منذ ان تولى حيدر العبادي رئاسة الوزراء في العراق قبل اربعة اشهر لم يشعر اهله حتى الان باي تغيير في نمط ادارة الحكم والتعامل مع الازمات والتحديات التي تواجه العراقفهم يرون ان اسلوب رئيس الوزراء السايق نوري المالكي مازال مسيطرا على الوضع في العراق تماما.
ويبدو ذلك للمتابع لحركة رئيس وزراء الحكومة العراقية حيدر العبادي ونشاطه وطبيعة ادارته للازمة التي يمر بها العراق بعد انخفاض اسعار البترول في اسواق العالمية واستمرار حالة المواجهة العسكرية مع مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في المناطق التي سيطر عليها وانعدام حالة الامن والاستقرار في بغداد واستمرار عمليات التفجير والقتل وفقدان الرؤية الواضحة للتعامل مع طموحات الشعب العراقي واماله وضعف حال الاتفاق السياسي وتلاشيها مع الكتل النيابية وتأخير تمرير ميزانية العراق المالية, ما رافقها من انعدام لمظاهر الخدمات الصحية و التعليمية عدا عن اسباب البطالة و الفقر والعوز و الحاجة, واستمرار نهب الاموال والمسارعة في اهدار ثروات البلاد.
أمام هذه الحالات, والصور المأساوية للوضع العراقي لم يستطع العبادي معالجة اي منها بل استمر في سياسة سلفه المالكي في الابقاء على طبيعة النظام الحاكم وادارة الدولة بذات الصيغ و الاتجاهات التي كانت سائدة في زمن المالكي, رغم انه تميز بترحيب جميع الدوائر السياسية العالمية و العربية بتسلمه السلطة ومسارعة جميع الدول ومنها الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي وبعض الانظمة العربية بمباركة تسلمه مسؤوليات الحكم في بغداد.
وبقراءة متأنية وواضحة لما قام به العبادي في 120 يوما مرت على تسلمه لمهامه حكوميا يمكن ان نشخص الاتي:
- استمرار حالة المبادأة بيد مقاتلي “داعش” بشن الهجومات على المحاور القتالية في المدن العراقية الرئيسية التي تقع ضمن دائرة سيطرة “داعش”, رغم استمرار القصف الجوي بقيادة التحالف الدولي.
- ضعف امكانية وجاهزية الجيش العراقي وافتقاره لابسط مستلزمات التدريب العسكرية ومواجهة مسلحي “داعش”, مع عدم امكانية اعادة هيكلة الجيش بسب حالات الفساد التي ما زالت مستمرة رغم تصريحات العبادي انه اعتمد صيغا جديدة لتأهيل الجيش العراقي.
- رغم ان العبادي استطاع كشف حالات ما اطلق عليه ( الجيش الفضائي ) بوجود اكثر من 50 الف جندي فضائي كلفوا ميزانية العراق اكثر من 3 مليارات دولار سنويا, وقيامه بتسريح عدد من القيادات العسكرية الميدانية واحالتها للتقاعد او اعفائها من مسؤولياتها لكنه الى حد الان لم يتمكن من انهاء حالات الفساد في المؤسسات العسكرية.
- اتبع سياسة المالكي في التحكم بالقرارات السياسية و العسكرية في البلاد, وانشأ قيادة قوات مشتركة ترتبط بها وزارات الداخلية والدفاع و الامن الوطني ومديريات الاستخبارات الجوية و البرية و باقي الاجهزة الامنية العراقية وبمسؤولية الفريق اول ركن طالب شغاتي قائد مكافحة الارهاب في العراق وهو من العناصر القريبة من قيادات حزب الدعوة، وجعلها ترتبط به مباشرة مما يعني عمليا ان العبادي اصبح القائد الفعلي لجميع صنوف مؤسسات الدولة الامنية و العسكرية وبالتالي اصبح يهيمن على مقاليد السلطة في العراق.
- التباطؤ في اصدار قانون الحرس الوطني الذي يعني عدم امكانية مشاركة العشائر العربية السنية في الدفاع عن اراضيها واهلها واستمرار سيطرة داعش على تلك المناطق والتحكم بمصيرها, رغم الوعود والمواثيق التي طرحها منذ تسلمه الوزارة من كونه عازم على الاسراع في تشكيل واقرار قانون الحرس الوطني الذي يضمن مشاركة فعلية لجميع اطياف الشعب العراقي ومنهم السنة العرب.
