منذ سنوات أصبح الشيعة الأتراك يحتفلون بذكرى عاشوراء بشكل علني، بل وبمباركة من نظام حزب العدالة والتنمية، والرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تبنى السنة الماضية تقليدا جديدا حين قام بتقديم وجبة محرم وحلوى عاشوراء في القصر الرئاسي، واستقبال وجهاء الطائفة العلوية، لتناول طعام الإفطار في القصر الرئاسي.
وعدّ هذا الأمر تطورا لافتا في تركيا “العلمانية”، حيث ظل إحياء مراسم عاشوراء ممنوعا على امتداد عقود، وبقي شأنا خاصا بالطائفة العلوية وبعض الطوائف الشيعية الأخرى، لكن يقول المراقبون إنه لا يمكن أن يستثني الرئيس أردوغان العلويين من مخططاته وطموحاته، نظرا لما يمثلونه من ثقل اجتماعي واقتصادي كبير في البلاد.
وفي سياق استرجاع كل ما هو عثماني، لم يفوت النظام في تركيا التقاليد العثمانية في عاشوراء، فأعاد إحياءها ليضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، يكسب العلويين ويحقق خطوة إضافية في مشروع عثمنة تركيا.
ومن أهم العادات والتقاليد التي يحافظ عليها الأتراك، تحضيرهم لحلوى خاصة جدا، تُعرف باسم “حلوى عاشوراء”، حيث يتم تبادلها بين الجيران، وتوزيعها في الأزقة والطرقات، إضافة إلى كونها وجبة رئيسية مجانية في الكثير من المطاعم.
أردوغان تبنى السنة الماضية تقليدا جديدا حين قام بتقديم وجبة محرم وحلوى عاشوراء في القصر الرئاسي
ومن العادات والتقاليد التركية في يوم عاشوراء، توزيع الحلوى بالقرب من ضريح المعماري العثماني الشهير سنان باشا بمدينة إسطنبول، تنفيذا لوصيته التي عثر عليها، حيث كان يعد حلوى عاشوراء في منزله الواقع قرب مسجد “السليمانية” في اليوم العاشر من محرم، ويوزعها على الفقراء، وتم العثور على الوصية على شكل وثيقة خطية أثناء ترميم المسجد عام 2007.
ومنذ ذلك العام وبعد العثور على الوصية، تم إرسالها فورا إلى رئيس الوزراء في ذلك الوقت رجب طيب أردوغان، حيث أعرب عن سعادته بالأمر وأكّد وفاءه بتنفيذ الوصية مادام على قيد الحياة، وأصبح الوقف يقوم بتوزيع الحلوى على الفقراء قرب ضريح سنان في العاشر من محرم لكل عام. وتتولى بلدية إسطنبول، منذ سنة 2008، بشكل رسمي، توزيع الحلوى على المواطنين في الشوارع.
كما شارك رئيس الحكومة الأسبق/الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، في حفلات إفطار دعي إليها كبرى الجمعيات والاتحادات العلوية في تركيا، في خطوة قيل حينها إن الغاية الرئيسية منها تبديد الغضب العلوي من النظام الرسمي التركي.
لكن تشير دراسة لمأمون كيوان حول تسييس المسألة العلوية في تركيا إلى أن مساعي أردوغان لم تلاق في البداية ترحيبا كبيرا من كبار العلويين، حيث تلقى أردوغان (رئيس الحكومة في ذلك الوقت) رسالة شديدة اللهجة من الاتحاد العلوي البكتاشي يتهمه فيها بالتحريض على الكراهية بين أتباع المعتقدات، وبممارسة السياسة باستخدام النزعة الإثنية والمذهبية، قائلا له إن من يكون خياره هذا لا ينتج سياسة.
وانتقدت الرسالة موقف أردوغان من المسألة العلوية، قائلة “إن حب الإمام علي لا يكفي بل يجب أن يقرن ذلك بخطوات عملية”. وانتقدت أردوغان لأنه يبقى صامتا أمام الجماهير التي يخاطبها، وتواجه بصيحات الاستنكار كلما وردت الإشارة إلى العلوية في خطاباته. وأن رفاه البلد واستقراره لا يكونان فقط بالاقتصاد بل أيضاً باستقرار البنية الاجتماعية.
وقالت إنه لا يمكن إقامة سلام أهلي دائم إذا لم يدافع التركي عن حق الكردي، والكردي عن حق التركي، والسني عن حق العلوي، والعلوي عن حق السني”.
ويقدر مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن سونر جاغابتاي نسبة العلويين من مجموعة سكان تركيا بحوالي 10 إلى 15 بالمئة.
وشكلت هذه الفئة الإسلامية الثانية، نظريا في تركيا، معارضة قوية في السابق لحزب العدالة والتنمية، حيث تصوت في العادة بأعداد هائلة لصالح حزب الشعب الجمهوري وأحزاب يسارية أخرى. ويدين العلويون بنسخة تركية للإسلام تتسم بالانفتاح وتستمد إلهامها من الصوفية.
صحيفة العرب اللندنية