزب المؤتمر، فإن “صالح ونجله أحمد، لا يزالان يحظيان بالتأييد الكبير داخل وحدات الجيش المتبقية والتي يحسب جميعها على الحرس، كما أن صالح لا يزال بالغ النفوذ في المحيط القبلي في الشمال، والذي يشكل منه الحوثي ميليشياته المقاتلة، كما أن الشبكة الواسعة لحزب المؤتمر في الشمال والجنوب يمكن لها أن توفر الغطاء الاجتماعي لأي تحرك من قبلهما للإطاحة بهادي والحوثي، ولا ينقص كل ذلك إلا الغطاء السياسي والمالي الذي يكفي لو توفر من قبل السعودية”، ووفقًا لهذه القيادات، فإن ذلك “ليس بعيدًا حين تفعل المملكة ذلك، والمهمة الآن هي إقناع المملكة بأن هادي أصبح بطاقة محروقة وعديم الجدوى بالنسبة لها”.
من سيخرج من الحكم؟
لكن، هل يحدث ذلك السيناريو من خلال تحرك سياسي على غرار المبادرة الخليجية التي كان للمملكة السعودية الدور الأبرز فيها والتي تم بموجبها إخراج صالح من الحكم وتنصيب هادي؟، أم أن ذلك سيحدث من خلال تحرك عسكري؟، سؤال أجاب عليه مقربون من صالح، أجابوا بأن “الخيارين مطروحان على الطاولة”، غير أن الكاتب المقالح يترك في هذا الصدد تساؤلات عدة بينها “كيف سيحدث ذلك؟، وهل يتخلص صالح من الحوثي أيضًا؟، أم أن التخلص من هادي سيكون بالتنسيق بينهما ومن ثم يتقاسمان السلطة؟، وهل التحالف بينهما مرحلي أم هو استراتيجي؟، وهل ينجح صالح في توفير الغطاء السياسي السعودي لذلك؟، أم هو سيحدث بدون المملكة؟، وهل يكون التحرك للتخلص من هادي ناجحًا وفي الحدود الآمنة؟، أم أنه سيؤدي إلى تداعي ما تبقى من مؤسسات الدولة، وبالتالي سيفتح الباب واسعًا أمام الفوضى، والمزيد من الحروب الأهلية التي تعيش البلد بداياتها الآن؟
نقلا عن التقرير