رسالة من كاتب أحد قضاة “داعش” إلى مسؤوله في “ديوان المظالم” – (المصدر)
ما يبدو أنه وثائق داخلية لإدارة ما تدعى “الدولة الإسلامية”، والتي حصلت عليها حصرياً مجلة “ديلي بيست”، تُظهر منظمة مرتبكة وتحت الضغط بسبب الاختلاس، والتسلل، والاختراق المزعوم من الجواسيس المعادين لـ”داعش”، والاقتتال البيروقراطي الداخلي.
هذه الوثائق، التي حصلت عليها في الأصل مجموعة ثوار سورية بالقرب من دمشق، مختومة بأختام “وزارات داعش” الرسمية. وهي تُظهر الرواتب التي يدفعها التنظيم لمقاتليه الجهاديين بالدولار قبل سنة على الأقل من الآن، بالإضافة إلى العلاوات الأخرى المخصصة لمن يعليهم أولئك المقاتلون.
وتؤكد المعلومات الواردة في الوثائق ما كشف عنه المنشقون عن “داعش” والفارون من مناطق “الدولة” لمجلة “ديلي بيست” عن الأعمال الداخلية للمنظمة. كما أنها تقدم المزيد من الأدلة على القدر الهائل من الروتين (والإحباط البشري الكوميدي إلى حد ما) الذي يعاني منه العاملون في جهاز الخدمة المدنية، بينما يحاول قادة “داعش” تنظيم كل شيء، من حيازة الأسلحة والذخائر، إلى بدَلات العطل والإجازات.
كان الذي كشف وشارك هذا الملف كله هو ماهر الحمدان، وهو متحدث إعلامي باسم “لواء أحمد عبده”. وتتلقى هذه المجموعة من الثوار السوريين الذخائر والدعم المالي من “قيادة العمليات العسكرية”، مما يعني أنها تتلقى الدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية الأخرى المشاركة في تحالف “أصدقاء سورية”.
وفقاً للحمدان، تم الحصول على كل هذه الأوراق مع قائد عسكري مقتول من “داعش”، والمعروف باسم “أبو علي العراقي”، الذي قتل يوم 8 آب (أغسطس) 2016، في اشتباك بين عناصر “أحمد عبده” وبين الجهاديين في منطقة قريبة من الحدود السورية-الأردنية.
وزعم الحمدان على “سكايب”: “فقدنا جندياً واحداً، وجُرح أربعة. وفقد داعش 19 عنصراً، بمن فيهم أبو علي العراقي”.
وهذه الوثائق هي في الأساس أجزاء مقتطعة من مراسلات بين مسؤولي “داعش” الآخرين، وهي تكشف عن حقائق مُحرِجة لحركة دينية خلاصية تزعم أنها تزداد قوة وتقوم بتوسيع مناطق نفوذها، على الرغم من نحو ثلاث سنوات من خسائر الحرب ومعارك الاستنزاف في كل من العراق وسورية.
على سبيل المثال، هناك واحدة من الرسائل غير الموقعة، المؤرخة بتاريخ “3 شعبان، 1437هـ” -أو 10 أيار (مايو) 2016 بالتقويم الغربي- موجهة إلى والي “داعش” في محافظة دمشق. وهي تخبره عن فشل واضح في الاستخبارات المضادة ومكافحة التجسس في مدينة الضمير، الواقعة على بعد نحو 40 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة السورية.
وتحكي الرسالة عن عملية عسكرية لـ”داعش”، موجهة ضد لواء أحمد عبده، المعروف هنا باسم “الصحوات”، والتي كان يجب أن يقودها أميرٌ معيَّن، أبو حذيفة الغوطاني. لكن الغوطاني كان عميلاً مزدوجاً. ويشار إليه في الرسالة الرسمية باسم “المرتد”، لأنه “جمع كل قادة الجيش (داعش) في المنطقة بذريعة العملية العسكرية والأمنية ضد الصحوات، في حين كان ينسق سراً مع الصحوات في الوقت نفسه لاغتيال هؤلاء القادة كافة بالألغام/ العبوات المتفجرة التي كان يزرعها في مكان الاجتماع”.
