قلق يسود مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا من احتمال نشوب معركة حاسمة قد تقلب الموازين، فإن انتصرت قوات المعارضة ستكون قادرة على تغيير صورة الحل السياسي المقبل لسوريا المستقبل، وإن انتصر النظام السوري سيستطيع الأسد قلب الطاولة وفرض الحل وفق مواصفاته برعاية إيران وضمانة روسيا. فقد اعتبر قادة في فصائل المعارضة السورية، أن معركة السيطرة على مدينة حلب شمالي سوريا وإخراج قوات النظام منها ستكون صعبة وطويلة، مؤكدين إصرار المعارضة على خوضها رغم ذلك.
معركة مفصلية
يقول قيادي في الجيش الحر ونائب قائد كتيبة “تجمع فاستقم كما أمرت” ملهم عكيدي لـ”العرب” إن “جميع فصائل الثورة السورية تجهّز الآن لمعركة ضخمة في حلب بهدف تحريرها، ونحن نعلم أن المعركة لن تكون سهلة وأن عصابات الأسد متمسكة بمدينة حلب لأهميتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا لأي طرف يسيطر عليها. ولكن نحن ندخل هذه المعركة بمعنويات عالية وبزخم كبير بعد الانتصارات الأخيرة والسيطرة على أهم مواقع النظام وأكثرها تحصينا وهي مجمع الكليات العسكرية وحي الراموسة”.
ويعتبر الجيش الحر الانتصار الأخير وكسر الحصار عن المدينة قلبا للطاولة على النظام والروس الذين بدأوا يروجون لانتصارهم على الثورة السورية بحسمهم معركة حلب. ويضيف ملهم عكيدي في هذا السياق قائلا “الآن تحرير كامل مدينة حلب سيغير الموازين كثيرا لصالح الثورة السورية سياسيا وعسكريا لأن تحرير حلب يعني إنهاء استنزاف عدد كبير من مقاتلي الجيش الحر وتفرغهم للانطلاق باتجاه الجنوب والشرق لتحرير المزيد من المناطق من داعش أو النظام”.
ويرى القيادي في الجيش الحر أن هناك عدة أطراف دولية تسعى لعدم تغيير خريطة السيطرة في سوريا وتعمل على إطالة أمد الحرب على الأقل حتى تضمن تحقيق مصالحها. ويؤكد عكيدي أنه “عندما حملنا سلاحنا للدفاع عن أهلنا ولتحرير أرضنا لم نستأذن أي دولة، والآن نحن لا ننتظر موافقة أي جهة لتحرير حلب وتحرير باقي الأراضي السورية.
كما يرى أبو يوسف المهاجر المتحدث العسكري باسم حركة أحرار الشام الإسلامية (أحد فصائل جيش الفتح التابع للمعارضة)، أن المعركة في حلب ستكون طويلة أو على الأقل متوسطة المدى لأنها مدينة كبيرة من الناحية السكانية والعمرانية، لافتاً إلى أن “تعيين مدة زمنية لها أمر لن يكون صحيحاً أو دقيقا”، وفق تعبيره.
ونوه المهاجر إلى أن أولوية فصائل المعارضة حاليا هي تأمين الطريق الذي شقته من ريف حلب الجنوبي الغربي إلى المدينة مؤخراً، مشيراً إلى أن الطريق يتعرض لقصف مكثف من الطيران الروسي ما أسفر عن العشرات من القتلى والجرحى خلال الأيام الماضية.
وأكد المتحدث أن هذه المعركة (معركة حلب) تقاد من خلال غرفة عمليات ذات تنسيق عالٍ، وتشهد اجتماع القادة العسكريين للفصائل، إضافة إلى التحرك بأمر عسكري واحد والانضباط في تنفيذ الأوامر المعطاة، معتبرا أن “ما ميز هذه المعركة أن جميع الفصائل دخلت باتجاه الهدف نفسه ولكن من عدة محاور، فلم يكن هناك تشتت في الأهداف”. وتطرق المهاجر إلى أهمية مدينة حلب كإحدى أكبر مناطق تجمع لقوات النظام والميليشيات المساندة له في البلاد، معتبرا أن “سقوطها سيكون النهاية الحتمية لبشار الأسد”، على حد تعبيره.
