لا يعدو التلويح الأميركي والروسي بإجراءات عسكرية في سوريا بعد توقف التنسيق المشترك بينهما سوى نوع من تسجيل النقاط واتهام الآخر بالتسبب في فشل الهدنة بسوريا، وأن واشنطن وموسكو ستجدان نفسيهما مجددا على طاولة التفاوض.
وأعلنت الخارجية الأميركية أن واشنطن تدرس الخيارات “الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية والاقتصادية” المتاحة للتعامل مع الأزمة في سوريا، وذلك في سياق سلسلة من التصريحات والمواقف الأميركية احتجاجا على اجتياح روسيا وقوات الرئيس السوري بشار الأسد لمدينة حلب.
وأعلنت قيادة الجيش السوري أن تراجع القصف في حلب يهدف إلى المساعدة في خروج من يرغب من المواطنين في اتجاه المناطق الآمنة.
وقال المتحدث باسم الخارجية مارك تونر إن مديري الوكالات الأميركية المتخصصة في مسائل الأمن والسياسة الخارجية سيجتمعون لإعداد قائمة للرئيس باراك أوباما بكل الخيارات الممكنة للتعامل مع الأزمة السورية، ومن بينها الخيار العسكري.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست عن أن الخيارات الأميركية قد تشمل غارات على مدارج القوات الجوية السورية باستخدام صواريخ كروز وغيرها من الأسلحة بعيدة المدى، تطلق من طائرات وسفن تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وتضغط دوائر أميركية مختلفة على إدارة أوباما للتحرك لمنع تراجع مهين للولايات المتحدة أمام إصرار روسيا على فرض الأمر الواقع بالقوة. وتحولت سوريا إلى نقطة أساسية في الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة ونوابهم.
ودعا المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس الأميركي مايك بنس خلال مناظرة تلفزيونية مع خصمه الديمقراطي تيم كاين الثلاثاء إلى توجيه ضربات للنظام السوري لفك الحصار عن مدينة حلب.
وأعلنت وسائل إعلام محلية أن وزارة الدفاع الروسية احتاطت لاحتمال انسحاب واشنطن من المحادثات حول سوريا، فوضعت خطة احتياطية مضادة للخطة “ب” الأميركية، طبقا لما ذكرته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
ونقلت صحيفة “أزفستيا” الروسية عن مصدر عسكري دبلوماسي رفيع المستوى قوله “تم وضع خطة لاتخاذ جملة من الإجراءات العسكرية والسياسية في حال انسحاب الولايات المتحدة من المباحثات وتحوّلها لتنفيذ ما يسمى بالخطة “ب” التي تتضمن إمكانية زيادة الدعم للمعارضة المسلحة السورية.
وكشف فرانتس كلينتسيفيتش، النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد (الغرفة العليا للبرلمان الروسي) قائلا “إننا نستطيع أن نزيد الدعم الناري للقوات المسلحة السورية إلى حد كبير عند الضرورة”.
وأعلنت روسيا الأربعاء أنها أرسلت سفينتين حربيتين للانضمام إلى قواتها في المتوسط، وذلك بعد يوم من إعلانها نشر أنظمة دفاع جوي من نوع أس-300 في طرطوس بشمال غرب سوريا، حيث تملك منشآت بحرية عسكرية.
وتساءل البنتاغون عن العدو الذي تريد موسكو أن تحمي نفسها منه بواسطة صواريخ أس-300.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بيتر كوك إن المتطرفين الذين تقول روسيا إنها تقاتلهم في سوريا مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام (النصرة سابقا) “ليست لديهم طائرات”.
ووجه كوك تحذيرا مبطنا إلى روسيا من مغبة استخدام هذه الصواريخ ضد الطائرات الأميركية. وقال “فليكن واضحا للروس ولكل من يتحرك في سوريا أننا نأخذ سلامة طيارينا على الكثير من محمل الجد”.
وترى أوساط في واشنطن أن إدارة أوباما حاولت عدم الانخراط في الصراع السوري من خلال رعاية الجهد الروسي في الميدان السوري، وأنها عملت لدى المعارضة السورية على تسهيل الخيارات الروسية.
لكن هذه الأوساط تستنتج أن موسكو رأت في المقاربة الأميركية ضعفا بالإمكان البناء عليه لتحقيق إنجازات قصوى تفرض رؤى روسيا في حسم عسكري للمسألة السورية، فيما كان هدف الإدارة تجميد الجبهات ونقل الملف إلى الإدارة المقبلة.
وتعتقد مراجع من وزارة الخارجية الأميركية أن موسكو لاحظت الخلاف بين البنتاغون والخارجية فعملت على دفع الأمور العسكرية إلى أقصاها في حلب سعيا إلى إسقاط المدينة وفرض أمر واقع غير متفق عليه في اتفاق الهدنة بين لافروف وكيري.
وتعتقد هذه المراجع أن الولايات المتحدة، كمؤسسات، لم تعد تحتمل الاستهانة بهيبتها ومكانتها، بما يجعل الخيارات العسكرية الأميركية واردة وربما ضرورية.
ويأمل البعض من المراقبين أن يسحب فتيل الأزمة من خلال مبادرات مفاجئة لكن البعض من الأوساط تخشى من أن يكون توجيه ضربات عسكرية أميركية إلى مواقع في سوريا ممرا إلزاميا لأي تفاهمات محتملة بين واشنطن وموسكو.