وأضافت الرسالة: “ولكن، بنعمة الله، لم تتم العملية. وفي الليلة نفسها هرب (أبو حذيفة) إلى مكان الصحوات وسرق 6.500 دولار، وكاميرا، ومتفجرات بلاستيكية، ودوائر كهربائية، ومسدس 5.5 ملم، وبندقيتين (صاروخ من نوع روسي)، و1.500 رصاصة روسية و7 قنابل يدوية”.
وعرَف أبو اليمان، “مدير الأمن العام” لـ”داعش” في محافظة دمشق، عن الاختراق، وأوقف تمويلات “داعش” واللوجستيات الأخرى عن “بقية ضباط الأمن في المنطقة. وأكمل بقية الإخوة بقية العمل بما تيسر لهم من قدرات بسيطة”.
قام “الإخوة” بإرسال عبوتين ناسفتين لمواقع لواء أحمد عبده، واللتين قتلتا عضوين من سرية الهندسة في اللواء؛ ولغماً موجهاً عن بعد محمولاً على دراجة نارية، والذي قتل ثائراً آخر؛ وعبوة ناسفة أخرى مثبتة على دراجة نارية، والتي انفجرت داخل مقر اللواء، وقتلت ثائراً واحداً وجرحت اثنين آخرين. وحاول جهادي من “داعش” أيضاً تثبيت قنابل لاصقة في مركبات الثوار، لكنهم ألقوا القبض عليه، وقام مقاتلو أحمد عبده بتفكيك العبوات بلا خسائر.
لكن هذا الفشل في مكافحة التجسس لدى “داعش” ينطوي على أهمية، بالنظر إلى نوعية التجسس الذي بدا السابق أعظم أصول المنظمة في ميدان المعركة؛ حيث كانت الخلايا النائمة وشبكات الجواسيس التي تم تشكيلها على غرار الطريقة التي بني عليها ذات مرة جهاز “الكيه. جي. بي” في الاتحاد السوفياتي السابق أو جهاز مخابرات “ستاسي” في ألمانيا الشرقية، بمثابة المفتاح للهجوم الرئيسي الذي شنه “داعش” واستولى فيه على مساحات واسعة من الأرض في وقت قصير جداً، بين العامين 2013 و2014.
في التعليق على الوثائق الجديدة، قال أيمن جواد التميمي، الباحث السوري الذي يجمع ويحلل وثائق “داعش” المسربة، إن النصوص ليست موثوقة، لكنها أيضاً “تقدم نظرة متبصرة في الوسائل الأمنية التي يستخدمها داعش لتقويض الفصائل المنافسة في الجنوب، وتكشف عن قدر هائل من المشاكل الداخلية في صفوفه”.
ولنتأمل فقط كيف تنتهي الرسالة الذكورة غير الموقعة: “ملاحظة: الإخوان في الأمن لديهم شكاوى بخصوص موضوع الرواتب خلال عملهم في المنطقة”.
وتكشف وثيقة مصادرة أخرى في قطاع لواء أحمد عبده عن أي نوع المكافآت التي كان “الإخوة” معتادين على تلقيها من التنظيم حتى الصيف الماضي، عندما كان اقتصاد الخلافة أفضل حالاً مما هو الآن.
يوم 25 آب (أغسطس) 2015، تم إصدار جدول لراتب “مجاهد” فيه خانات مملوءة. ويدعى هذا المجاهد المخصوص أبو مسلم المهاجر، وينتمي إلى كتيبة فتح القريتين التابعة لـ”داعش” في محافظة دمشق. وراتبه المسجل هو 50 دولاراً، ويتلقى 50 دولاراً أخرى فقط كمعونة لزوجته. ويبدو هذا هو مدى ما كان يقبضه المهاجر، لكن الخانات التي تُركت فارغة تُظهر أن “داعش” هو “دولة رفاه إسلامية”، كما وصفه أحد المنشقين لمجلة “ديلي بيست”. وتضم الخانات الفارغة بنوداً لمعونات الوالدين والسبايا -عبدات الجنس- وكذلك الأولاد إذا كان للمقاتل أولاد. كما أن “مكافآت الجنود”، و”مكافأة العيد”، و”مصروفات المقاتل النثرية”، و”النفقات الصغيرة الأخرى”، هي أشكال أخرى مبررة بوضوح للدفع للمجاهد المتوسط.