ومن جانبه يقول العميد المنشق عن جيش النظام إبراهيم الجباوي لـ”العرب” إن الموازنات الدولية لا تسمح بإطالة الحرب، مضيفا “لا أعتقد أن المجتمع الدولي سيسمح بمعركة مقبلة في حلب إلا إذا عملت روسيا على إثارة هذا المجتمع من خلال دعم غير عادي لقوات الأسد يمكنها من إعادة فرض حصار على حلب واستعادة المواقع التي حررها الثوار”.
ويؤكد العميد الجباوي أنه إذا سمح المجتمع الدولي بمثل هذه المعركة المفترضة فإنه سيسمح لها بحدود لا رابح ولا خاسر، لكن سيكون لها صدى محلي وآخر إقليمي وعالمي يتمثل في أن هؤلاء الثوار وبأسلحة متواضعة يستطيعون تغيير المعادلات الدولية. ويضيف العميد المنشق “دون شك إن صدى المعارك في حلب سينعكس على سير محادثات جنيف إن استأنفتها الأمم المتحدة وبرهنت على جديتها في حل الأزمة السورية”.
مدينة مدمرة
قال الرائد ياسر عبدالرحيم قائد غرفة عمليات “فتح حلب”(تجمع لفصائل معارضة في حلب) إن “الاستراتيجية التي يتبعها النظام في حلب هي إطالة عمر المعركة لقتل نشوة الانتصار وروح الاندفاع لدى فصائل المعارضة إلا أن الأخيرة حسمت أمرها وهي مصممة على تحرير المدينة وطرد قوات النظام والميليشيات الطائفية المساندة له منها”.
وأشار عبدالرحيم في تفسيره لتحركات الجيش في هذه المعركة إلى أن قوات بشار تقوم بتحركات لاستدراج المعارضة من الداخل وإدخالها في مساحات أكثر انفتاحا للقتال المباشر وهذا ليس في صالح المعارضة نظرا لطبيعة التسليح وفقدان الطيران، مضيفا أن الانسحابات الكبيرة التي قامت بها قوات النظام خلال الهجمة الأخيرة لفصائل المعارضة على ريف حلب الجنوبي الغربي “أثبتت هشاشته وإمكانية هزيمته بشكل كامل في المدينة”.
وبين عبدالرحيم أبرز المناطق التي تتحصن بها قوات النظام حاليا في مدينة حلب وهي “الأكاديمية العسكرية” على مدخل مدينة حلب الغربي، و”فرع المخابرات الجوية” (فرع استخبارات تابع للنظام) شمال غربي المدينة، وفرعا “الأمن العسكري” و”الأمن السياسي” (فرعا استخبارات تابعان للنظام) وسط المدينة، ونادي الضباط بحي الأعظمية.
واعتبر قائد غرفة العمليات أن الصعوبات التي تواجه فصائل المعارضة في عملياتها العسكرية بحلب، تتمثل بخذلان المجتمع الدولي والعالم وصمتهما على المجازر التي ترتكب بحق المدنيين من قبل طيران النظام السوري ونظيره الروسي، كما تطرق إلى ما وصفه بـ”تعامي” وسائل الإعلام العالمية عما يجري في سوريا من عمليات قتل منظم تقوم بها ميليشيات متعددة الجنسيات تقاتل إلى جانب قوات النظام.
بينما يقول المعارض السوري محمود عادل بادنجكي لـ”العرب” إن “معركة حلب معركة تشبه ابتلاع الموس على الحدّين. فأنت تحتار بين فرحة عارمة بخلاصها من الاستبداد، وبين الخشية من وقوعها تحت القصف الروسيّ السوريّ، وركام المعارك، والفوضى التي تلي التحرير”.