- استمرت حالات المداهمة و الاعتقالات لأبناء السنة في بغداد وباقي محافظات العراق التي تشهد وجودا لهذا المكون او التي يتمكن الجيش وبمساعدة المليشيات الطائفية من اخراج مقاتلي داعش منها كما حدث في مناطق (جرف الصخر و السعدية وجولاء وبيجي) وعدم اطلاق سراح السجناء والمعتقلين الذين مضى على اعتقالهم فترة طويلة وعدم جديته في تنفيذ وعوده بالمصالحة الوطنية.
- لم يجد اي حلول جذرية للمشكلة الاقتصادية القائمة الان في العراق والمتعلقة بانخفاض اسعار النفط بسب سوء الادارة والرؤية الاقتصادية حيث قدم مشروع الميزانية المالية للبرلمان العراقي وبعجز مالي يقدر ب 30 مليار دولار.
- لم يعطي مفردة (الفساد) اهتماما واسعا في برنامج عمله رغم تأكيداته وتصريحاته المستمرة الا انه لم يتمكن الا من اخراج عدد من القيادات الامنية والعسكرية في وزراتي الداخلية والدفاع ليعطي انطباع للاخرين انه جاد في مكافحة الفساد في حين تغاضى عن الفساد في باقي الوزرات الخدمية والاقتصادية كوزرات الكهرباء والصناعة والتجارة.
- اخفق في معالجة معاناة اللاجئين و النازحين داخل العراق ولم تقدم حكومته اي مساعدات جدية للإسهام في تخفيف المعاناة عنهم بل انها شرعت في مطالبة المنظمات الدولية والانسانية بتقديم المساعدات للنازحين وكأنهم ليسوا ابناء البلد وواجهوا الحكومة العراقية رعايتهم والاهتمام بهم .
- استمرار التواجد والنفوذ الايراني في العراق في الوقت الذي يصرح به العبادي الى انه لا يحتاج الى قوات دولية او برية اجنبية لمعالجة الوضع الامني في العراق , بل باستمرار الدعم العسكري وتزويد بغداد في المعدات والاسلحة المتطورة , يكون قاسم سليماني قد مارس ابشع صور التطهير العرقي والمذهبي في المدن العراقية التي تشهد نزاعا عسكريا مع مقاتلي “داعش”
- ضعف مواجهته للتواجد المسلح للمليشيات العراقية المرتبطة بجهاز الحرس الثوري الايراني وبروز القائد المليشيا وي (ابو مهدي المهندس) ليكون بديلا عن قاسم سليماني في قيادة هذه المليشيات الطائفية التي تساهم في حرق وتهديم الممتلكات والبيوت العائدة للأهالي المناطق السنية بعد خروج مقاتلي داعش منه وبصورة طائفية مقيتة وبأساليب قمعية وحشية يندى لها الجبين.
- استمرار تدفق الاسلحة والمعدات الايرانية الى داخل العراق وبواقع (طائرتين عسكرتين يوميا) محملة بجميع ما تحتاجه المليشيات العراقية المرتبطة بإيران ما يعني استمرار حالة الاقتتال الطائفي وتمزيق النسيج الاجتماعي وعلى مرأى ومسمع من حكومة بغداد
- ان تدخل الايراني في العراق اصبح يأخذ اشكالا وامتدادات واضحة على الميدان وبمشاركة قتالية فعالة ادت الى اعتراف الحكومة الايرانية ومؤسستها الامنية و العسكرية بمقتل 550 ضابطا وجنديا ايرانيا على ارض العراق منذ احداث 9 من حزيران 2014 وسيطرة داعش على مدينة الموصل العراقية وباقي مدن واقضية العراق .
- تباطء حكومة العبادي في تنفيذ بنود الورقة السياسية التي شهدت اتفاقا سياسيا لجميع الكتل النيابية في كيفية ادارة شؤون العراق وتحقيق الموازنة والمشاركة السياسية الفعالة, وتنفيذ بنود المصالحة الوطنية والتي اشارت عليها الادارة الامريكية بامتعاض في عدم تمسك العبادي وايفائه بوعوده وتعهداته مما اثار استياء اصحاب القرار السياسي الامريكي.
والسؤال هنا: لا زلنا نقول النظام السياسي في العراق بحاجة الى اصلاحات جذرية رصينة وحقيقية بعيدا عن المصالح الذاتية والخلافات السياسية ,فهل ستتمكن حكومة العبادي من اتمام برنامجها السياسي و الاقتصادي والاجتماعي ام سنرى عراقا ممزقا ضعيفا تسوده الانقسامات وتتحكم به السياسات الاقليمية و الدولية؟؟
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية