في متنزه مشذب أنيق للتكنولوجيا خارج طهران، يتنافس صانعو الطائرات من دون طيار على الجوائز النقدية. لكن المسابقة سعت إلى منح أعضاء الفرق المشاركة الأمل في مستقبل إيران
* * *
هبطت فرق بناء الطائرات من دون طيارالـ26 في متنزه التكنولوجيا الأنيق الذي يقع على بعد 15 ميلاً إلى الشرق من طهران، ممتلئة بالحماس المتأجج لتلاميذ المدرسة الذين يستعدون للمشاركة في أولمبياد العلوم.
كان التحدي الماثل أمامهم، في مسابقة أقيمت تحت رعاية شركة “ديجيكالا” سريعة النمو ونسخة إيران من شركة أمازون “الأميركية”، هو صنع أفضل طائرة من دون طيار لتسليم البضائع.
وبالنسبة لبناة الطائرة من دون طيار، فإن قيمة الجائزة في ذلك اليوم في متنزه بارديس تكنولوجي، نسخة إيران من وادي السليكون، بلغت 50 مليون تومان، أوي حوالي 14.300 دولار. لكن الهدف بالنسبة لإيران هو أكبر بكثير: اتخاذ خطوة نحو تزويد الشباب المبدع بالأمل بأن لهم مستقبل في إيران.
جمّعت الفرق المشاركة طائراتها الصغيرة من كل شيء، بدءاً من هياكل ألياف الكربون والمراح، إلى ضوابط اللاسلكي المصنوعة يدوياً ووحدات التصوير المليئة بالأسلاك. وكان على الطائرة أن تحمل إرسالية بزنة 2 كغم (4.4 ليبرة) لمسافة 700 متر (765 ياردة) متجنبة العوائق، ثم تسقطها بلطف على واحد من أربعة أهداف عليها رسم لشاخصة السعر “كود بار”.
وكانت الضحية الوحيدة طائرة بلا طيار أطلقها مركز الروبوتات في جامعة الأمير الكبير التكنولوجية، والتي اصطدمت بأحد البالونات وسقطت. لكنها عادت وطارت خلال ساعة واحدة، وأصبحت واحدة من ثلاثة فائزين مشتركين.
تحدي الطائرة من دون طيار الذي طرحته شركة داجيكالا، التي تتعامل مع أكثر من 90 في المائة من تجارة إيران على الموقع الإلكتروني، يشبه المشكلات الفنية التي واجهتها شركات أمازون و”دي. أتش. أل” وغيرها، في إطار سعيها إلى ابتكار طرق خلاقة للإسراع في إيصال الإرساليات.
لكن منظمي المنافسة الإيرانية يقولون إن المناسبة كانت أكثر من مجرد حشد ألمع الأفكار الشابة في إيران من أجل العثور على طريقة لتجاوز الاختناقات المرورية المعروفة في طهران بأسطول من الطائرات التجارية من دون طيار المصنوعة في إيران. فقد هدفت المسابقة أيضاً إلى كبح المشكلة الأوسع المتمثلة في هجرة العقول، بينما يناضل حشد ضخم من خريجي الجامعات الإيرانيين للعثور على وظائف.
يقول باباك مقدم، رئيس قسم الابتكار في ديجيكالا، بينما تقوم الفرق بتجميع أجزاء طائراتها من دون طيار: “الهدف الرئيسي من المسابقة هو الاعتراف بالإمكانية العالية لدى الشباب هنا. الكثير منهم يغادرون البلد”.
وهو أحد الأسباب التي تجعل الفرق الفائزة الثلاثة -فريقان من الجامعات وواحد لمشروع ناشئ لصناعة الطائرات بلا طيار- تضم قواها معاً في فريق واحد باسم “الفريق الذهبي” لديجيكالا، الذي يباشر العمل المخبري في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
خسارة “العقول المتعلمة”
بينما تركز أمازون و”دي. أتش. أل” على صناعة طائرة من دون طيار بيد كوادرها الخاصة، اختارت شركة ديجيكالا نموذجاً مختلفاً مستنداً إلى ما تدعوه “الابتكار مفتوح والاستفادة من المصادر الخارجية” لتجميع المواهب الخلاقة.
ويقول رضا كالانتارينيجاد، عضو هيئة تحكيم المسابقة ومؤسس شيزان، شركة التكنولوجيا حيوية وتكنولوجيا النانو: “المسابقة تساعد حقاً. لكننا نحتاج إلى الكثير من هذه المنافسات والمزيد من الاستثمار لمساعدة الناس على التفكير بالعيش في إيران”.
ويضيف: “إنها فرصة، وهي تساعد الناس على الإيمان بمستقبل إيران وبالتكنولوجيا الفائقة. هذا التطور التقني يساعد في إبقاء الناس هنا”.
يلقى أي شيء يخفف من حدة هجرة العقول الإيرانية الترحيب من جانب المسؤولين الإيرانيين الذين كافحوا من أجل التوصل إلى حلول لهذه الظاهرة. وكان وزير العلوم والأبحاث والتكنولوجيا الإيراني السابق، رضا فرجيدانا، قد قدر عدد “الأدمغة المتعلمة” التي تغادر البلد في كل عام عند 150.000، وأن الكلفة التي تتحملها إيران نتيجة هجرة الأدمغة تبلغ عشرات المليارات من الدولارات سنوياً.
