“عمل دينيس روس مبعوثاً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في إدارة الرؤساء: جيمي كارتر، ورونالد ريجان، وجورج دابليو بوش، وبيل كلينتون، وباراك أوباما. وكان محركاً رئيسياً لمعظم المبادرات الأميركية لدعم مبادرات السلام الإقليمية بما في ذلك «مؤتمر السلام في الشرق الأوسط»، الذي عقد في العاصمة الإسبانية مدريد في 1991، و«قمة السلام في الشرق الأوسط» التي انعقدت في كامب ديفيد في عام 2000، وكان يعمل مستشاراً في شؤون الخليج ، حيث عمل مستشاراً خاصاً لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون لشؤون الخليج العربي وجنوب غربي آسيا، ثم عمل مساعداً للرئيس باراك أوباما في إدارة «مجلس الأمن القومي»، حيث كان يضطلع بالمسؤولية الكاملة عن السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط، والخليج، وأفغانستان، وباكستان، وجنوب آسيا. ومنذ أن ترك إدارة أوباما في 2011،وهو يعرب عن انتقاداته لعدد من سياسات الرئيس خاصة مقاربته صوب إيران”.
في الحوار الذي أجرته معه «المجلة»، تحدث روس عن نتائج الصفقة النووية الإيرانية، وأوضح مساراً بديلاً يمكن اتخاذه حيال إيران، بالإضافة إلى حديثه عن الصراع مع التنظيمات التابعة لها في لبنان وسوريا وغيرها. كما عمل على تقييم إرث حرب إسرائيل – «حزب الله» بعد مرور عشر سنوات على انتهائها وآفاق وضع استراتيجية إقليمية لإضعاف تنظيم «حزب الله» في الوقت الراهن. كما تحدث عن «مبادرة السلام العربية» ودورها الحيوي في مساعي التغلب على العقبات التي تقف أمام التوصل إلى تسوية إسرائيلية – فلسطينية.
* لقد مر عام على توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة» مع الحكومة الإيرانية. كيف ترى النتائج حتى الآن؟ وهل هناك ما يدهشك بها؟
– في الحقيقة، لم يدهشني أي شيء حدث خلال العام الماضي، فدائماً كان من مصلحة إيران أن تُرفع العقوبات. وفي المقابل، كانت قيادة إيران مستعدة لتعليق طموحاتها النووية وليس التخلي عنها. ورغم أن الإيرانيين تعهدوا ضمن بنود «الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني» ألا يسعوا أو يحصلوا على أسلحة نووية، فإنهم يستطيعون بناء قواعد صناعية نووية. وبعد مرور 15 عاماً سوف يصبح خيار امتلاك الأسلحة النووية متاحاً أمامهم؛ حيث إنهم يحتفظون بالإمكانات ومن ثم سيحتفظون بالخيار. وما حصلنا عليه في المقابل هو أننا اشترينا الوقت من 10 أعوام إلى 15 عاماً ولكنني عندما أقول إنني لم أندهش هنا، فأنا أعني أنني أيضاً كنت أتوقع أن تصعد إيران ممارساتها السيئة في المنطقة. وأنا أدرك ذلك لأنني أعي أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية مضطر إلى أن يبرر ما فعله، وذلك حيث إن عقد صفقة مع الولايات المتحدة يثير التساؤلات. وفي أعقاب عقد الصفقة، توقعت أنه سيكون عليه أن يثبت أن شيئاً لم يتغير، من خلال تحدي أميركا ومصالحها ومصالح أصدقاء أميركا بقوة أكبر. وبالفعل، ما زال سلوك إيران في المنطقة عدوانياً فهم يعتقدون أن لديهم الحق في الهيمنة على المنطقة؛ لأنهم يتعالون على العرب ويعتقدون أن لديهم ثقافة أسمى، وينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها العقبة الكئود في طريقهم. والآن بدأنا نجد حالة من عدم الارتياح بين الأصدقاء التقليديين لأميركا في المنطقة؛ لأنهم أصبحوا يعتقدون أن الولايات المتحدة أقل استعداداً للمواجهة أو للتعامل مع العنف الإيراني في المنطقة.
* يعتقد بعض الحلفاء التقليديين لأميركا في الشرق الأوسط أن إدارة أوباما تسعى إلى تأسيس تحالف مع إيران على حسابهم. هل هم محقون في ذلك؟
– الحقيقة هي أن الإدارة ترغب في أن ترى تغيراً أساسياً في العلاقة الأميركية – الإيرانية، وهي تدرك أنها لا تستطيع تحقيق ذلك في الوقت الحالي، ولكنها لا ترغب في أن تتصرف على نحو يمكنه أن يعزز المتشددين في إيران. ورغم أنني أتفهم موقف الإدارة فإنني لا أتفق معه. ويرجع السبب في ذلك إلى المنطق الذي أسفر عن المفاوضات مع الإيرانيين بشأن القضية النووية – وقد كنت مشاركاً فيه – الذي يعتمد على ممارسة الضغوط على الإيرانيين مع ترك مخرج لهم. وأعتقد أن المنطق نفسه يجب أن يتم تطبيقه على السلوك الإقليمي لإيران، فقد قالت إيران مكرراً إنها لن تتفاوض على برنامجها النووي ما دامت خاضعة للعقوبات، ومع ذلك فقد دخلت المفاوضات. وعندما أصبح من الواضح أن سلامة الجمهورية الإسلامية نفسها في خطر، كان عليهم تغيير مقاربتهم بشأن القضية النووية، ومن ثم فقد اشترينا فترة من 10 سنوات إلى 15 سنة. ومن ثم فعندما تمارس الضغوط عليهم ثم تترك لهم مخرجاً فإنهم يفهمون أنه لكي لا تتأثر مصالحهم، عليهم تعديل سلوكهم. وما أقترحه هو أنه عندما تتم ممارسة الضغوط على الإيرانيين كرد فعل على سلوكهم الإقليمي، فإن ذلك لن يعمل على تعزيز المتشددين، ولكنه سيعمل على إضعافهم؛ لأنك بذلك ستوضح التكلفة التي ستتحملها إيران إثر ممارساتهم السيئة. فمن الذي تريد أن تراه ناجحاً . قاسم سليماني أم روحاني؟ يميل الحرس الثوري والباسيج صوب المواجهة، فيما تميل الدائرة المقربة من روحاني صوب التطبيع. ومن ثم فأنا أقترح أنك إذا أردت أن تؤثر في توازن القوى بينهما، فلا يجب أن تذعن لما يفعله سليماني في المنطقة، ولكن عليك أن ترفع الكلفة التي تتحملها إيران إثر أفعال سليماني.
* يترتب على هذا التحليل افتراض أن هناك مقاربتين مختلفتين داخل القيادة الإيرانية، متعارضتين، بخلاف لعبة «الشرطي الطيب، والشرطي الشرير» المصممة لاستهلاك الخارج؟
– أعتقد أن هناك ما هو أكثر من الخلاف في الأسلوب بين الطرفين، فأنا لا أصف روحاني بأنه «معتدل»، ولكنني أعتقد أنه برجماتي، فروحاني يؤمن بمواقف أقل ميلاً للمواجهة صوب العالم الخارجي والمنطقة. وذلك يمكن أن يكون شيئاً طيباً وهذا يعني أنه أقل رغبة في استخدام الميليشيات الشيعية لإضعاف الحكومات السنية. ومن ثم يجب علينا أن نوضح أن إيران ستتحمل تكلفة مرتفعة إذا ما فعلت ذلك. وإذا ما تحكمت في سلوك إيران، من المحتمل أن يعود ذلك بالفائدة على روحاني. وأختلف مع الإدارة في أنهم يرغبون في تمكين دائرة روحاني، ويعتقدون أنهم إذا لم يقوموا بأفعال مستفزة – بألا نتخذ رد فعل تجاه كل سلوك يسلكه الإيرانيون – فإن ذلك سيعزز الدائرة المقربة من روحاني. ويخشون أنهم إذا ما فعلوا أشياء يمكن أن تبدو مستفزة، فإن ذلك سوف يعزز نفوذ الحرس الثوري.
