المراقبة، والتنصت على المكالمات، والمخبرون السريون -واللاجئون الذين يقولون شيئاً عندما يرون شيئاً. هذه الإجراءات كانت فعالة حتى الآن في تعقب الجهاديين الخطرين.
* * *
روما- هناك في كثير من الأحيان خيط رفيع بين الشفقة والخوف عندما يتعلق الأمر بمئات الآلاف من اللاجئين الذين نزلوا على الشواطئ الأوروبية في العام الماضي.
من جهة، من الصعب عدم الشعور بتدفق للعاطفة عند مشاهدة صور الأطفال الذين يولدون أثناء مهمات إنقاذ خطيرة، أو عند مشاهدة جثامين الأولاد التي جرفتها الأمواج. ومن الصعب بالمقدار نفسه عدم الشعور بالاشمئزاز والغضب من أخبار العثور على جهاديين مزعومين مختبئين بين اللاجئين الشرعيين.
قبل فترة وجيزة، تم اعتقال ثلاثة إرهابيين مستقبليين في منطقة شليزفيغ-هولشتاين في ألمانيا بسبب الشكل في أنهم ناشطون ومتعاونون مع ما يسمى “داعش”. وكان الرجال الثلاثة الذين أشارت إليهم محكمة ألمانية بذكر الاسم الأول دون الأخير، ماهر هـ. (17 عاماً) وإبراهيم م. (18 عاماً)، ومحمد أ. (18 عاماً) قد جاؤوا إلى أوروبا في العام الماضي عن طريق تركيا فاليونان، وركبوا موجة الهجرة على طول الطريق إلى ألمانيا. وباعتبارهم سوريين، حظيت طلبات اللجوء التي قدموها بمعاملة تفضيلية، ما سمح لهم بعبور خطوط الحدود.
ولكن، وقبل تجميع كل اللاجئين في مخيم الإرهاب، من المهم الإشارة إلى أن الرجال الثلاثة ما كانوا ليعتقلوا على الإطلاق لولا أن لاجئين آخرين قدموا تحذيراً بشأنهم عدة أشهر. ووفق ناطق بلسان قوة الاستخبارات المضادة في ألمانيا (بي. كيه. إيه)، كان الثلاثة يحاولون تجنيد آخرين من بين جموع الأشخاص العاطلين عن العمل في معظمهم والذين كانوا في انتظار استكمال وثائقهم والذين أشار إليهم بعض الذين اقتربوا منهم. ونتيجة لذلك، تم وضعهم تحت المراقبة والرصد لعدة أشهر، وهو ما مكن السلطات من جمع معلومات قيمة عن الحلقة الأوسع.
كما أن واقع الحال هو أنه بينما يعيش اللاجئون والمهاجرون في المخيمات في انتظار البت في طلباتهم، فإنهم يكونون في الغالب عرضة لممارسات تغزو خصوصياتهم بطرق لا يمكن أن يقبل بها المواطنون المتجنسون أبداً. ولا تحاول شرطة مكافحة الإرهاب في إيطاليا، والتي تعد جزءا من قوات مكافحة المافيا، حتى مجرد إخفاء حقيقة أنه يتم التنصت على هواتف اللاجئين، وأن هناك لاجئين مزيفين متخفين في معظم مخيمات اللجوء لهدف وحيد، هو التجسس عليهم.
في ميناء أوغوستا في صقلية، يعمل عدد من اللاجئين السابقين حالياً مع السلطات المحلية للمساعدة في القضاء على أي متطرفين. وكان رجل يستخدم اسم “ليو” قد قال لصحيفة “الديلي بيست” في العام الماضي إنه يستطيع معرفة ما إذا كان الشخص الذي يتحدث معه لاجئاً مزيفاً أم حقيقياً خلال عشرة دقائق من الحديث معه. وقال: “إنهم إما لا يعرفون لهجة المنطقة التي يتظاهرون بأنهم يأتون منها، أو أنهم سرعان ما يسقطون في المصيدة عندما أبدأ في الشكوى من الغرب”. وتكمن مهمته في زج نفسه بين مجموعات الرجال الذين انفصلوا عن عائلات اللاجئين ومباشرة الحديث معهم.
ولدى السلطات الإيطالية مواطنون نيجيريون وأفغان وعراقيون على قائمة الرواتب العامة، اعتماداً على التركيبات السكانية للقادمين في قوارب الهجرة.
ثمة قطعة معلومات رئيسية رشحت من عمل استخباري سري: الاستخبارات الألمانية متأكدة من أن الرجال الثلاثة الذين اعتقلتهم مؤخراً كانوا قد سافروا إلى ليروس في اليونان على القارب نفسه مع اثنين من المفجرين الانتحاريين الذين نسفوا أنفسهم في الهجمات المميتة في باريس يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وكان أحد المفجرين الانتحاريين، والذي تشبه بصماته التي أخذت من موقع هجمات باريس، بصمات رجل يُعرف في سجلات اللجوء باسم م. المحمود، والذي كان في نفس مخيم اللجوء اليوناني الذي دخل إليه الرجال الذين اعتقلوا مؤخراً أول الأمر.
وكان لواحد من هؤلاء الثلاثة على الأقل اتصالات كما يبدو مع المجموعة المسؤولة عن هجوم آب (أغسطس) في العام 2015 على قطار كانت وجهته باريس.