وكانت أشارت إحصاءات رسمية في العام 2012 قد أشارت إلى أن 64 في المائة من الفائزين في أولمبياد العلوم الدولي في إيران في الأعوام الأربعة عشر الماضية قد غادروا البلد. وقال مصدر رسمي آخر في ذلك العام إن 90 من أصل 125 فائزاً بالجائزة بين الأعوام 2008 و2011 قد هاجروا إلى الولايات المتحدة.
كما تحدث حميد ميرزادة، رئيس جامعة أزاد الإسلامية، عن هذه المشكلة في العام 2014، وقال: “سوف تؤدي هذه المشكلة إلى جعل إيران أمة خالية من الجينات الذكية”.
قصة نجاح ديجيكالا
إحدى الطرق التي تحاول الحكومة بها كبح تسرب العقول الإيرانية هي دعم المشاريع مثل متنزه بارديس التكنولوجي، الذي يهدف إلى تغذية التكنولوجيا الفائقة والمشاريع المنطلقة. ويضم المجمع الذي نحت من الصحراء على الطريق السريع شوارع بأسماء مثل “الابتكار”. ورئيس مجلس أمنائه هو نائب الرئيس الإيراني، ويضم المجلس نائب الرئيس للعلوم والأبحاث.
وبعد استثمار خاص أولي، والذي أتاح المجال أمام نحو 250 شركة تركز على العلوم، هناك توسع قيد العمل، والذي يأمل المسؤولون في أن يخلق في نهاية المطاف 5000 وظيفة جديدة.
ومن بين قصص النجاح التي يحبون سردها قصة شركة ديجيكالا التي شهدت نمواً مذهلاً؛ حيث قفز الاستخدام فيها من 250 موظفا إلى أكثر من 1900 موظف في العامين الماضيين وحدهما.
وتبيع ديجيكالا أكثر من 100.000 صنف على الإنترنت لما يتراوح بين 1.4 مليون و1.7 مليون زائر فريد في كل يوم. لكن التحديات التي تعترض إيصال المشتريات للزبائن في الوقت الوقت الحقيقي هي مشاكل فنية -ومحفوفة بالقيود الأمنية.
فحتى تتم الموافقة على المسابقة، تطلب الأمر عقد اجتماعات موسعة مع مسؤولين مدنيين وأمنيين في إيران على حد سواء، والذين كانوا قلقين من وجود طائرات بلا طيار في الجو لا يتحكمون بها.
ويقول السيد مقدم من ديجيكالا: “هذه هي الخطوة الأولى وحسب. أمامنا طريق طويل لقطعه… نحتاج إلى إقناع الحكومة والشرطة بأن هذه الطائرات لا تشكل تهديداً وإنما أداة لإرضاء الزبون”.
مستعدون للمستقبل
أفضل غنائم إيران من الطائرات من دون طيار كان الاستيلاء على الطائرة الأميركية من دون طيار من طراز (آر. كيو-170 ستيلث) سليمة بينما كانت تقوم بمهمة تجسس فوق إيران في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2011. وبينما كان يعلن عن المنجزات العسكرية الجديدة في مجال الطائرات من دون طيار في منتصف أيلول (سبتمبر)، قال رئيس الأركان الإيراني إن الطائرات من دون طيار هي “العيون الحاذقة والأسلحة بعيدة الوصول” لقواته. وفي آب (أغسطس)، عرضت إيران طائرة جديدة من دون طيار قالت إنها قد صُممت “لعمليات التشويش والخداع”.
هذه الخبرة لجيش إيران -بالإضافة إلى إطلاق طائرات من دون طيار للاستطلاع في سورية والعراق وميادين معارك أخرى- جعلت من إطلاق طائرات تجارية من دون طيار في البلد شأناً منطوياً على تحدٍ من نوع خاص.
ويقول مقدم: “للحكومة وجهان: إنها تريد أن تتبع هذه الاتجاهات وتظهر أن إيران هي دولة حديثة، ولكنها تريد أيضاً أن تكون حذرة لمسوغات أمنية وأسباب تتعلق بالسلامة. وفي النهاية، يجب علينا أن لا نحارب التكنولوجيا، وإنما يجب أن نستخدمها… يجب أن نكون مستعدين للمستقبل”.
كان هذا بالضبط هو ما هدفت إليه الفرق المشاركة في مسابقة بناء الطائرة من دون طيار عندما أعدت مخلوقاتها للطيران.
بينما يعبث بطائرته من دون طيار ذات الست مراوح، شرح مصطفى مفرح من فريق فالكون لطائرات التوزيع من دون طيار، أن تحسين زمن الطيران وتعزيز الحمل هما من أولويات الفريق.
وعندما أقلعت طائرته، أعرب فرزاد أحمدي نجادر -وهو مهندس كهربائي وخريج جامعة الأمير الكبير- عن قلقه من نظام الكمبيوتر والرؤية في الطائرة، الذي يهدف إلى منع التصادم.
ويقول مهران أحمدي، أحد منظمي مسابقة ديجيلاكا وذو الخلفية في الروبوتات: “لدينا اتجاه في بلدنا. إننا نقول للناس: ‘تستطيع أنت أن تفعل هذا’، لكننا نُظهر أنك تستطيع. إننا نريد أن يبقى الناس في البلد ويحلوا المشاكل، ويفكروا: ‘إذا كنا نستطيع حل هذه المشكلة، فإننا نستطيع حل المشاكل الأخرى’”.
سكوت بيترسون
صحيفة الغد