في التاسع والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، كان قضاء عين التمر غربي محافظة كربلاء على موعد مع عمليتين إرهابيتين تناقلت وسائل الإعلام أخبارا مغلوطة بشأنهما، وللوقوف على حقيقة ما جرى في هاتين العمليتين حصل مركز الروابط للبحوث والدراسات استراتيجية على معلومات دقيقة بشأنهما، إذ تفيد تلك المعلومات أن العملية الأولى وقعت في حي الجهاد بقضاء عين التمر حيث استغل عدد من الارهابيين مشاجرة وقعت في ذلك الحي ليفجروا أنفسهم ما أدى مقتل تسعة وجرح ثلاثة عشر آخرين.
وتفيد المعلومات الدقيقة فيما يتعلق بالعملية الثانية تسلل خمسة من الإرهابيين من ناحية الرحالية التابعة لمحافظة الأنبار تجاه قضاء عين تمر وصولا إلى منطقة الحسين التابعة إلى القضاء حيث أطلقوا النار تجاه حفل زفاف فقامت القوات الأمنية بالرد على مصدر النيران وفي أثناء محاصرة الإرهابيين من قبل القوات الأمنية فجروا أنفسهم ما أدى إلى سقوط عشرين قتيلا وإصابة ستة عشر آخرين، وقد أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن هذا العمل الإرهابي.
ويؤكد هذا العمل الإرهابي أن كل محافظات العراق تدخل في “بنك” أهدافه، وليس في حرب العراق ضد تنظيم داعش الارهابي مدينة أو محافظة آمنة. لكن في ذات الوقت هذه العملية، تجعل المتابع لتفاصيلها يطرح العديد من الأسئلة، ولعل من أهمها: كيف استطاع الارهابيون الوصول إلى قضاء عين التمر والقيام بعملهم الإرهابي؟ وهذا يدفعنا لطرح سؤال آخر: هل هناك اختراق أم تواطوء أمنياً؟
إذا كان هناك اختراق أمني فانه بدأ من الرحالية وانتهى في قضاء عين التمر، وقد يكون هذا الأمر نوعا ما مستساغاً وتمكن معالجته وتدارك الأخطاء لجهة أن العديد من الدول في الجماعة الدولية وذات حس أمني عال المستوى، وعلى الرغم من ذلك استطاع تنظيم داعش الارهابي تحقيق اختراق أمني فيها، والقيام بعمليات ارهابية، فقد ضرب ارهاب داعش على سبيل المثال في هذا العام دول مختلفة من أوروبا بدأها بفرنسا مروراً ببلجيكا ووصولاً إلى ألمانيا كما لم تسلم تركيا ودول عربية أخرى من ارهاب ذلك التنظيم.
يعيدنا هذا الاختراق الأمني إلى الثالث من تموز/يوليو الماضي اذ وقع تفجير الكرادة في بغداد والذي تبناه تنظيم داعش الارهابي حيث ضرب منطقة تجارية تعج بالمتسوقين المدنيين في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وتسببت السيارة المفخخة باندلاع نيران هائلة في السيارات والحافلات والمتاجر، نتج عنها مقتل أكثر من 292 شخصا، وجرح أكثر من 200 آخرين، وسط تنديد بفساد الحكومة ومطالبات بتحقيقات واسعة. وقد يرتبط الاختراق الأمني في العراق بعمليات الفساد فبُعيد تلك العملية الإرهابية أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فتح تحقيق في قضايا الفساد المتعلقة بالمعدات الأمنية، وسحب أجهزة كشف المتفجرات المحمولة يدويا من الحواجز، والتي كشفت تحقيقات صحفية أنها فاسدة ولا تصلح أصلا لكشف المتفجرات.
أما إذا كان هناك تواطُؤ وهو سيد الموقف في العملية الارهابية التي وقعت في قضاء عين التمر وغيرها من العمليات الارهابية التي وقعت في عموم العراق، من جهة ما في مؤسسات النظام السياسي العراقي بشقيه الحكومي وغير الحكومي، فهذا ينذر بخطر شديد من المتعذر على الحكومة العراقية مواجهته في ظل هذه الظروف التي يعيشها العراق من انقسام سياسي واجتماعي حاد، وأزمة اقتصادية خانقة وانفلات الوضع الأمني، وحرب عسكرية حامية الوطيس ضد تنظيم داعش الارهابي.
ان التصدي لهذا التواطؤ وتصفيته من مؤسسات النظام السياسي العراقي، يتطلب مجتمعا موحدا ودولة قوية، وهذان الشرطان غير متوفرين في عراق الراهن. وطالما هذان الشرطان غير متوفرين فإن العراق ستبقى أبوابه مشرعة لإرهاب تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية وسيبقى المحللون السياسيون والمتابعون والمهتمون من الخبراء العسكريين والأمنيين المهتمين بالشأن العراقي يحللون أي عمليات ارهابية مستقبلية من قبل ذلك التنظيم أو غيره. إما في سياق الاختراق الأمني أو التواطؤ، فسيظل المواطن العراقي هو الضحية وهو من يدفع ثمن ذلك الاختراق الأمني والتواطؤ غير الأخلاقي في عراق ما بعد عام 2003م، ذلك المواطن الذي حلم -ولا يزال -يحلم بعراق دولة الرفاهية والحياة الكريمة. ولحين تحقيق حلم المواطن العراقي سيبقى الإرهاب في العراق بين الاختراق الأمني والتواطؤ غير أخلاقي.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية