اعتبر الإعلان في هذا الشهر عن التوصل إلى اتفاقية جديدة لوقف إطلاق النار في سورية أخباراً جيدة. لكن الافتقار للثقة بين المتحاربين السوريين وداعميهم الخارجيين يعني أن هذه كانت الاتفاقية، مثل سابقتها التي جاءت قبلها، عرضة للانهيار.
وقد أظهرت الاتفاقية أصلا علامات حادة على وجود توتر. فخلال عطلة نهاية الأسبوع، قصفت الولايات المتحدة بالخطأ قوات تابعة للحكومة السورية. ويوم الإثنين أعلن الجيش السوري أنه لم يعد يحترم الصفقة واستأنف توجيه الضربات الجوية ضد حلب، حتى أن قافلة مساعدات إنسانية قصفت في الأثناء.
ومع ذلك، ثمة سبب للأمل. فإذا كانت روسيا والولايات المتحدة راغبتين في الذهاب إلى بعد كافٍ في مفاوضاتهما للتوصل إلى اتفاق، فسيمكن عندها التغلب على هذه التراجعات. ويجب أن يخدم استهداف القافلة الإنسانية، وهو جريمة حرب، كمحفز إضافي يدفع الولايات المتحدة وروسيا إلى إعادة الالتزام بوقف إطلاق النار. وكان الجانبان يعيان تماماً طبيعة الصعوبات عندما أمضيا شهراً وهما يتفاوضان على شروط وقف إطلاق النار.
سيكون من الممكن إنقاذ الاتفاقية إذا توحدت كل الجوانب الآن حول هدف بسيط ومهم لا يمكن إنكاره ولا تخطئه العين: وقف القتل. وقد يكون تحقيق هذا الهدف أكثر إمكانية مما يبدو عليه.
تقدر مصادر موثوقة عدد السوريين الذين قتلوا حتى الآن بنصف مليون شخص تقريباً، بينما بلغ عدد الجرحى السوريين نحو مليوني شخص. وفي الأثناء، تشرد ما ينوف عن نصف عدد سكان البلد الذي كان قبل اندلاع الحرب 22 مليون نسمة. ويجب أن تقنع هذه الأرقام الصادمة وحدها كل المعنيين بأن الحرب في حد ذاتها تشكل الانتهاك الأكبر لحقوق الإنسان، والعدو المطلق لسورية.
إذا أريد لوقف إطلاق النار الأخير أن يستديم، يجب على الولايات المتحدة وروسيا إيجاد طرق للعمل على تجاوز الافتقار إلى الثقة الذي قوض وقف إطلاق النار السابق في شباط (فبراير) الماضي. وكان وقف الأعمال العدائية في طول البلاد وعرضها قد شرع في التدهور بعد بدئه بنحو شهرين، حيث دارت رحى المعارك في الكثير من مناطق ريف العاصمة وفي وسط وشمالي سورية وفي حلب. وكان استئناف الصراع قد أسفر في نيسان (أبريل) الماضي عن تعليق مفاوضات السلام التي تجري تحت إشراف الأمم المتحدة.
مع ذلك، تم بذل جهد قوي في وقت سابق من العام عندما ضغطت الولايات المتحدة وروسيا على حلفائهما المعنيين من أجل وقف القتال ومنح المفاوضات فرصة. لكن التوقع الأميركي والروسي للتوصل إلى اتفاقية مع حلول الأول من آب (أغسطس) على موضوعات الحكومة الانتقالية كان غير واقعي. فبعد خمسة أعوام من القتل، وقبل تأسيس أي مظهر من الثقة، نظر البعض إلى دفع الأطراف السورية وداعميها للموافقة على تقاسم السلطة على أنه ينطوي على تهديد كبير، ونظر إليه أخرون على أنه غير موات. ومن غير المفاجئ أن تكون الأطراف قد عادت إلى العنف.
عندما يتم استئناف المفاوضات في جنيف في وقت لاحق هذا الشهر، فإن التركيز الرئيسي يجب أن ينصب على وقف القتل. ويجب تأجيل المباحثات الخاصة بالأسئلة المحورية للحكم -متى يجب تنحي الرئيس بشار الأسد وما هي الآليات التي قد تستخدم لاستبداله، على سبيل المثال.
باستطاعة الجهد الجديد التعامل على أساس تجميد السيطرة القائمة على الأراضي -من دون أن تسلم الحكومة أو المعارضة أو الأكراد أسلحتهم. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن الاتفاق على إجراءات لإضفاء الاستقرار على الظروف السائدة في المناطق التي يسيطر عليها هؤلاء المتحاربون، مع وضع ضمانات بوصول غير مقيد للمساعدات الإنسانية، وهو مطلب مهم على نحو خاص في ضوء الضربة التي وجهت إلى قافلة المساعدات الإنسانية بالقرب من حلب مؤخراً.
لا تخلو هذه المقاربة من وجود تحديات كبيرة. فاللاعبون الأجانب، الأقل اهتماماً بالتدمير الذي تختبره سورية من اهتمامهم بمصالحهم الشخصية، لن يكونوا بالضرورة سعداء بمشاهدة الخطوط الأمامية وهي تظل حيثما هي الآن. وتبدو روسيا مهتمة بمينائها الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط؛ وتريد إيران رابطاً مع حزب الله في لبنان؛ والهدف الرئيس لتركيا هو تقويض الطموحات الكردية؛ وتهتم السعودية أكثر ما يكون بمنع وجود موطئ قدم آخر لإيران في العالم العربي. وتهدد هذه المصالح المتعارضة أصلاً وقف إطلاق النار الهش.
ومع ذلك، فإن وقف القتل وتجميد الوضع القائم يغيران اللعبة من “كسب- خسارة” إلى “لا خسارة”. ولن يتنازل المتحاربون عن مصالحهم الحيوية، ولن يهرولوا نحو التعاون والتوصل إلى تسوية بينما ثقتهم ببعضهم البعض وفي المجتمع الدولي منخفضة.
في ظل الظروف الراهنة، سوف تعتبر الحكومة السورية والثوار أي تنازل أو تسوية كنوع من الخيانة. ومع ذلك، فقد يكون عدم الخسارة ووقف القتال اقتراحا جذاباً. وعلى الأقل، من المؤكد أنه سيكون أصعب على الرفض.
من الواضح أن هذه الإجراءات لن تسري على الأجزاء التي يسيطر عليها “داعش” وتنظيمات أخرى تصنفها الأمم المتحدة على أنها تنظيمات إرهابية. ولكن، إذا تم وقف القتل في أجزاء من البلد غير خاضعة لسيطرة هذه المجموعات، فإن المقاتلين في صفوفها سيجدون على الأرجح إغراء في لتخلي عنها والانتقال إلى المناطق التي توفر ظروف عيش أفضل. ومن شأن هذا التطور أن يؤشر على نقطة انعطاف في الجهد الرامي إلى هزيمة الإرهابيين.
تعتبر القيادة الأميركية-الروسية حاسمة لكي تؤتي مثل هذه المقاربة أكلها. وعلى كل منهما إقناع حلفائه الإقليميين بالتعاون. لكن ذلك لن يكون كافياً وحده. ويجب على السوريين الذين كانوا هم عتاد المدافع في هذه الحرب أن يجعلوا أصواتهم مسموعة، بحيث يصدرون بياناً قاطعاً فاصلاً وعالي الصوت:” أوقفوا القتل!” ويجب على المؤسسات الدولية دعم هذا النداء الملّح أيضاً.
قد يجبر هذا الفيض من دعوات الجمهور إلى وقف القتل المتحاربين السوريين وأصحاب الحصص الإقليميين والدوليين على أخذها بعين الاعتبار -واتخاذ إجراء. وعندما يتم وقف القتل، سيستطيع السوريون العمل من أجل استعادة كرامتهم المفقودة، وهو ما سيكون أساسياً لمخاطبة القضايا التي أشعلت نار الحرب في المقام الأول.
جيمي كارتر
صحيفة الغد