وفي وثيقة أخرى، يسعى شخص آخر يحمل الكنية نفسها، أبو سليمان المهاجر، وهو مقاتل من دمشق، إلى أخذ إجازة لأسبوع من “داعش” ليقضيها في محافظات دير الزور والرقة الشرقية. ويُمنح الإذن، ولو أن نموذج الإجازة يحرص على التذكير: “يجب أن يكون الإخوة كافة دقيقين في الالتزام بالمواعيد. وإلا سيتم التحقيق معهم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية”.
وهناك رسالة أخرى، موجهة هذه المرة إلى “ديوان الجند” عند “داعش”، والتي أرسلها أبو حمزة الكردي، المسؤول العام لـ”لجنة الحرب” المنفصلة، والتي يطلب فيها دفعة من الجنود لمجموعة أبو طلحة العراقي لمدة ثلاثة أشهر. ويعمل أبو حمزة في “لجنة الحرب” إلى جانب أبو معاذ، الذي يشغل أيضاً منصب نائب أمير “ديوان الجند”، وهو مسجل على أن له زوجة وخمسة أولاد، وأنه الراعي لوالدته وشقيقته. ويتعامل “ديوان الجند” أيضاً مع طلبات المواد وطلب الأفراد.
وفي وثيقة أخرى، هناك شخص يدعى أبو معاذ، الذي ربما يكون نائب أمير “ديوان الجند” المذكور، والذي يطلب من المسؤولين الأعلى منه شاحنة (4×4)، (لاستخدام “فريق متفجرات”)، و500 عبوة ناسفة، ونظام تحديد الموقع الجغرافي (جي. بي. أس) “لتحديد أماكن زرع العبوات الناسفة”، وقاذفاً واحداً لصواريخ كونكور المضادة للدبابات، وقاذفين لـ”قذائف بي-9” (يرجح أنه المصطلح العامي للبندقية الروسية عديمة الارتداد (أس. بي. جي-9))، ورشاشات مضادة للطائرات، وكاميرا مراقبة وشاحنة عادية وأخرى صغيرة، بالإضافة إلى جرافة من أجل بناء التحصينات. وسوف يُستخدم كل شي، كما يقول طلب اللوازم، من أجل “تعزيز خط الدفاع في محافظة حماة”.
أخيراً، نرى في هذه الوثائق أدلة على أن الأمور لا تسير على ما يرام فيما يتعلق بمسألة الفقه التكفيري. ويبدو أن الإقطاعيات المتقاطعة والمتداخلة لإنفاذ القانون في “داعش” قد أفضت إلى تبادل مراسلات متكررة للتعبير عن الغضب والشكاوى الدائمة بين أجهزة الخدمة المدنية الجهادية.
يجد الدكتور أبو شام، الذي يعمل كاتباً عند أحد القضاة، نفسه مضطراً إلى الكتابة لأبو العباس الجزراوي، نائب أمير “ديوان المظالم” لدى “داعش”، ليفسر السبب في وجود عدد كبير من السجناء في أحد سجون “داعش” في محافظة دمشق.
ويكتب أبو شام: “فإن ثلاثة أرباعهم لم يوقف إلا بضع ساعات وفي الشهر الماضي لم يوقف أحد لمدة تصل أسبوع إلا الثلاثة المذكورين في نهاية القائمة. وعند إرسال الخطاب لم يكن يوجد أي شخص في السجن”.
كما هو الحال مع العديد من الإداريين في أجهزة الدولة المثقلة بالأعباء، يبدو الدكتور أبو شام ضحية لكثرة الأعمال الكتابية: “المشكلة في الورقة التي أرسلت من الديوان هي أنها لم تذكر تواريخ الإفراج. ومن المرة المقبلة فصاعداً، سوف نضيف مواعيد الإفراج حتى لا تتكرر هذه الفوضى مرة أخرى”.
مايكل فايس – (الديلي بيست) 30/8/2016
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
Leaked ISIS Documents Show Internal Chaos
نقلا عن الغد الاردنية