أثبت العراقيون مرة أخرى تمسكهم بالأمل في غد أفضل وحرصوا على اقتطاف ساعات فرح وسط تيار معاناة جارف يمتد منذ عشرات السنين، حيث لم تمنع الإجراءات الأمنية المشددة والظروف الاقتصادية الصعبة ومأساة النازحين والمهجرين جراء معارك تحرير المدن من كابوس تنظيم «الدولة» لم تمنع الناس من احياء عيد الأضحى المبارك والتوجه إلى المتنزهات الخضراء ومراكز التسوق، مع حصة الأسد لأماكن الاصطياف في شمال العراق التي تدفق إليها عرب وسط وجنوب العراق سعيا لقضاء أوقات طيبة آمنة، وليساهموا في حل جزء من أزمة الاقليم الاقتصادية الخانقة جراء قطع رواتب موظفيه منذ أكثر من سنة بسبب خلافات حكومتي بغداد وأربيل. ومع اقتراب معركة تحرير الموصل والتحذيرات من مرحلة ما بعد تنظيم «الدولة» وتداعياتها على أوضاع المحافظة، وتكرار قدوم المسؤولين الأمريكان إلى بغداد وأربيل، تتصاعد دعوات تقسيم المحافظة طائفيا وقوميا ودينيا من قبل أطراف وقوى سياسية ودينية تتمسك بمشروع تقسيم نينوى إلى محافظات أو أقاليم مثل سهل الموصل ومنطقة سنجار ومحافظة الأقليات. والجديد هذه المرة تصريحات أعضاء في الكونغرس الأمريكي بالنية للدعوة لإقامة إقليم سهل الموصل للأقليات مثل الايزيديين والمسيحيين لحماية حقوقهم حسب ادعاء المروجين للمشروع، وكأن تخصيص جزء من أرض الموصل للأقليات هو الضمانة لحمايتهم وليس دولة قوية عادلة تمنع الظلم والاعتداء على كل مكونات الشعب العراقي وتمنح الجميع الحقوق المشروعة. ويتفق العراقيون على ان الأهم من ترويج دعوات تقسيم نينوى هو ان يتم تحريرها أولا واعادة سكانها المهجرين ورفع الظلم عنهم وإعادة اعمار مدنها المدمرة، ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية، وبعدها يكون حوار بين القوى السياسية والسكان على أفضل الحلول لمشاكل المحافظة ومستقبلها.
وعسكريا استكملت القوات العراقية الاستعدادات لخوض معركتي تحرير الحويجة غرب كركوك والشرقاط جنوب الموصل وهي بانتظار إعلان ساعة الصفر للبدء في التحرك، كمرحلة لا بد من عبورها قبل الانطلاق نحو معركة الموصل الفاصلة لطرد تنظيم «الدولة» من عاصمته في العراق، وهي المعركة التي تعول عليها القوات العراقية المشتركة ودول التحالف الدولي من أجل توجيه الضربة القاضية للتنظيم في العراق. كما تقوم القوات العراقية باستكمال تحرير بعض الجيوب التي يتواجد فيها عناصر التنظيم الذين طردوا من المدن الرئيسية في الأنبار وصلاح الدين وخاصة مدن غرب الأنبار مثل هيت وراوة والقائم والصحراء الممتدة بين العراق وسوريا لقطع شريان تواصل التنظيم بين البلدين، مع محاولات مستميتة من بقايا عناصر التنظيم لشن هجمات هنا وهناك على مراكز تجمعات القوات العراقية والمدن المحررة في محاولة لرفع معنويات مقاتليه المنهارة وتأخير المصير المحتوم لنهاية التنظيم في العراق.
وتشير الأنباء من داخل المناطق المحتلة من التنظيم مثل الموصل والشرقاط والحويجة، إلى انهيار معنويات التنظيم جراء الخسائر المتلاحقة التي تكبدها إضافة إلى تصاعد حركة المقاومة المسلحة ضد عناصر التنظيم من اغتيالات منظمة، تقوم بها خلايا نائمة بعضها بالتنسيق مع الحكومة المركزية أو بجهود فردية، ولكنها تترك أثرا كبيرا على معنويات عناصر التنظيم الذي واجهها بزيادة حملات الاعدامات الوحشية بكل من يشتبه بكونه يشكل خطرا عليه في تلك المناطق.
وفي سابقة لافتة، توجه الآلاف من الإيرانيين قبل أيام لاداء مراسم الحج في كربلاء وليس في مكة والمدينة، ورددوا أدعية الحج وهم يطوفون حول مرقد الإمام الحسين عليه السلام، بينما خاطبهم خطيب كربلاء مرتضى شهروردي بأن «زوار الحسين كأنهم زاروا الله في عرشه، وأن الله ينظر إلى حجاج كربلاء قبل حجاج مكة!».
ورغم ادعاء إيران بأن توجيه حجاجها إلى كربلاء بدلا من مكة نتيجة منع السلطات السعودية الإيرانيين من الحج هذا العام، إلا ان لهذا الإجراء خلفيات وتداعيات تستدعي الوقوف عليها، حيث عد متابعون ان إيران تعمدت خلق وتعقيد الخلافات مع السعودية حول إجراءات الحج، ضمن سيناريو أعدته طهران مسبقا لتهيئة شيعة إيران والعالم الإسلامي، إلى مكان بديل للحج عن الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، خاصة مع وصول الشيعة من عدة دول للحج في كربلاء تضامنا مع الإيرانيين، في سابقة قد تتكرر مستقبلا، وسط صمت المراجع الدينية والسياسية العراقية، ورفض مرجعية الازهر الشريف لذلك الإجراء.
وفي إقليم كردستان شمال العراق، يبدو أن الأمور تتجه نحو المزيد من التأزم والتعقيد في العلاقة بين الأحزاب الكردية هذه الأيام، حيث هدد العديد من الأحزاب وخاصة الإسلامية الكردية بالانسحاب من حكومة الإقليم لفشل كل جهود الوساطات لحل الخلافات بين الأحزاب واصرار كل طرف على التمسك بمواقفه ورفض تقديم التنازلات وخاصة بين الحزب الديمقراطي وحركة التغيير والاتحاد الوطني، مع بروز مؤشر خطير باحتمال وصول التأزم إلى مرحلة المواجهة المسلحة لفرض الإرادة، وخاصة عندما كشف نواب كرد ووسائل إعلام في الاقليم عن وصول قوات أمنية قادمة من أربيل إلى حقول النفط في كركوك عقب تهديدات أطلقتها القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني هيرو احمد، زوجة جلال الطالباني، برفض الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل حول نفط كركوك. ورغم انه لم تحصل مواجهات أو اشتباكات ولكن الموقف أثار مخاوف الشارع الكردي وأعاد إلى ذاكرته حروب سابقة وقعت في الإقليم بين الحزبين الرئيسيين آخرها حرب عام 1995.
مصطفى العبيدي
صحيفة العربي الجديد