“إقدام إيران على شنق ما يصل إلى 20 شخصا هذا الأسبوع جاء عقب شكوك خطيرة في نزاهة المحاكمات واحترام الإجراءات القانونية، مما يثير الريبة في وقوع ظلم واضح”. بهذا التصريح، ندد المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين بإقدام إيران على إعدام نحو 20 كرديا الثلاثاء الماضي أدينوا بمهاجمة قوات الأمن، ممّا فجر إدانات من جماعات حقوقية قالت إن أحكام الإعدام ربما استندت إلى اعترافات انتزعت بالقوة.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن المتهمين أدينوا بقتل رجلي دين وعدد من رجال الشرطة وحراس الأمن واختطاف عدة أشخاص وتنفيذ عمليات سطو مسلح وتفجيرات في غرب إيران، فيما تؤكد جهات حقوقية وأممية أن التحقيق مع هؤلاء كان غير قانوني وقد تم بطرق التعذيب. وهذه الإعدامات جاءت في سياق تأكيد العديد من الخبراء، أن الوعود التي أطلقها الرئيس الحالي لإيران حسن روحاني، بأن عهده سيكون فيه المزيد من احترام حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة وغيرها، لم تكن سوى دعاية للحملة الانتخابية التي قادها الشباب الإصلاحي نظرا إلى المخزون الانتخابي الواسع الذي يحض عليه الإصلاحيون ممن يريدون التغيير فعلا ونزع عباءة أسلمة الدولة، وهي الأيديولوجية التي يرتكز عليها نظام ولاية الفقيه.
وبعد تأكيد السلطات الإيرانية رسميا على خبر إعدام 20 كرديا من الطائفة السنية في إيران، أطلقت العديد من الجهات الأممية والحقوقية بيانات تنديد وتصريحات تستنكر فيها ما قامت به الدولة الإيرانية، ويقول الأمير زيد المفوض السامي لحقوق الإنسان “إن توجيه اتهامات جنائية فضفاضة ومبهمة إلى جانب ازدراء حقوق المتهم في الإجراءات اللازمة والمحاكمة النزيهة، أسفر في هذه الحالات على ظلم بيّن”.
وقال المفوض السامي إن هناك مزاعم عن تعرض شاهرام أحمدي، أحد الذين نفذ فيه حكم الإعدام للضرب وإجباره على التوقيع على ورقة بيضاء، تم تسجيل اعترافات كاذبة عليها في ما بعد. وتقول جماعات حقوقية دولية إن إيران من أكثر الدول تنفيذا لحكم الإعدام، كما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش هذا الأسبوع، إن إيران أعدمت 230 على الأقل هذا العام.
وهذا الواقع الحقوقي الإيراني الذي يعد مخالفا للقوانين الدولية والإنسانية كان محل انتقاد من قبل العديد من الصحف ووسائل الإعلام العالمية التي بحثت في الواقع الداخلي الإيراني بشكل قريب، إذ تناولت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية تحليلا لتناقض خطاب روحاني مع سلوكياته، مؤكدة أن 1119 إيرانيا أعدموا منذ وصول روحاني إلى السلطة في 4 أغسطس 2013 إلى حدود أواخر سنة 2015 فقط، ما يتجاوز الوتيرة التي كانت سائدة أيام سلفه محمود أحمدي نجاد الذي يعتبر من المحافظين، وأكدت الصحيفة أن منظمات حقوق الإنسان أحصت في تقاريرها المئات من السجناء السياسيين، منهم 62 في مدينة واحدة، بينما ينفي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وجود أي سجين رأي في بلاده، قائلا “نحن لا نسجن الناس لمجرد التعبير عن آرائهم”. وتذكّر الصحيفة برئيس الحكومة السابق مير حسين موسوي والنائب السابق في البرلمان مهدي كروبي، اللذين مازالا قيد الإقامة الجبرية منذ العام 2009، إثر الثورة الخضراء التي أعقبت انتخابات العام 2009 المشكوك في نزاهتها.
وتؤكد آراء خبراء ونشطاء إيرانيين أن هناك نزعة آلية نحو تلفيق التهم والإعدام من قبل السلطات الإيرانية ضد أي متهم أو مشتبه فيه من الطائفة السنية رغم أن المتهم مواطن إيراني بالدرجة الأولى، ويقول الباحث والكاتب الإيراني رضا علي جاني، إن هؤلاء تم إعدامهم “بعد مرحلة مقاضاة غير عادلة، وتعرضوا للتعذيب الشديد من أجل قبول التهم الموجهة إليهم”. كما أشار إلى أن الإعدامات التي وقعت قبل يومين “كانت تهدف السلطات الإيرانية من ورائها إلى ترهيب السنة وتحقيق مآرب سياسية، وذلك كنتيجة طبيعية للمنافسة الإقليمية القائمة بينها وبين المملكة العربية السعودية” والتي تعد من أكبر الدول السنية في المنطقة.
وعن تنكر روحاني لوعوده الانتخابية التي أكد فيها أن عهدا جديدا للحرية سيبدأ معه، قال علي جاني إن “حكومة روحاني حصدت نسبة كبيرة من أصواتها من المناطق التي ينتسب إليها الأشخاص الذين تمّ إعدامهم، ومن الواضح أنّ أمن وسلامة الأهالي القاطنين في تلك المناطق، لا يدخلان ضمن اهتمامات تلك الحكومة الآن”.
وتحرس إيران على إبراز كل الأوجه العنيفة للنظام عندما يتعلق الأمر بشبهات تمس المواطنين من ذوي الطائفة السنية وذلك في سياق عملية ما يشبه التطهير الطائفي داخل إيران بحسب مراقبين، الأمر الذي يزيد من التوتر والاحتقان بين القوى الإقليمية، وهذا أمر لا تريده القوى العربية نظرا إلى بحثها الدائم والمتواصل عن إيجاد حلول للنزاعات العربية المسلحة.
صحيفة العرب اللندنية