تقول السلطات الألمانية إنه كان قد تم الوصل بين كل هذه النقاط قبل وقت طويل من تنفيذ الاعتقالات، بفضل الشهادات التي أدلى بها لاجئون شرعيون كانوا قد سافروا مع الرجال الخمسة. وتقول السلطات الألمانية إنه تم نقل الشهود الرئيسيين إلى بلدان أخرى وتم منحهم حق اللجوء مكافأة لهم على تعاونهم.
ثمة عامل يعقد عمليات اصطياد الإرهابيين بين اللاجئين الحقيقيين أيضاً، هو صناعة تزوير الوثائق التي تسببت بها أزمة الهجرة. وتستطيع الوثائق المزورة جعل أي شخص يبدو شرعياً -إلى أن يثبت العكس على الأقل. وقد عثرت الشرطة الأوروبية (يوروبول) الشهر الماضي على مستودع كامل من الوثائق المزورة في مخيمات لجوء يونانية، والتي يبدو أنها كانت مخصصة للمقاتلين الأجانب الذين يفدون إلى القارة.
وفي الربيع الماضي، تم اعتقال رجل عراقي في إيطاليا للاشتباه بأنه يبيع الأسلحة ويزور الوثائق لأهداف مشابهة. كما تعتقد السلطات أيضاً أن هناك عدداً من شبكات الاتجار بالبشر وتهريبهم، والتي تقدم خدماتها بشكل محدد للإرهابيين المستقبليين بحيث تضمن لهم مروراً آمناً مغلفاً بعباءة اللاجئين الشرعيين.
وكان وزير الداخلية الألماني، ثوماس دي ميزير، قد قال في مؤتمر صحفي بعد اعتقال الرجال الثلاثة مؤخراً: “كل شيء يشير إلى حقيقة أن نفس منظمة التهريب التي وقفت وراء هجمات باريس هي التي قامت أيضاً بجلب هؤلاء الرجال الثلاثة إلى ألمانيا”. وأضاف أيضاً أن هناك 520 “مقاتلاً محتملاً” على الأقل في ألمانيا وحدها، ووصف كيف أن بعض المقاتلين كانوا جزءا من “الفرق الضاربة” التي تتسلل بموجب أوامر من قادة “داعش”.
وأضاف أن ثمة آخرين هم “ذئاب منفردة”، والذين إما تم تجنيدهم على الطريق أو بمجرد دخولهم إلى المخيمات. وما يزال آخرون يذهبون إلى الشرق الأوسط للتدرب ثم يعودون لتنفيذ هجمات”. و”يعمل بعض الناشطين الإرهابيين من تلقاء أنفسهم ويستلهم آخرون الهجمات الأخرى تلقائياً، ثم هناك العائدون من مناطق الأزمات”.
يتكون أكثر قليلاً من 28 في المائة من أصل المهاجرين الذين يبلغ عددهم 298.099 مهاجراً ولاجئاً ممن وصلوا إلى أوروبا عبر البحر منذ بداية هذا العام من القادمين من سورية، وفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. أما الآخرون، فيأتون من مناطق تشهد المشاكل، مثل أفغانستان والعراق ونيجيريا وأريتريا. وهناك فلسطينيون وسودانيون وجنسيات أخرى بين الخليط أيضاً. ومن العدد الإجمالي، ثمة 54 في المائة من الرجال والبقية من النساء والأطفال.
لطالما حذرت منظمة دوريات الحدود في أوروبا “فرونتكس” والتي تسير دوريات في البحر الأبيض المتوسط مع البحرية الإيطالية ومنظمات إنقاذ خاصة، من أن الإرهابيين يجدون ركوباً سهلاً مع اللاجئين الشرعيين، وهو ما دفعها إلى المجادلة ضد عمليات الإنقاذ مثل عملية “مير نوسترام” الإيطالية، وبقية العمليات الجارية راهناً، والتي تقول المنظمة إنها تشكل “عامل إعاقة”، وتقول “فرونتكس” أن الرادع الوحيد يكمن في إعادة القوارب من حيث أتت.
وكانت منظمة “فرونتكس” قد قالت في تقريرها لتحليل المخاطر للعام 2016: “لقد أظهرت هجمات باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2015 بوضوح أن من الممكن استخدام تدفقات الهجرة غير المنظمة من جانب الإرهابيين لدخول الاتحاد الأوروبي”. وأضاف التقرير أن “اثنين من الإرهابيين الذين شاركوا في الهجمات كانا في السابق قد دخلا بشكل غير شرعي عبر ليروس، وسجلا لدى السلطات اليونانية. وقد قدما وثائق سورية مزورة للإسراع في عملية تسجيلهما”.
لا عجب إذن أن تظل أوروبا منقسمة حول كيفية حماية نفسها وإنقاذ أرواح المهاجرين في البحر وتقديم مساعدات إنسانية للذين هم في حاجة إليها.
ويقول دي ميزير: “من الخطأ وضع اللاجئين تحت الشك العام. لكن الحقيقة هي أن لدينا لاجئين يأتون إلى هنا كإرهابيين محتملين أو متعاطفين”. أما الآخرون فيستحقون التعاطف المشروع بطبيعة الحال.
لكن الجزء الصعب يكمن تحديد الفرق بينما تتم حماية الناس في مجموعة، وحماية أوروبا من أولئك الذين في المجموعة الأخرى.
باربي لاتزا ناديا
صحيفة الغد