لم يعد ممكنا على طهران “المنفتحة” على الغرب والمتورطة في أزمات المنطقة أن تمارس سياسة التعتيم على ما يجري داخل الأراضي الإيرانية الممتدة على مساحة 1648 ألف كم²، ضمن نطاق جغرافي تكثر فيه ظاهرة الأقليات العرقية والهويات المتداخلة. فخلف صورة الهدوء والسلم الداخليين التي كان يروج لها النظام الإيراني، تشتعل نيران إحساس أغلبية الأقليات بالظلم والتمييز مقارنة بأقلية الفرس، الحاكمة.
لكن، يد الحرس الثوري الطولى لم تعد قادرة على إخراس أصوات هذه الأقليات التي بدأت تعلو وتسجّل حضورها في المحافل الدولية. وفي محاولة لاستعادة حقوقها، تنادي هذه المكونات اللا فارسية باستقلالية القرار عن النظام الفارسي، ولذلك عقد عدد من ممثلي أغلب القوميات في إيران أول منتدى أوروبي لهم في العاصمة البريطانية وأصدروا “إعلان لندن”.
وطالب الموقّعون على “إعلان لندن” بدعم نضال الشعوب غير الفارسية في إيران، وحقها في تقرير المصير، ووقف الإعدامات والانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان الأساسية وأن يكون للدول الست الكبرى، خاصة الاتحاد الأوروبي وأميركا، دور أكبر في مجلس حقوق الإنسان والضغط على المفوض السامي لحقوق الإنسان في محاسبة النظام الإيراني على انتهاكاته؛ وتحويل ملف انتهاكات النظام الإيراني وتمويله للإرهاب ومصادرة حقوق الشعوب غير الفارسية إلى مجلس الأمن.
أزمة في الأحواز
قال فيصل مرمضي، أمين عام المبادرة العربية الشعبية لمواجهة عدوان النظام الإيراني، إن “سلطات النظام الإيراني تمارس جرائم بحق الشعوب غير الفارسية مثل شعب أذربيجان الجنوبية والشعب البلوشي وشعب تركمنستان الجنوبية والشعب الكردي”. ودلّل على هذه الممارسات متحدّثا عن تقصير الدولة الإيرانية في تقديم الخدمات الضرورية لهذه المناطق، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والبيئة، وعن سياسات مصادرة الأراضي، خصوصا في المناطق الأحوازية.
وتطرّق إلى أزمة مياه نهر كارون التي يتم نقلها إلى هضبة فارس فيما تبقى أراضي المنطقة المحيطة بالنهر تواجه الموت عطشا، فيما يشهد النهر تراجعا في منسوب مياهه، وقد ينتهي به الوضع جافا كحال باقي الأنهار الأحوازية وأهوار الحويزة والفلاحية، وكحال بحيرة أرومية في أذربيجان الجنوبية التي أصبحت إحدى بؤر التلوث نتيجة تجفيفها.
ويضيف مرمضي لـ”العرب”، أن “رواتب موظفي الدولة بدأت تتأخر بالوصول إلى مستحقيها، والمساعدات الاجتماعية النقدية التي أقرت منذ بضع سنوات بدأت تشطب من سجلاتها ملايين العائلات (في حين أنها كانت ترضية مقابل رفع الدعم عن المحروقات والتي واصلت صعودها الجنوني لأكثر من 1000 بالمئة خلال سنوات قليلة)“.
ويؤكد مرمضي أن الخنق الشعبي العام زاد وزادت معه وتيرة المقاومة الشعبية الموجهة للنظام في طهران؛ بعد أن طفح الكيل من ارتفاع عمليات الإعدام في حق أبناء الشعوب غير الفارسية وضد الطائفة السنية على وجه الخصوص.
ويبين تصاعد الاضطرابات العرقية المسجلة في إيران ضد القوميات غير الفارسية، بأنها تعيش فعلا أزمة كبرى مع أقليتها المختلفة، وأبرزهم عرب الأحواز الذين تقطن أغلبيتهم أحياء شعبية فقيرة ومكتظة، لتلقي بالمزيد من التعقيد والأعباء على كافة أركان النظام.
ويقول نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازي علي أبوخلود، إنه “يجب كشف جرائم الدولة الفارسية التي مارست كل أساليب القمع وسياسة التطهير العرقي منذ أن احتلت الأحواز في العشرين من أبريل 1925 لكنها فشلت فشلا ذريعا في تركيع الشعب العربي الأحوازي وفرض الأمر الواقع”.
ويضيف “بعد مرور 91 عاما على الاحتلال الفارسي نزداد عزما ونسير بخطوات ثابتة نحو الانتصار المؤكد واستعادة الأحواز دولة حرة عربية مستقلة”.
وأوضح نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية أن “التوسع الإيراني لا ينتهي بتغيير مسؤوليين أو نظام ولا يقتصر على دولة دون غيرها من الدول العربية، بل هو نهج نابع من عقلية ونظرة فارسية عنصرية استعلائية إلى شعوب المنطقة وخاصة العرب”.
لا يختلف الوضع في الأحواز عن بلوشستان، حيث يقول مدير حملة استقلال بلوشستان في إيران، محراب سرجو، إن “شعب غرب بلوشستان، سني المذهب، لكن تحكمه إيران وفق المذهب الشيعي وتوجيهات المرشد الأعلى”.
يشدّد سرجو على أن “شعب غرب بلوشستان، ينتمي تاريخيا إلى اتحاد قبائل بلوشستان. وبالتالي فهو ليس جزءا من إيران التي غزت بلوشستان في عام 1928، وقد حرمت الدولة الفارسية، منذ ذلك الوقت، البلوش من جميع الضرورات الأساسية للعيش حياة كريمة”.
وبالتالي هناك مهمة كبيرة لنشطاء حقوق الإنسان البلوش، حسب تقدير سرجو، الذي يقول “لابد من متابعة وتوثيق عمليات الاغتيالات والإعدامات، وتحديث سجل أولئك الذين قتلوا في الشوارع من قبل قوات الأمن الإيراني في بلوشستان”.
ويؤكد سرجو أنه منذ مطلع عام 2016 حتى الآن، هناك نحو 50 شخصا قتلوا عن طريق إطلاق النار على مختلف نقاط التفتيش الأمنية. والأرقام الفعلية للأشخاص الذين قتلوا أعلى بكثير مما تم الإبلاغ عنها.
ويضيف أنه “منذ حوالي أسبوع تم شنق أربعة مواطنين من البلوش في جاسك، وقبل أسبوع واحد تم شنق سبعة أشخاص في بندر عباس، فيما أعدم مجموع أحد عشر بلوشيا في غضون أسبوعين في محافظة هرمزكان”. ويدعو الناشط البلوشي إلى مساعدة المكونات الشعبية غير الفارسية في إيران مؤكّدا “إيران قنبلة عرقية موقوتة” وأن “الأتراك والبلوش والعرب والتركمان والأذريين سوف لن يقبلوا الهيمنة الفارسية إلى الأبد”.
ثوة الأذريين
امتدت احتجاجات القوميات غير الفارسية وانتفاضاتهم ضدّ النزعة القومية الفارسية التي تطغى على تصرفات النظام الإيراني تجاه الأقليات، لتشمل الأذريين، الذين يعدون من أكبر الأقليات في البلاد، التي يرى آراز يوردسيفين ممثل الأذريين في إيران المقيم في لندن أنهم يتعرّضون لسياسة طمس هوية، منذ أن “أعلن النظام الإيراني مرتكزين للدولة هما الاعتماد على الفارسية كعرق والشيعية كدين. وذكر هذه المبادئ بشكل واضح في الدستور الإيراني، سواء في العصر البهلوي، أو الآن، في ظل حكم آيات الله”.
ويختم يوردسيفين “يهيمن النظام على البلاد تحت أسماء مختلفة مثل الباسدران والباسيج واطلاعات، تزرع الخوف والرعب في قلوب المعارضة من أي عرق ودين وجنس″، مشيرا إلى أن “هناك إدماجا قسريا من قبل الفرس لإزالة هويات الأعراق والطوائف الأخرى”.
ويضيف “نحن الأذريون يحق لنا الحصول على اعتراف بدولة لنا مستقلة عن إيران تحت اسم أذربيجان الجنوبية”.