جزء مهم من مشكلة كلينتون، أنها لا تحظى بتعاطف نسبة عالية من الأميركيين، يعتقدون أنها شديدة الكبرياء والغطرسة، رغم اعترافهم بقدراتها السياسية الفائقة، لكن ما من شك أن كلينتون التي كانت دائماً شديدة الحرص على أن تقدم نفسها للناخب الأميركي، باعتبارها شخصية رصينة تحظى باحترام دولي، وتحرص دائماً على أن تظهر في صورة لائقة، ارتكبت خطأ جسيماً، عندما هبطت في حوارها مع ترامب إلى نفس مستواه، وهي تهاجم جمهور ناخبيه بقسوة بالغة، وفي تعميم خاطئ، وتعتبرهم مجرد بائسين وعنصريين، منحازين ضد المرأة والمثلليين، ويكرهون الأجانب والإسلام، ويستعصون على العلاج، ولحسن الحظ أنهم لا يمثلون الولايات المتحدة!
أمعنت هيلاري في إهانة جمهور ترامب إلى حد عنصري الامر الذي احدث ضررا بالغا بصورتها،وهبط بالحملة الانتخابية كلها إلى وضع مهين، زاد من إحباط الأميركيين، لكن ما من شك أيضاً، أن تقرير الأمن الفيدرالي الذي اتهم كلينتون بالتسيب واللامبالاة وعدم الانتباه لخطورة بريدها الإلكتروني، الذي اختزنت داخله كثيراً من وثائق الخارجية الأميركية والمعلومات الحساسة، أحدث ضراراً بالغاً بموقف كلينتون الانتخابي، رغم أن الأمن الفيدرالي برأ ساحتها من أي اتهامات جنائية، واكتفي بنشر مجموعة من الوثائق تكشف طبيعة علاقاتها بعدد من كبار الماليين الذين اعتادوا التبرع لمؤسسة كلينتون الخيرية.
ظهر للرأي العام الأميركي بعد ذلك، أنها أصيبت بثلاث جلطات في ساقها على امتداد السنوات العشر الأخيرة، وتعاني من ضعف في سيولة الدم، واضطراب في الضغط، دخلت بسببهما المستشفي مرتين، بما زاد من إحساس الرأي العام الأميركي، بأنها غير جديرة بالثقة، ولا تتمتع بالشفافية الكاملة.. ولهذه الأسباب، هبطت نسب التأييد لها في غضون أسابيع، بل في غضون أيام معدودات، ليتقلص الفارق بينها وبين ترامب إلى حدود 4 % فقط، يعتقد المراقبون أنها يمكن أن تهبط درجة أخرى أو درجتين في الأسابيع القادمة، وبالرغم من أن كلينتون تبلغ 68 عاماً من عمرها، بينما يتجاوز ترامب 70 عاماً، ليصبح أكبر المرشحين للرئاسة الأميركية سناً، وربما لو نجح، يصبح الرئيس الأميركي الأكبر سناً في تاريخ الولايات المتحدة، لم يفوت ترامب الفرصة، وشن حملة ضارية على كلينتون، يتهمها بالضعف وعدم القدرة على القيام بأعباء منصب الرئيس، لتصبح قضية (صحة هيلاري)، القضية الرئيسة لحملة انتخابات الرئاسة الأميركية، قبل ثمانية أسابيع من موعد الذهاب إلى صناديق الانتخاب.
ومع ذلك، فإن أغلب المراقبين يعتقدون أن كلينتون هي الأكثر فرصة في النجاح، لقلق الناخبين الأميركيين الشديد من شخصية ترامب، فضلاً عن تفوق كلينتون في كافة استطلاعات الرأي العام على ترامب في قضايا الاقتصاد والإرهاب والهجرة.
وبينما تأمل كلينتون في أن تجر ترامب إلى منطقة حرجة من الحوار، يظهر فيها أمام الناخب الأميركي منفلتاً عصبياً، بما يؤكد عدم صلاحيته لأن يكون رئيساً للولايات المتحدة، يخطط ترامب لتوسيع أزمة الثقة بين كلينتون والرأي العام الأميركي، بالتركيز على تسيبها وعدم مبالاتها، وانعدام جدارتها في الحفاظ على أسرار الدولة، وغياب شفافيتها، بسبب تلكؤها في الكشف عن حقيقة مرضها. وما يهمنا في القصة بكاملها، في ظل غموض نهايتها وصعوبة التنبؤ بمن الذي سوف يحكم البيت الأبيض يقيناً، هيلاري أم ترامب، هو على وجه التحديد، كيف سيتعامل كل منهما مع مصر والشرق الأوسط؟!
وابتداء، يصعب الثقة بالمرشح الجمهوري ترامب، ليس فقط لأنه لا يحب الإسلام والمسلمين، ويريد أن يمنع أو يقيد دخولهم إلى الولايات المتحدة!، ولكن لأنه عنصري بغيض متقلب، لا أمان له، يمثل وحشية العولمة وفجاجة موقفها من قضايا الشعوب، ويعتقد خاطئاً أن العناية الإلهية بعثته كي يعيد للولايات المتحدة التي فقدت قدرتها كقوة عظمي، وضعها القيادي، رغم جهله وقلة تجاربه السياسية، وكثرة نزواته الشخصية واندفاعه وحماقته، بما يجعلنا إزاء تركيبة إنسانية خاصة، يصعب أن تؤتمن على مسؤولية ضخمة، يتعلق بها أمن العالم وسلامه!، لكن كلينتون مهما تكن مساوئها الشخصية، باليقين، أقل خطورة من ترامب، وتملك تجربة غنية في السياسة الدولية، تجعلها أكثر قدرة على التعامل مع متغيرات عالمنا، كما تملك رؤية للشرق الأوسط، تختلف عن رؤية الرئيس أوباما، الذي يعتقد أن الشرق الأوسط استنزف أهدافه، ولم يعد يستحق أي تضحيات أميركية، بعد توافر بدائل عديدة للطاقة، تجعل العالم الآن أقل اعتماداً على البترول العربي!، بينما تعتقد كلينتون أن الشرق الأوسط، ومصر في القلب منه، سوف يبقى ملتقى طرق التجارة الدولية، وأهم موقع لوجستي عالمي تتعلق به مصالح دول العالم وأممه، تسكنه شعوب حية، تشكل جزءاً من حراك العالم السياسي ونهوضه، ويرتبط بمصيرها أمن البحر الأبيض والأحمر، والأمن الأوروبي، والأمن الدولي، يصعب إهماله في زوايا النسيان، ولا بديل عن تعزيز الحوار مع شعوبه، من أجل تحقيق أمن العالم واستقرار.
مكرم محمد أحمد
صحيفة البيان