في مقال للكاتب «فرهاد رضائي»، وهو زميل باحث بمعهد الشرق الأوسط، في جامعة ساكاريا التركية، والمتخصص في الشأن النووي الإيراني، تناول رضائي أسباب تغير موقف «الحرس الثوري الإيراني» الكبير من دعم البرنامج النووي، ورفض أية محاولات لإيقافه، إلى القبول بالاتفاقية النووية، بل الحفاظ عليها.
بحسب المقال الذي نشرته مجلة «ذي ناشونال إنترست» الأمريكية، واجه المحللون الإيرانيون صعوبة في توقع ما إذا كانت الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني، والتي وقعتها إيران مع 6 قوى عظمى، ستصمد أمام الجهات الداخلية غير الراضية عنها في إيران، وتحديدًا المحافظين والحرس الثوري الإيراني.
يقول الكاتب إنه في تحليل سابق له شرح كيف أن الدول الخارجية غير الراضية عن الاتفاق – إسرائيل والسعودية ومصر- قبلت به قبولًا حذرًا، إلا أنهم احتفظوا بحق إعادة تقييم موقفهم في حال فشلت إيران في الالتزام بالصفقة، في حين يحاول في هذا المقال تناول ما إذا كانت الاتفافية ستواجه تحديات حقيقية من جانب الجهات الساخطة عليها داخل إيران.
انقسام داخلي
بحسب المقال، تسببت الاتفاقية في انقسام سياسي داخلي في إيران. يرى الإصلاحيون بقيادة «أية الله أكبر هاشمي رافسنجاني» والرئيس الحالي «حسن روحاني» أنه من الأفضل التراجع عن البرنامج النووي مرتفع التكاليف؛ مقابل رفع العقوبات، والاندماج في المجتمع الدولي، وعلى أساس ذلك نُفِذ الاتفاق في 16 يناير (كانون الثاني) 2016.
في المقابل، يدعو المحافظون الداعمون للبرنامج النووي – تحالف يضم عناصر متشددة من الحرس الثوري وائتلاف أبداجاران الإسلامي، والذي ينتمي له الرئيس السابق محمد أحمدي نجاد – إلى وجود سيادة نووية إيرانية، ويطالبون بوضح بالتخلي عن اتفاقية حظر الانتشار النووي، ويصممون حتى الآن أن الاتفاق النووي مازال قيد الاختبار.
ويرى الكاتب أنه من المتوقع استمرار الانقسامات حول الاتفاق النووي، في الوقت الذي لا يوجد فيه ما يشير إلى أي استعداد لدى المحافظين أو المتشددين داخل الحرس الثوري للتراجع عن الاتفاقية في الوقت الحالي؛ خوفًا من نتائج التراجع، ومن إعادة فرض العقوبات مرة أخرى على البلاد.
ومنذ انطلاق البرنامج النووي، كان الحرس الثوري من أشد المدافعين عنه؛ إذ رأوا أن الترسانة النووية هي بمثابة مظلة حماية لنموذجهم الإسلامي، كما أفسدوا المحاولات القليلة من «البراغماتيين» داخل الحكومة للتفاوض على اتفاق مع المجتمع الدولي، وهو ما حدث بشكل متكرر في عهد «أحمدي نجاد»، والذي كان يدعم الحرس الثوري بقوة؛ نظرًا لولائهم للبرنامج النووي.
يضيف الكاتب أنه حتى مع العقوبات القاسية التي وُقِعت على إيران، تمسك الحرس الثوري بموقفه في إفساد أية محاولات للتنازل عن المشروع النووي، كما هاجموا الرئيس حسن روحاني وفريقه من المفاوضيين النوويين بضراوة، بل أكد بعض المحللين أن الحرس الثوري على استعداد تام لمواجهة العواقب الاقتصادية القاسية؛ نظير عدم التخلي عن البرنامج النووي، في حين رأى آخرون أن رجال الحرس الثوري حققوا ثروات تجعلهم يستبعدون أية تسويات مع المجتمع الدولي.
تغير مفاجئ
يقول الكاتب «إن هذه النظرية تغيرت تمامًا مع التفاف رجال الحرس الثوري في تغير مفاجئ، ودعمهم للاتفاق النووي؛ إذ اختفت الأصوات التي تتهم روحاني بالخيانة على المنصات الإعلامية التابعة للحرس الثوري، كما دعم الجنرال محمد علي جعفري – قائد الحرس الثوري – الاتفاق النووي بشكل غير مباشر من خلال الثناء على موقف المرشد الأعلى».
ويعد ذلك الموقف مفاجئًا في ظل التعصب الوطني للبرنامج النووي من جانب الحرس الثوري، خاصة وأنهم لم يبدوا قلقهم من قبل حول العقوبات المفروضة. أثار هذا التراجع عن الموقف السابق الكثير من التساؤلات وقاد المحللين للبحث عن تفسير له، ومن بين أشهر التفسيرات القائمة حاليًا هي أن الحرس الثوري يرغب في الاستثمارات الاقتصادية أكثر من المشروع النووي، وهو طرح يستند على الكثير من البيانات، ما يجعله رأيًا موثوقًا به.
بحسب مجلة «ناشونال إنترست»، تحول الحرس الثوري من منظمة عسكرية إلى كيان اقتصادي وسياسي رائد خلال عهد الرئيس «أكبر هاشمي رفسنجاني» (1989-97)، والذي سهل دخولهم للنشاط الاقتصادي أملًا في أن يحظى بدعمهم للنظام في الأزمات القومية. ومن خلال سياسة الخصخصة التي قادها رفسنجاني، تمكن الحرس الثوري من السيطرة على عدد من الشركات، كما أسسوا الكثير من الشركات في مجال الصناعة والزراعة والتعدين والطرق والنقل والصادرات والواردات.
ومع وصول محمود أحمدي نجاد للحكم باعتباره من المحافظين، زادت حكومته من دعم الحرس الثوري لأقصى درجة؛ إذ كان أكثر من نصف وزارته، إما من قدامي المحاربين في الحرس الثوري، أو ممن هم على علاقة به، كما مُنح الحرس الثوري مئات من العقود الحكومية ومليارات الدولارات لبرامج التشييد والطاقة.
واليوم – بحسب المقال- فإن مئات الشركات الإيرانية التي تبدو وكأنها شركات خاصة، هي في الحقيقة تدار من جانب رجال سابقين في الحرس الثوري، وتضم الشبكة الاقتصادية للحرس الثوري أعضاء كثيرين، ولا تدار بشكل هرمي، كما أن هذا الكم الضخم من الشركات وعلاقاتها معقد بدرجة كبيرة.
إمبراطورية اقتصادية عملاقة
وهنا يقول الكاتب إنه على الرغم من أن الحرس الثوري نجح في بناء امبراطورية اقتصادية ضخمة، أصبحت الإجابات على السؤال عن كيف تحقق تلك الشركات النجاح في ظل العقوبات أمرا متناقضًا. في تحليل إحصائي أجرته دراسة تجريبية أجراها الكاتب بالتعاون مع خبير اقتصادي إيراني، أظهرت النتائج أن أرباح شركات الحرس الثوري تراجعت من 2009 إلى 2014 بشكل عام، وأن المنظومة عانت بشدة بسبب العقوبات.
وأظهرت البيانات الإحصائية أن الضغوط المالية كانت وراء قبول الحرس الثوري بالاتفاق النووي، وهو ما أشار إليه الكثير من المراقبين. النتائج ذاتها منحت السبب المنطقي الذي دفع الحرس الثوري لعدم إفساد الاتفاقية، على الأقل على المستوى السياسي الرسمي. ونظرًا لأن الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري هي ممتدة وربحية بالأساس، كان من المنطقي أن يتحول الحرس الثوري من مؤسسة عسكرية أمنية بحتة، إلى تكتل اقتصادي يتبع قواعد السوق في نهاية المطاف.
