ولم يعد غريبا ظهور إعلانات ولافتات كبيرة في بعض المناطق تعلن فيها مليشيات مسلحة فتح باب التطوع للدفاع عن “المقدسات” في سوريا وتوزيع استمارات بهذا الخصوص، وتستقطب هذه الإعلانات القاصرين من أبناء الأسر الفقيرة والعاطلين عن العمل، لا سيما من الذين يعتبرون الأمر “واجبا شرعيا” وقتالا تحت رايات دينية تحمل شعارات “الدفاع عن العقيدة وحماية المراقد والمقدسات”، على حد وصفهم.
ويقول رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي أرشد الصالحي للجزيرة نت إن الدستور والقوانين العراقية تمنع اشتراك الأطفال دون السن القانونية في الحروب والصراعات المسلحة، “ولا نحتاج إلى تشريعات جديدة لمنع ذلك”.
لكن الصالحي أضاف رغم ذلك فإنه “لا يمكن منع من يتطوع للذهاب إلى هناك بدوافع دينية وعاطفية”.
صمت مطبق
ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية لعدد القصّر العراقيين الذين يقاتلون مع المليشيات المسلحة في سوريا فإن تقديرات لمنظمات حقوقية وإنسانية تشير إلى أن الرقم قد يقترب من أربعة آلاف ممن هم دون السن القانونية.
وتلقي عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان بشرى العبيدي باللائمة على الحكومة في سكوتها عن زج الأطفال العراقيين ممن هم دون سن الـ18 في معارك داخل العراق وخارجه، وتضيف للجزيرة نت أن الحكومة بيدها منع ذلك لكنها لم تصدر حتى الآن قرارات بهذا الخصوص، كما أن مجلس النواب لم يشرع قوانين تجرم هذا الفعل، ولا توجد أسباب منطقية لهذا الامتناع غير المبرر على حد قولها.
ووفقا للعبيدي فإن هناك جهات تستقبل هؤلاء الأطفال تضمهم إلى مجموعات مسلحة تدفعهم إلى أتون المعارك في العراق وسوريا، رغم أن “فتاوى المرجعية الدينية تمنع ذلك”، لكن بعض المليشيات تستغل فتاوى “غير موثقة ولا تسند إلى جهات معروفة” لحث الأهالي على إرسال أبنائهم إلى هناك، معتبرة أن الدافع الرئيسي لذلك هو العامل الديني الذي يجري استثماره وتوظيفه من قبل بعض الأشخاص إضافة إلى أسباب أخرى.
وتضيف الحقوقية العراقية أن ذلك يجري رغم مصادقة بغداد عام 2007 على البروتوكول الخاص بمنع إشراك الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة وحمايتهم منها، مطالبة بمعاقبة كل من يقوم بذلك.
استغلال الفقر
ويتهم ناشطون عراقيون مليشيات مسلحة بإرسال هؤلاء القاصرين إلى معسكرات في إيران وتعبئتهم نفسيا وتدريبهم هناك قبل التوجه إلى سوريا، كما يقول الصحفي والمحلل السياسي عمر الجمال، الذي يعتبر أن ما يجري “يحدث بعلم كامل من قبل الحكومة، بل وربما بتواطئها في ذلك، بسبب خضوعها للنفوذ الإيراني وهيمنة بعض الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة عليها”.
ويشير الجمال إلى أن من أبرز المليشيات التي تجند القاصرين هي حركة النجباء ولواء أبي الفضل العباس وعصائب أهل الحق وغيرها، حيث تستغل هذه المجاميع المسلحة حالة الفقر المدقع والجهل والأمية التي تعانيها بعض المناطق في وسط وجنوب العراق وتعمل على استقطاب هذه الشريحة عن طريق منح أسرهم مبالغ مالية كبيرة وتسهيلات وظيفية في دوائر الدولة.
ويؤكد الصحفي العراقي أن هذه المغريات تدفع بالكثيرين إلى إرسال أبنائهم إلى ساحات القتال رغم حجم الخسائر الكبيرة التي تقع في صفوف أبنائهم، حيث تستقبل مقبرة وادي السلام في النجف عشرات الجثث القادمة من سوريا شهريا، والتي يعود كثير منها لمقاتلين لم يبلغوا السن القانونية.