ويؤكد المعارض السوري أن المتبقّي من حلب الغربية يحتوي الحدّ الأدنى من البنية التحتيّة لضمان عيش مدينة بما يكفي لمجرّد حياة، فهي تحتوي المشافي والجامعات والمدارس والمؤسّسات الخدميّة السليمة في مقابل مثيلاتها مدمّرة على الجانب الآخر. ويقول بادنجكي “كما تحتوي أيضاً ومن ناحية معاكسة، على وجود “احتلال إيرانيّ”، وعلى جميع أسباب تفكّك المجتمع وتطييفه، وميليشيات الدفاع الوطنيّ، وانعدام الأمان بكافّة جوانبه، والظلم والاضطهاد، والتجنيد الإجباريّ، واستلاب القرار”.
ويعتقد المعارض السوري أن “المعركة قد تكون طويلة نتيجة لاستعداد النظام الكبير لها، وامتلاكه غلبة السلاح النوعيّة والكمّيّة بالإضافة إلى تمترسه في مواقع الدفاع. لكن كما سبقت التجربة، من الممكن أن يكون الأمر كمرور السكّين في قالب الزبدة، بسبب التفوّق في العقيدة القتاليّة لقوى الثورة في مقابل تهالك المعنويّات لجيش النظام، بما يؤدّي إلى تساقط سريع لقواه بما يشبه أحجار الدومينو، وهناك أمثلة في الكثير من المواقع التي تحرّرت بمجرّد التكبير”.
وعن النفوذ الخارجي على المعركة المرتقبة يرى بادنجكي أن هناك ظنّا مبنيّا على تصريحات قادة “ملحمة حلب الكبرى” بأنّهم سيستمرّون في تحرير حلب، غير آبهين لأيّ أوامر معاكسة قد تأتي من المانحين، وهذا الإصرار تدعمه مكتسبات وغنائم الثوّار من مخازن السلاح الهائلة التي استولوا عليها، وتضعف هذا الرأي التجارب السابقة من توقّفٍ وتجميد للاقتتال في العديد من المناطق وفي أوقات مختلفة، بالإضافة إلى مصالح الدول المنخرطة في الشأن السوريّ، التي تدعم الطرفين، وما تستطيعه من إيقاع ضغوط على من تساعدهم.
وعن أثر المعارك على طاولة المفاوضات، يؤكد بادنجكي أن معركة حلب “حقّقت انعطافاً كبيراً في سير العمليّات العسكريّة كأداة كادت تلوي ذراع المعارضة قبل معركة حلب، انقلبت إلى ورقة ضغط كبيرة على الأرض في يدها وعلى طاولة المفاوضات، ومن المتوقّع أن تكون في مرحلة شبه حاسمة لو اكتملت وحرّرت حلب، ولا أدلّ على ذلك من استماتة النظام وداعميه، وعلى رأسهم الروس، لوقف المعركة ومنع تقدّمها لتحقّق أهدافها”.
وكذلك يؤكد المعارض السوري والمستشار القانوني محمد صبرة أن معركة حلب ستكون حرب استنزاف طويلة، ولن يسمح لأي طرف بحسم الصراع لصالحه بشكل نهائي.
ويقول محمد صبرة لـ “العرب” “الخوف من أن يكون حصار حلب والقصف الشديد على حلب مجرد محاولة لصرف الأنظار عن وقائع باتت تتشكل في شرق حلب، لقد كان واضحا منذ البداية وخلافا لما تردده وسائل الإعلام أن الولايات المتحدة لم تكن مستعجلة في القضاء على داعش، حتى أن الفصائل التي اشتبكت مع داعش في شهر يناير من عام 2014 وقامت بطرد داعش من مساحات واسعة في ريف حلب الشمالي والشرقي تمت معاقبتها ومنع تزويدها بالسلاح”.