*إذن.. أوضح لنا مقاربتك من الناحية العملية.
– أولاً يجب أن نبدأ خطة طوارئ بالتعاون مع الدول الرئيسية في مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الإسرائيليين للتركيز على كيفية مواجهة استخدام الإيرانيين للميليشيات الشيعية؛ لأن تلك هي أداتهم الرئيسية. فيجب أن نظهر أننا نستطيع مواجهتهم كما يجب أن نطرح خيارات لتحقيق ذلك. ثانياً يجب أن نفعل المزيد في سوريا، لكي نرفع التكلفة التي يتحملها الروس والإيرانيون والميليشيات الشيعية نظير ما يفعلونه.
* هل تعني الخيار العسكري؟
– لا يوجد سبيل لإنتاج أي نوع من النتائج السياسية في ظل الظروف الحالية. لديك قرار رقم 2254 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يعتمد على وقف الأعمال العدائية وبدء المفاوضات والتحول السياسي. وقد وافق الروس على ذلك ولكن ما الذي يفعلونه الآن؟ مؤخراً، عبروا مرحلة مهمة للغاية: فقد كانت قاذفات القنابل الروسية تنطلق من القواعد الإيرانية لكي تضرب حلب وغيرها من الأهداف في سوريا. وفي الوقت نفسه، فإنهم ما زالوا يتفاوضون مع الولايات المتحدة لمشاركة المعلومات الاستخباراتية ولإنشاء مركز عمليات للتنسيق المشترك لتنسيق الضربات الجوية. إنهم يضربون جماعات المعارضة التي فتحت ممراً لكسر حصار حلب. ويتعارض ذلك تماماً مع نظرية «لماذا يفترض أن نتفاوض معهم». بالنسبة إلي فإن ذلك يصل إلى التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران. ربما لا يصل إلى المناحي الأخرى ولكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن روسيا وإيران لديهما هدف مشترك. فربما يسعد الروس بتقسيم سوريا. ففي النهاية، إذا ما تم تقسيم سوريا فإنهم سيحصلون على سوريا الغربية من الشمال للجنوب، ومن ثم سوف يكون لنظام الأسد الهيمنة على معظم السكان، ولكن على نسبة ضئيلة من الأرض. وذلك مقبول من وجهة نظر الأسد، ومن وجهة نظر بوتين، ومن وجهة النظر الإيرانية. فما يهم الإيرانيين هو أن يصبحوا قادرين على الحفاظ على نفوذ «حزب الله». إذن وبالعودة لسؤالك، أعني أنه يجب علينا أن نوضح للروس أننا مستعدون للالتزام بالقرار 2254، ولكنهم إذا لم يفعلوا الشيء نفسه، فإننا سوف نبدأ في العمل على تغيير موازين القوى على الأرض. ويجب أن نوضح للروس أنه لن يكون هناك ناتج سياسي ما دام الأسد موجوداً فلن يكون هناك إلا المزيد من اللاجئين والمزيد من الاضطرابات، وذلك ليس مقبولاً بالنسبة إلينا.
إذن فعندما يرغب الأسد في المرة المقبلة أن يسقط البراميل المتفجرة، سوف نستخدم الضربات المضادة لتدمير المطارات التي تنطلق منها تلك الطائرات. وسوف يرسل ذلك، على سبيل المثال، رسالة إلى الإيرانيين وإلى أصدقائنا بأننا نعني ما نقول. كما أن خطة الطوارئ ترسل رسالة مفادها أننا ندرك طبيعة التهديد وأننا نعد الخيارات لمواجهته.
* في ظل بقاء أقل من نصف عام على انتهاء إدارة أوباما، ما مخاوفك بشأن استغلال إيران وحلفائها لما يطلق عليه «رئاسة البطة العرجاء»؟
– أعتقد أن جانباً مما يحدث الآن في حلب هو أن بوتين والأسد والإيرانيين يريدون أن يتأكدوا أنهم سوف يستعيدون حلب لخلق واقع مختلف على الأرض أمام البيت الأبيض المقبل. وأشك أن الإدارة سوف تفعل المزيد لكي تحصل على دعم مادي على الأرض لمن يقاتلون النظام في حلب؛ فنظراً لأن جبهة النصرة هي جزء ممن يقاتلون، فإن الإدارة مترددة في أن تفعل ذلك. ورغم أنني أتفهم تلك المخاوف، فإنهم يتشاطرون معظم الجزء المتبقي مع المعارضة. وبالتالي، فعندما يضرب الروس جبهة النصرة، فإننا نمنحهم بفاعلية التصريح لكي يقولوا: «نحن نضرب جبهة النصرة فقط». وفي الوقت نفسه، هناك مستوى من التعاون مع بعض أصدقائنا في المنطقة فيما يتعلق بالاستخبارات وبعض القضايا الأمنية الأوسع، ولكن ليس فيما يتعلق بالمواجهة الفعالة لإيران. لقد قمنا بعملية اعتراض واحدة لسفينة كانت تنقل الأسلحة لليمن. ورغم أنني أرغب في أن نفعل المزيد، فإنني لا أعتقد أن إدارة أوباما سوف تفعل أكثر من ذلك.
* تنظر بعض الأصوات السياسية الأميركية إلى إيران باعتبارها الحليف المحتمل في الصراع ضد «داعش». ما رؤيتك؟
– لقد قلت مكرراً وعلانية أن إيران لا يمكن أن تصبح شريكاً في الصراع ضد «داعش»، وذلك لا يعني أنهم لا يقاتلون «داعش» في بعض الأماكن رغم أن المكان الوحيد الذي يقاتلون فيه فعلياً هو بالتعاون مع بعض الميليشيات في العراق وحتى هناك، فإنهم يفعلون ذلك على نحو يؤذي باستمرار الحكومة المركزية العراقية. ولذلك لا يمكنهم أن يصبحوا شركاء في الصراع ضد «داعش». فبعدما تنتهي «داعش»، سوف نحتاج إلى حوكمة سنية، لأن «أبناء (داعش)» سوف يظهرون إذا ما استمر إقصاء السنة وإنكار حقوقهم، وإذا ما استمرت حقيقة أن الميليشيات الشيعة تهيمن على المناطق السنية. وهذا هو ما يجعلنا نحتاج إلى الشراكة مع السنة وليس مع الإيرانيين. وكان جزء من الانتقادات الموجهة للإدارة يتعلق بأنه ما دمنا لن نتعامل مع التهديد المحتمل لإيران كما تتعامل معه دول مجلس التعاون الخليجي، فسيصبح من الصعب أن نقنع السنة بالدور الذي نرغب أن يلعبوه. ولذلك فأنا أرى أننا يجب أن نفعل المزيد لمواجهة الإيرانيين، وهو ما سيجعلنا نصبح في وضع أفضل لمواجهة «داعش» وهزيمتها في النهاية.
* في رأيك.. كيف ينظر السعوديون إلى إيران على نحو مختلف عما يفعله صناع السياسة الأميركيون؟
– مما لاشك فيه أن السعوديين ينظرون إلى إيران باعتبارها تهديداً لمنطقة الخليج؛ فهم ينظرون إلى ما تفعله إيران في المنطقة الشرقية السعودية، والبحرين، والعراق، وسوريا، واليمن باعتبارها جهوداً للتطويق. وبالتالي فليس مفاجئاً بالنسبة إليَّ أن يشعر السعوديون بالحاجة إلى فرض الحدود بأنفسهم في ظل وجود مخاوف بشأن عدم وضع الولايات المتحدة حدوداً لإيران. وبالتالي فإننا نرى ما يحدث في اليمن باعتباره جزءاً صغيراً من محاولات المملكة العربية السعودية لإظهار أنها تستطيع أن تضع خطوطاً حمراء.
* ما رأيك في إشارة الرئيس أوباما في حواره مع صحافي أميركي إلى أن المملكة العربية السعودية «يجب أن تشارك إيران الجوار»؟
– إذا كان الرئيس يقول إن إيران قوة إقليمية، وإنه يجب أن يتم قبولها كقوة إقليمية، وإن على باقي المنطقة أن تتفهم ذلك، يمكنني أن أقول في هذا الإطار إن فكرة التعايش منطقية شريطة ألا يكون من تحاول التعايش معه معتدياً وربما كان من الأفضل أن يقول الرئيس إنه عندما تظهر إيران لجيرانها أنها لم تعد تمثل تهديداً يصبح من الممكن دمج الإيرانيين في البنية الإقليمية. فهم لديها مصالح يمكن تفهمها إذا لم تكن تعني الهيمنة الإقليمية. وبالتالي فأعتقد أنه كان يجب على الرئيس أن يصيغ الأمر على هذا النحو، ويؤكد ضرورة ألا تستخدم إيران الميليشيات وسيلة للحد من سلطة الدولة. ويبدو أن الجميع يركزون على «داعش» باعتبارها المهدد الرئيسي لسلطة الدول. ولكن انظر إلى السلوك الإيراني، فـ«حزب الله» يحكم سيطرته على لبنان. وفي بغداد، ورغم أنهم تمكنوا من تحرير الموصل بعد الفلوجة والرمادي، فإن دخول الميليشيات الشيعية وتورط بعضهم في التعذيب وعمليات السرقة يعزز الانقسام الطائفي. بالإضافة إلى أن الإيرانيين في العراق ما يزالون يستغلون النفوذ الذي يتمتعون به لمنع أي مقاربة شاملة للحوكمة التي تعد المطلب الأكثر أهمية. وبالتالي فهم لا يساندون الحوثيين عبثاً. ويمكننا أن نراهم وهم يستخدمون ذلك النوع من الأدوات في كل مكان للحد من سلطة الحكومة نفسها. وبالتالي، فإذا ما كانت هناك مقاربة مختلفة للتعامل مع إيران باعتبارها جزءاً من المنطقة، يجب على إيران أن تظهر أنها مستعدة للاعتراف بمصالح الآخرين وليس بتهديدهم.
* أصبح ينظر إلى «حزب الله» الآن إلى حد كبير في المنطقة باعتباره تنظيماً تابعاً لإيران. هل يتفق صناع السياسة الأميركيون مع ذلك الرأي؟
– أعتقد ذلك، فأنا شخصياً غيرت موقفي. فقد كنت أعتقد أن «حزب الله» أحد الأطراف اللبنانيين أولاً وأنه يمثل، ثانياً إحدى الأدوات الإيرانية، ولكن سوريا أثبتت العكس، فهو مجرد أداة للإيرانيين. فما فعله في سوريا لم يكن في مصلحة لبنان، ولكنه كان في مصلحة إيران. وفي وقت الحرب مع إسرائيل في 2006، تم النظر إلى نصر الله في المنطقة باعتباره على نحو ما بطلاً من أبطال «مقاومة» إسرائيل، والمفارقة هي أن وزير الخارجية السعودي في ذلك الوقت أعلن أن «حزب الله» هو من أثار تلك الحرب، واعتبرها نوعاً من أنواع «المغامرة». وفي الحقيقة، فإن «حزب الله» فرض الحرب على لبنان بأسرها. وتعرضت البنية التحتية والمساكن لأضرار كبيرة، نظراً إلى أن «حزب الله» متغلغل في المناطق المدنية. والآن فإن مصداقية «حزب الله» باعتباره طرفاً لبنانياً تقلصت إلى حد كبير بما فعله في سوريا. فقد جلب الحرب وكذلك اللاجئين إلى العتبات اللبنانية، ورغم أنه أنكر مشاركته في البداية فإنه أصبح يتحدث عن ذلك صراحة الآن.
* بحسب معلوماتك.. هل يحظى «حزب الله» بدعم الشيعة اللبنانيين؟
– لا نستطيع أن نقول إن «حزب الله» لا يحظى بدعم الشيعة داخل لبنان، ولكن مؤخراً تزايدت إشارات وجود حالة من الإحباط بين الشيعة داخل لبنان بشأن ما فرضه «حزب الله» عليهم جميعاً فبالإضافة إلى استطلاعات الرأي التي تشير إلى تزايد الرؤية السلبية تجاه «حزب الله»، كان هناك قدراً معقولاً من التقارير التي تشير إلى أن التنظيم أصبح يلجأ إلى تجنيد مجندين أصغر وأصغر – 16 و17 عاماً – وأنه يحاول أن يستخدم الحوافز المادية لكي يدفعهم إلى القتال. ومن ثم فهناك أيضاً أدلة موضوعية على تزايد حالات الإحباط وعدم الارتياح والسخط.
* ما الخطوات التي يمكن اتخاذها لهزيمة «حزب الله»؟
– أولاً الإساءة لسمعته، فقد تبنت حالياً دول الخليج ما كانت تفعله أميركا من قبل، وهو تصنيف «حزب الله» تنظيماً إرهابياً، ففي الولايات المتحدة، نركز على حقيقة أنهم يعملون بغسل الأموال والاتجار في المخدرات، وهو ما يساعد على الإضرار بسمعته، ويمكن أن تصبح المقاربة الجماعية فعالة في ذلك الإطار.
ثانياً تأسيس تعاون أوسع في المنطقة بين من لديهم معلومات استخباراتية بشأن «حزب الله»، فيجب أن تتواصل الولايات المتحدة مع جميع شركائنا في المنطقة. كما يجب أن يكون هناك خطط طوارئ تضع خيارات ثنائية وثلاثية ومتعددة الأطراف، ويتعلق ذلك أيضاً بكيفية التعامل مع إيران. فهناك كثير من الإمكانات في هذه المنطقة وإذا ما تمكنت من جمعها، فإنك سوف تخلق قوة مضاعفة. فهناك مصالح مشتركة بين كثير من الأطراف المختلفة في المنطقة، ويجب أن نفكر في أفضل طريقة للاستفادة من ذلك سواء فيما يتعلق بالأمن، أو الاستخبارات، أو مواجهة الإرهاب أو غيرها.
* كيف تفسر ركود التقدم الإسرائيلي الفلسطيني في التوصل إلى تسوية؟
– كما تعرف، أنت تتحدث إلى شخص قضى ثلاثين عاماً من عمره وهو يعمل على هذه القضية. وبالتالي، فبالنسبة إليَّ، إنها أقرب إلى الرسالة. وأعتقد أنه من الخطأ أن تعمل بالدبلوماسية من منطلق الخيارات القطبية.. إما أن تحل كل شيء أو لا تحل شيئاً على الإطلاق؛ لأنك إذا ما فكرت في المعادلة على ذلك النحو، لن تفعل شيئاً وذلك ينطبق على الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية، فإذا ما كان الخيار إما أن تحلها الآن أو لا تفعل شيئاً على الإطلاق، واتضح أنك لا تستطيع أن تحلها الآن، فإن الحال سينتهي بك بألا تفعل شيئاً على الإطلاق. وتصبح النتيجة هي الفراغ الذي يملأه اليأس وفقدان الأمل، ومن ثم تستمد العناصر الموجودة لدى كلا الطرفين، التي تتغذى على اليأس وفقدان الأمل قوة جديدة. وذلك ما يحدث حالياً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فلم يحدث شيء يذكر منذ أخفقت مساعي كيري في 2014، وبالتالي فليس مفاجئاً أن يفقد كلا الطرفين أي أمل في إمكانية إحراز تقدم. ولكن نموذج إجراء مفاوضات ثنائية حاسمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليس النموذج الذي يمكنه أن ينجح في تلك الحالة. فالفلسطينيون ضعفاء ومنقسمون حالياً حتى أنهم أصبحوا ينظرون إلى المفاوضات باعتبارها نوعاً من التنازل الذي لا يستطيعون تقديمه. فهم أصبحوا في حالة من الشلل.. توقف الزمن، حتى أنهم يعودون إلى أشياء مثل «دعونا نذهب للأمم المتحدة». وذلك لن يحل أي شيء. وبالتالي يجب عليك أن تفكر فيما يمكنك عمله لتغيير تلك الحقائق.
