أعرب فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، لـ”عبدالفتاح السيسي” رئيس مصر، في وقت سابق من هذا الأسبوع، عن رغبته في المبادرة باستضافة مباحثات مباشرة في موسكو، بين بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ومحمود عباس، الرئيس الفلسطيني.
فقد تحاور بوتين مع نتانياهو عبر الهاتف يوم الثلاثاء الماضي، وتناقشوا حول عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، وفقاً لما ذكر في التقارير الصحفية. فهل يحاول فلاديمير بوتن جديًا أن يصبح حلقة الوصل لمفاوضات السلام في الشرق الأوسط كله؟ خصوصًا بعد أن أصبح لروسيا دور مؤثر في الحرب الأهلية السورية. وإن كان جادا في قراره، مع إنه أمر مستبعد حدوثه، لا بد أن تتركه أمريكا ليحاول المساعدة.
وبما أن حالة السلام بين إسرائيل وفلسطين متعثرة، واحتمالات فشلها دائمًا ما كانت كبيرة، فمن المتوقع أن يفشل بوتين، ما قد يترتب عليه تشوه صورته المتسمة دائمًا بالتباهي والكبرياء أمام العالم، وقد يثيرأيضًا غضب الإسرائيليين والفلسطينيين.
لنناقش بعض الأسئلة المحورية المهمة:
هل بوتين جاد في عرضه؟
من الواضح طبعًا أن بوتين في هذه المرحلة يحاول معرفة ما يدور في الأجواء، لأنه كان من الممكن أن يعلن رغبته في فض النزاع بين إسرائيل وفلسطين، إن كانت لديه الرغبة الحقيقية في القيام بها. وباستخدامه للرئيس عبدالفتاح السيسي -كشخص معروف عنه قربه من السلطات الإسرائيلية وصاحب كلمة مؤثره على الفلسطينيين- أثبت بوتين نفسه كجانب يرغب في سماع الطرفين، وفي نفس الوقت وضع لنفسه مخرجا من كل هذا، إن قُوبل عرضه بالرفض من قبل الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وعرض السيسي استضافة محادثات السلام بين الطرفين في القاهرة، وهو أمرٌ لم يحن وقته حتى الآن.
وإذا أراد بوتين أن يخطو خطوة في اتجاه هذه المفاوضات، دون المجازفه بفشلها، فمن الممكن أن يدعو مرة أخرى كلا من نتانياهو وعباس لموسكو، لمحادثات منفصلة، ليقرر إن كان هناك أسس يبني عليه محاولات جديدة لمفاوضات مشتركة بينهما.
ما هي الفائدة التي ستعود على بوتين؟
يحب بوتين دائمًا أن تسلط الأضواء عليه، خصوصًا إن كانت فرصة للوقوف أمام واشنطن وتشويه صورة أمريكا، فعادة تتصدر أمريكا في أول صفوف مفاوضات السلام أو ما يتبقى منها. ويعلم بوتين المجهود الضخم، الذي استنزفه جون كيري، مقابل نتائج إيجابية ضئيله جدًا بخصوص المفاوضات الإسرائيلية مع فلسطين.
السعي وراء مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، هي خطوة محفوفة بالمخاطرذات مكانة دبلوماسية رفيعة المستوى، وكانت تجرى عادة عبر السنين، دون التواجد الروسي. لكن هل من الممكن أن تكتفي روسيا بأن تحوم حول القضية دون تدخل مباشر، أم تتدخل في صلب اللعبة، بالتالي ستعزز فقط من فكرة أن موسكو ستصبح عاملا مهما في اللعبة، وتستغل الفرصة لملئ الفراغ المستغل دائما من إدارة أوباما، حيث تتصدر أمريكا عادة لهذه المواقف، فتقود دفة مفاوضات السلام. إضافة إلى أن أيً كانت نتيجة عرضه، فإن بوتين يحب دائمًا العبث بأفكار واشنطن الدبلوماسية.