ويعتقد صبرة أن الولايات المتحدة تريد طرفا محددا “هو الذي ينتصر على داعش لأن من ينتصر على داعش سيمتلك الشرعية الأخلاقية في الوجود، ولذلك فإن معركة حلب هي لاستنزاف الفصائل المقاتلة وإبعادها عن أي معركة مستقبلية للقضاء على داعش لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تمتلك هذه الفصائل أي شرعية في وجودها”.
ويرى صبرة أن الحل السياسي في سوريا أصبح أكثر تعقيدا ومن الصعب ربط المسار السياسي بالمسار العسكري، ويضيف “للأسف المسار السياسي لا علاقة له بأي تطورات على الأرض، فهو مرتبط أصلا بالتجاذبات الإقليمية وبالصراع الدولي حول سوريا، للأسف لو ترك الأمر للسوريين ولم يتم السماح بالتدخل الإيراني واللبناني والعراقي والروسي لاستطاع الثوار حسم المعركة مع قوات بشار منذ عام 2012”.
من جانبه، أفاد العميد المنشق عن قوات النظام والقيادي في الجيش الحر أحمد بري أن معركة حلب الأخيرة التي تم خلالها فك الحصار عن الأحياء الشرقية في المدينة (الخاضعة لسيطرة المعارضة)، قد حققت نتائج ممتازة تتمثل في “كسر شوكة كل من النظام السوري وروسيا”، كما أنها “عززت ثقة الشعب السوري بالجيش الحر وجيش الـفتح (الذي له اليد الــطولى في معركة حلب).
وكشف بري عن أن خارطة السيطرة في مدينة حلب تغيرت بعد المعركة الأخيرة التي ما تزال مستمرة حتى اليوم، إضافة إلى خسارة النظام أقوى معاقله في المدينة كمدرسة المدفعية وكلية التسليح، التي كانت تقدم إسنادا ناريا قويا لقوات النظام في كل الاتجاهات.
المرحلة القادمة أصعب
ورأى القيادي في الجيش الحر، أن المرحلة القادمة من المعركة ستكون “الأصعب”، بسبب غياب عنصر “المفاجأة” الذي تحقق بشكل كامل في المراحل السابقة، إضافة إلى أن النظام السوري والميليشيات “الطائفية” التي تسانده ومن بينها حزب الله اللبناني، قد وصولوا إلى مرحلة “الاستماتة”، أي إما “الموت أو البقاء”، لافتا إلى إمكانية قيام روسيا بأعمال أشد قسوة من السابق لأن الخسارة في حلب تعتبر خسارة لها خاصة أنها زجت بكامل ثقلها وقوتها لكسر المعارضة وحتى اليوم لم تنجح في ذلك.
واعتبر بري “أن النظام خسر ربع قواته في حلب وهو آيل للسقوط، الأمر الذي دفع بإيران وحزب الله للزج بالمزيد من قوات النخبة لديهما، على اعتبار سقوط حلب يعني سقوط بلدتي نبل والزهراء ذات الأغلبية الشيعية في ريف حلب الشمالي”.
وعبّر عن ثقته بـ”انتزاع” حلب بالكامل من سيطرة النظام، الأمر الذي يمهّد لـ”طرد” مقاتلي منظمة “ب ي د” الإرهابية، من الأحياء التي يسيطرون عليها في المدينة، ليعود الاتصال الجغرافي بين ريفي حلب الجنوبي والشمالي باتجاه مدينة “اعزاز” على الحدود السورية الــتركية خــاضعا لسيطرة المعارضة.
وكانت فصائل المعارضة السورية أعلنت قبل 10 أيام فك الحصار عن الأحياء الشرقية في مدينة حلب، بعد أسبوع من المعارك مع قوات النظام في ريف حلب الجنوبي الغربي. ومنذ ذلك التاريخ يشن الطيران السوري والروسي غارات مكثفة على تلك الأحياء والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب وإدلب المجاورة، كما لا تدخر قوات النظام والميليشيات الموالية له جهداً في محاولة استعادة السيطرة على المناطق التي خسرتها مؤخراً إلا أن فصائل المعارضة نجحت في صدها جميعا.
صحيفة العرب اللندنية