في شهر آب (أغسطس) قبل نحو عامين من الآن، هاجم “داعش” اليزيديين، الأقلية الدينية الكردية التي تعيش حول جبل سنجار في العراق. واجتاح المسلحون المتشددون قرى غير محمية، تماماً مثل ذئب بايرون عندما يهاجم فريسته، وذبحوا الرجال وسبوا آلاف النساء والأولاد لبيعهم كعبيد جنس.
لكن كل يزيدي استطاع ذلك هرب بعيداً نحو الجبال العالية من دون طعام أو ملابس مناسبة، أو حتى، في بعض الأحيان، من دون حذاء. وظلوا عالقين هناك لأيام وسط ظروف قاسية، ومع دعم دولي ضئيل. أما أولئك الذين كانوا قد وعدوهم أصلاً بتوفير الحماية لهم، جنود البشمرغة التابعون لحزب مسعود برزاني السياسي في كردستان العراقية، فقد تبخروا وذابوا في ساعة الحاجة إليهم.
كان مقاتلو حرب العصابات الأكراد من سورية وتركيا هم الذين شقوا طريقهم إلى الجبل عبر مناطق “داعش” في نهاية المطاف، وفتحوا ممراً لجلب الناجين من اليزيديين إلى بر السلامة والأمان في منطقة الحكم الذاتي الكردية المعلنة ذاتياً في سورية، والتي تدعى “روجافا”، الكلمة الكردية التي تعني الغرب.
كان العديد من مقاتلي حرب العصابات الأكراد من النساء بسبب مبدأ أساسي لحركة التحرير الكردية منذ عقود، هو أن النساء لا يستطعن انتظار الآخرين لكي يهبوا للدفاع عنهن، ولذلك يجب عليهن خوض القتال بأنفسهن من أجل أن يتحررن. وفي الحقيقة، تقول بعض هؤلاء النساء أنهن يحاربن من أجل النساء الأخريات لأنهن يعرفن عن الأهوال التي تنتظر اللواتي يتمكن “داعش” من أسرهن.
في حرب “روجافا” ضد “داعش” يمكن رؤية النساء -ليس فقط في صفوف المقاتلين، وإنما أيضاً في قيادة وحدات مقاتلي حرب العصابات. وبعد إنقاذهن من جبل سنجار، قررت بعض النساء اليزيديات اتباع هذا المثال وباشرن في تشكيل ميليشياهن الخاصة، وحدة حماية النساء في شنغال (اسم آخر لسنجار). وعلى نحو مماثل، شكلت النساء اليزيديات في كردستان العراق من اللواتي تم إنقاذهن من العبودية الجنسية كتيبتهن الخاصة.
مع أن النساء من مقاتلات حرب العصابات كن قد قاتلن في معارك تحرير قومية في أماكن تمتد من الصين إلى فيتنام، ومن كوبا إلى نيكاراغوا وموزامبيق وأنغولا وإيران والأراضي الفلسطينية، فقد مالت المنظمات النسوية العالمية من الاتجاه السائد إلى اتباع نهج رابطة النساء الدولية من أجل السلام والحرية، التي كانت قد أسست خلال الحرب العالمية الأولى والتي تعتقد بأن الحل ضد جعل النساء ضحايا المرأة في زمن الحرب يكمن أولاً في معارضة الحرب، وثانياً في التأكيد على حضور النساء إلى طاولة المفاوضات عند انتهاء الحروب.
على النقيض من ذلك، يؤكد نهج حركة التحرير الكردية على الدفاع عن النفس في المجالين العسكري والمجتمعي على حد سواء. والمقصود من وجود المقاتلات الإناث في حرب هو أن يُنظر إليهن على أنهن أمثلة لإظهار أن القيادة النسوية حاسمة في كل مجال من مجالات المجتمع. وفي نظام “روجافا” لديمقراطية الحكم الذاتي (المنطقة في داخل حدود سورية)، هناك مبادئ قوية لمشاركة النساء في الحكم، ويقود كل المنظمات رجل وامرأة معاً. وتتمتع لجان النساء هناك بسلطة حقيقية على مشكلات من نوع الزواج بالإكراه والعنف المنزلي.
