لا يعدو الاستعراض العسكري الإيراني في ذكرى الحرب مع العراق أن يكون استدعاء للشعارات القديمة ومحاولة إيهام الإيرانيين بالثبات عليها في مواجهة حالة عامة من التذمر الشعبي ضد سلطة رجال الدين، فضلا عن تورط طهران في أزمات إقليمية متعددة دون تحقيق مكاسب.
ونظمت إيران عرضا عسكريا كبيرا الأربعاء بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لاندلاع الحرب مع العراق في عام 1980.
وشاركت في العرض قطع مختلفة بينها 16 صاروخا باليستيا يبلغ مداها بين 1600 و2000 كلم ودبابات وطائرات ووحدات من جيش المشاة. وعرضت كذلك أنظمة مضادة للصواريخ أس300- الروسية الصنع.
وقال الجنرال علي باقري رئيس أركان القوات المسلحة إن “قرار الولايات المتحدة المجرمة الأخير منح مساعدة عسكرية للكيان الصهيوني الغاصب يعزز تصميمنا على زيادة قدراتنا الدفاعية”.
ومن الواضح أن استعادة الخطاب الذي يهاجم إسرائيل هدفها الحفاظ على الشعارات التي انطلقت بها ثورة 1979، والتي أكسبتها زخما في الشارع الإيراني عند انطلاقها. وانفض من حولها الناس بعد أن عجز الحاكمون باسم الثورة أن يجسدوا أيا من تلك الشعارات، فضلا عن إغراق البلاد بسببها في أزمة اقتصادية عمقتها العقوبات الدولية.
واعتبر مراقب سياسي عربي أن رسالة طهران إلى المنطقة في هذا الاستعراض ليست جديدة، لكنها بدت هذه المرة مرتبكة وتعبر عن رتابة في الأداء الإيراني لجهة تكرار شعارات ممجوجة ضد إسرائيل والولايات المتحدة منذ عهد الخميني.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن “أغراض العرض العسكري داخلية لتبرير فشل طهران في الانفتاح على العالم كما كان يعد الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي، وأن لجوء الحاكم في إيران إلى انتهاج خطاب عسكري يبدو ركيكا في وقت أضحت فيه روسيا والولايات المتحدة تهيمنان على فضاءات وميادين المنطقة، لا سيما في حديقة إيران الخلفية في العراق وسوريا”.
وأربك التدخل الروسي في سوريا حسابات إيران، فقد وضعت موسكو يدها على مصالح طهران في سوريا، وحولتها إلى لاعب ثانوي لا يتحرك خارج المسموح به بعدما كان الإيرانيون يمنون النفس بالسيطرة الكاملة سياسيا ومذهبيا على سوريا.
وفشلت إيران أيضا في تثبيت سلطة تابعة لها في اليمن، بعد أن تحركت السعودية ودول عربية أخرى لوقف سطو المتمردين الحوثيين على البلاد مستفيدين من دعم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
ووجدت طهران نفسها مجبرة على الاستمرار في تمويل حرب تقول مجمل المؤشرات إنها ستخسرها.
ووضعت إيران يدها على العراق عن طريق الأحزاب الدينية التابعة لها، مستفيدة من تواطؤ أميركي بدا في الفترة الأخيرة أنه يسير إلى فك الارتباط بين الجانبين، خاصة مع إصرار الولايات المتحدة على الإمساك بمهمة تحرير مدينة الموصل الاستراتيجية وإشراك البيشمركة الكردية في هذه المهمة بدل ميليشيا الحشد الشعبي.
وتساهم طهران بمثل هذه الاستعراضات العسكرية على مقربة من جيرانها الخليجيين في الإبقاء على منسوب التوتر مرتفعا في المنطقة، بعد أن ساهمت تصريحات كبار مسؤوليها وقادتها وحملاتهم على هؤلاء الجيران وتحديدا المملكة العربية السعودية في إشاعة أجواء “حرب إقليمية باردة”.
وبلغ الارتباك في السياسة الإيرانية مداه في قضية الحج ودعواتها إلى مقاطعته وخلق بديل شيعي له في مدينة كربلاء، وهو موقف عزلها عن الساحة الإسلامية خاصة أن الاستهداف طال هذه المرة شعائر مقدسة لدى المسلمين ككل، وليس أمرا خاصا بالسعودية.
صحيفة العرب اللندنية