* ما الخطوات التي تعتقد أنها يمكن أن تساعد على تحقيق ذلك، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه «مبادرة السلام العربية»؟
– أعتقد أنك يجب أن تعمل على مستويات متعددة، ففيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تحتاج الإدارة المقبلة للعمل بهدوء مع كليهما للمساعدة على تغيير الأوضاع على الأرض حتى تستعيد الإحساس بالإمكانية. ولكننا نحتاج أيضاً إلى «مظلة عربية».. لسببين: أولاً لأن الفلسطينيين يجدون صعوبة في أن يفعلوا الأشياء بمفردهم، فهم يحتاجون إلى غطاء عربي. وثانياً لأن الإسرائيليين يحتاجون إلى «غطاء عربي»، لأن الجمهور الإسرائيلي لا يثق بالفلسطينيين حتى أنهم يعتقدون أنهم إذا ما قدموا تنازلاً للفلسطينيين فإنهم لن يحصلوا على شيء في مقابله. وفي ظل غطاء عربي، ربما تستطيع إسرائيل إذا ما قدمت تنازلاً للفلسطينيين أن تحصل على شيء من المنطقة. وهنا تصبح مبادرة السلام العربية مهمة للغاية؛ لأنها تمثل مظلة عربية، ويمكن أن تصبح قاطرة لمساعدة كلا الطرفين.
* وفقاً لخبرتك كمفاوض للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في إدارة كلينتون.. كيف ترى البعد الإقليمي في الحلول المحتملة؟
– قبل قمة كامب ديفيد، لم نفعل الكثير لإشراك المنطقة العربية في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وبالتالي، فعندما قام الرئيس كلينتون بتقديم بعض الاقتراحات في القمة، وجد صعوبة في إقناع السعوديين والمصريين أو الأردنيين بتشجيع عرفات؛ لأنهم لم يكونوا يشعرون بأنهم موجودون في تلك المقترحات، ولم يكونوا على علم بالمدى الذي يمكننا أن نذهب إليه. وفي كامب ديفيد، قدمنا مقترحات فقط بشأن الحدود والقدس، ولكن ذلك تغير في ديسمبر (كانون الأول) 2000 بعد طرح «معايير كلينتون» لحل النزاع، وهو ما جعل المقترحات تدور حول كل القضايا المحورية بما في ذلك قضية اللاجئين. وقد طرحنا تلك المعايير على عدد من القادة العرب حتى قبل أن نطرحها على عرفات، بل حتى قبل أن نطرحها على رئيس الوزراء في ذلك الوقت إيهود باراك. وبعدما عرضنا تلك المعايير على فريقي التفاوض، أخبر الرئيس كلينتون الرئيس مبارك وتناقش معه أيضاً فقد كنا نحاول أن نخلق حالة واسعة من التأييد العربي. ولكن ما أتحدث عنه الآن ليس «دعماً عربي» فقط، ولكن أن يصبح للعرب دور في العملية إلى جانب الفلسطينيين أنفسهم.
* ما دور المناقشات الجماهيرية في إسرائيل والعالم العربي أثناء مساعي التفاوض على التسوية؟
– أحد الدروس التي استفدناها من الماضي هي أنه عندما لا تكون هناك حالة وعي جماهيري بالسلام، يصبح من الصعب التفاوض عليه. فليس كافياً أن تكون هناك علاقات قوية وخاصة بين المفاوضين فيما توجد حالة عداء شعبية في الخارج. فيجب على جميع الأطراف ألا تركز على كيفية توجيه الاتهامات، ولكن على محاولة خلق مناخ يجعل تحقيق السلام أسهل. فمن السهل أن نبرز المثالب المتعلقة بالطرف الآخر، ولكن عندما يحدث شيء إيجابي علينا إبرازه.
دينيس روس
معهد واشنطن