لكن المرأة المقاتلة بشكل خاص هي التي تعرض صورة مضادة لصورة المرأة الضحية المغتصبة التي استلب شرفها، والتي تعتبر مصدر خزي لعائلتها ولمجتمعها. وقد جعلت الأفكار الأبوية القديمة من الاغتصاب والعبودية الجنسية استراتيجية مركزية في الصراعات المنطوية على الإبادة الجماعية بهدف تحطيم هوية العدو نفسها. وتلك هي الكيفية التي استخدم بها الاغتصاب في البوسنة وجمهورية الكونغو الديمقراطية (وسابقاً في تقسيم الهند وحرب تحرير بنغلاديش). وتلك هي الكيفية التي يجري استخدامها اليوم في العراق وسورية.
لا يمكن إعادة دمج النساء اليزيديات اللواتي كن قد خضعن للعنف الجنسي بهذا المقياس الرهيب بسهولة في الأنماط القديمة، كما أنهن لن يتعافين ويزدهرن إذا نظر إليهن –ونظرن إلى أنفسهن- كضحايا يجلبن العار. ويجب أن يكون جزء من عملية إعادة التأهيل هو الوصمة التي تواجهها الناجيات.
من الطبيعي أن تكون هناك طرق للقيام بذلك من دون حمل السلاح. لكن حقيقة أن بعض الناجيات في مخيم اللجوء في كردستان العراقية، والذي ما يزال نظامه أبوياً بشكل كبير، قد اخترن هذا الطريق، يشير إلى نفوذ مقاتلات حرب العصابات الكرديات المتطرفات.
وقد ذهب مجلس نساء شكله في تموز (يوليو) الماضي يزيديون متأثرون بروجافا شوطاً بعيداً إلى حد إعلان أن الهدف يجب أن لا يكون” استعادة بالشراء” للنساء والأطفال المختطفين، كما هو شائع عند التعامل مع “داعش”، وإنما تحريرهن وتأسيس تقاليد جديدة للدفاع عن النفس في الوقت نفسه.
ولن يكون تحقيق ذلك سهلاً. فبعد عامين من أسرهن، ثمة الآلاف من النساء والأطفال اليزيديين ما يزالون معتقلين. وثمة عدد كبير آخر منهم موزعون في مخيمات اللاجئين في تركيا والعراق و”روجافا”، بينما حاول آخرون الهرب إلى أوروبا، فغرق بعضهم في الطريق. لكن محور النضال اليزيدي يظل جبل سنجار، موطن السلف الذي يتوق العديد ممن يوجدون حالياً في مخيمات اللاجئين في العراق للعودة إليه.
لكن هناك عائقاً يظل ماثلاً في طريقهم، هو نفس القوات الكردية العراقية التابعة لمسعود برزاني، الذي كان قد تخلى عنهم قبل عامين، والذي تشغل قوات البشمرغة التابعة له نقطة التفتيش عند الحدود التي تفضي إلى “روجافا” والجانب الشمالي من جبل سنجار، مما يجعل الوصول المناسب للإمدادات الأساسية ومواد البناء صعباً، إذا لم يكن مستحيلاً. ويتم ذلك بالتزامن مع حصار تركيا لأكراد “روجافا”.
يستطيع الذين تأثروا منا بمحنة اليزيديين وبصورة النساء اللواتي يقاتلن “داعش”، لا بل يجب عليهم عمل ما هو أكثر من الإعراب عن الإعجاب عن بعد. إننا نحتاج إلى مساعدة الحكومة الأميركية في الاستماع إلى أفكارها الخاصة حول المساواة الجنسوية والديمقراطية والتعددية. وكانت الولايات المتحدة قد وعدت قوات السيد برزاني مؤخراً بكميات سخية من المساعدات العسكرية.
يجب أن يكون ثمن ذلك هو منح حرية الحركة لليزيديين بحيث يستطيعون العودة إلى ديارهم وإعادة البناء مع الأمل بانخراط كامل للنساء والناجيات من العنف الجنسي لـ”داعش” ووضع نهاية دائمة لحصار “روجافا” والتي كان مقاتلوها القوات الوحيدة القادرة على قتال “داعش” –ليس بالرغم من نسويتها وإنما بفضلها.
ميريديث تاكس
صحيفة الغد