وبحسب «مارك دوبويتز»، خبير العقوبات الدولية بمؤسسة الدفاع عن الديقراطية، فإن الحرس الثوري أدرك أنه سيتمكن من تحقيق عائدات ضخمة في حال رفع العقوبات. وبينما لعبت الاعتبارات الاقتصادية دورًا هامًا في التحول الدراماتيكي للحرس الثوري، ستلعب دورًا أيضًا في الوقوف أمام أية محاولة لهدم الاتفاق. يشير الكاتب أيضًا إلى أن تخفيف القيود المالية على الشركات الخاضعة للحرس الثوري سيساعد في عودة قطاعات كبرى من الاقتصاد الإيراني إلى التجارة العالمية.
كيف يسيطر الحرس الثوري على الشركات في إيران؟
بحسب المقال، نصت الاتفاقية النووية على استبعاد 90 شركة ومؤسسة تابعة للحرس الثوري، أو لها علاقة به من رفع العقوبات؛ لتظل العقوبات قائمة بالنسبة لهم كما كانت، إلا أن الشركات التي رُفِعت من القائمة مع تنفيذ الاتفاقية سيكون بإمكانها نقل الأموال بين البنوك العالمية، والحصول على القروض، وغيرها من الأنشطة.
بالإضافة لذلك، صعدت أسهم الشركات التابعة للحرث الثوري بقوة في بورصة طهران، مع ارتفاع في القيمة السوقية لتلك الشركات، وهو ما دفع مستثمرين أجانب ومحليين لضخ رؤوس الأموال في البلاد، وهو ما ستستفيد منه الشركات الإيرانية التابعة للحرس الثوري استفادة قصوى؛ إذ تحتاج الشركات الأجنبية إلى شريك إيراني للعمل في البلاد، وهو ما يعني بالضرورة التعاون معهم.
يشير المقال أيضًا إلى أن الحرس الثوري سيتمكن من الحصول على دفعة مالية كبرى من خلال السيطرة على الشركات التي لم توضع على قائمة العقوبات. وكانت التقارير قد أشارت إلى أن الحرس الثوري وزع كبار قادته بين المناصب المرموقة في أكثر من 200 شركة من المتوقع أن تنتفع من رفع العقوبات، بحسب تحليل دوبويتز.
ويؤكد الكاتب أن الحرس الثوري فشل على مدار العقود الماضية في تطوير أساليب للتهرب من العقوبات. ومن وجهة نظر اقتصادية، يبدو أمر انتهاك الاتفاقية من جانب الحرس الثوري أمر غير منطقي على الإطلاق، وتحديدًا نتيجة للتراجع في أرباح الشركات التابعة للمنظمة والمعاناة المستمرة التي مرت بها الشركات أثناء فرض العقوبات، كما أن الحفاظ على الإمبراطورية الاقتصادية هو أولوية أساسية للحرس الثوري.
ويستشهد الكاتب بالإفراج الفوري عن البحارة الأمريكيين المأسورين في إيران كدليل على حرص الحرس الثوري على استقرار واستمرار الاتفاق النووي، كما أظهروا استعدادهم لتعاون دبلوماسي مستقبلي مع الولايات المتحدة يُبنى على أساس الاتفاق.
في نهاية المقال، يحذر الكاتب من أن تقليل المنافع الاقتصادية من الاتفاقية النووية، لن يؤدي، سوى لتحول ذلك الموقف وقلب المعادلة داخل إيران، وأنه سيشجع الحرس الثوري وغيره من المحافظين على التخلي عن الاتفاقية.
مترجم عنHow Iran’s Revolutionary Guards Learned to Love the Nuclear Deal
نقلا عن ساسة بوست