هل من المممكن أن يوافق عباس ونتانياهو؟
من الواضح أن كلا من عباس ونتانياهو ليسوا راضيين عن جهود واشنطن في الوساطة بينهما، فيخشى نتانياهو من الإدارة الأمريكية في شهورها الأخيرة، أن تحاول فعل أي شئ يخص مفاوضات السلام لا يوافق هو عليه. مثل الدفع بقرار من مجلس الأمن الدولي أو ممارسة أي أسلوب من أساليب الضغط عليه. بينما يشعر عباس بالإحباط من المحاولات الأمريكية، لأنه يرى أن أمريكا لم تضغط على نيتانياهو بقوة كافية.
ومن المحتمل أن نتانياهو متأهب إلى المرحلة القادمة، بعد رحيل أدارة أوباما، وأن ما عرضته روسيا هي طريقة للوصول إلى أهدافه في الشهور القادمة . كما شجع السيسي لإجراء محادثات مباشرة بين الطرفين في القاهرة. فنتنياهو يأمل في التناقش مع أي كان إلا أوباما.
وعلى الرغم من أهيمة موقف روسيا بالنسبة لإسرائيل، فيما يتعلق بسوريا ولبنان، فلابد أن يفكر نتانياهو بتمعن وتروي أكثر في توابع فكرة قيام مفاوضات روسية للسلام متمركزة في منطقة الشرق الأوسط، فهل من الممكن أن يضع ثقته في روسيا، التي عادةً ما تميل إلى الجانب الفلسطيني أكثر من الجانب الإسرائيلي (فيما يتعلق بالحدود والقدس واللاجئين).
وما هو تأثير ذلك على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إذا ما وافق نتانياهو على مفاوضات سلام تدار من خلال روسيا، خصوصًا مع تزايد التقارب الروسي الإيراني، إضافة إلى أن نتانياهو أوشك على إبرام اتفاقية لمدة عشر سنوات مع أمريكا، تشمل مساعدات أمنية بمليارات الدولارات.
أما بالنسبة لمحمود عباس، فمن الممكن أن يقتنع بانحياز روسيا للجانب الفلسطيني، فيما يخص بعض القضايا المحورية. وبما أنه رفض العديد من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل في الشهور الماضية، فلن يتنازل عن هذه النقطة بسهولة. فقد يطالب موسكو أن توفر ضمانات إسرائيلية على نيتها تقديم تنازلات فيما يخص القضايا المحورية.
لماذا نتوقع أن ينجح بوتين الآن في حل هذه المشكلة، أكثر من إدارة أوباما، التي استمرت محاولاتها على مدارثمانية سنوات؟
من المرجح أن عرض بوتين لمفاوضات السلام، هدفه إثارة للأجواء كمحاولة لخلق أجواء من الدراما، وافتعال أخبار تظهر روسيا كوسيط آخر للسلام في الشرق الأوسط. ومن المحتمل أيضاً أن أي اجتماعات ستتم في موسكو، ستكون مجرد اجتماعات صورية خالية من أي تأثير مادي ملموس.
لكن محاولات بوتين في هذا المجال محكوم عليها بالفشل. وإذا أصرّ الرئيس الروسي علي موقفه، لا بد أن تتركه واشنطن ليحاول.
فإن كان هناك أي موضوع مليء بجهودات مصحوبة بنكران للجميل، محكوم عليه بالفشل على أي وسيط، ولا تحقق أي نتائج مهمة، فلا يوجد بالطبع سوى المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
لا تعتبر القضية الإسرائيلية الفلسطينية قضية رئيسية في الوقت الراهن فقط، لكنها تلزم من يحاول التصدر لها ليبدو في وضعية العاجز والضعيف، ويثير أيضًا غضب كل من الإسرائيليين والفلسطينيين ويكتسب عداءهم.
يعلم بوتين جيدًا كل ما تم ذكره، لهذا من المتوقع أنه سيتجنب تمامًَا أي جهودات جادة من جانبه، فيما يتعلق بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية. لكن من يدري فربما يعيد التفكير في رأيه، خصوصًا بعد ما حدث في أوكرانيا وسوريا، فبعد جهودات استمرت لمدة عشرين عاما لحل هذه المعضلة الكبيرة، والدفع بكل الحلول، أتمنى لبوتين حظا سعيدا في محاولاته.
آرون ديفيد ميلر
المصدر: سي ان ان ، ترجمة: التقرير