دعا خليفة تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي في تسجيل لم يتم التحقق منه ظهر في نوفمبر الماضي، أتباعه إلى شن حرب ضد تركيا قائلا “لقد دخلت تركيا ضمن مجموعة عملياتكم، وأصبحت هدفا لجهادكم”، ووجههم إلى “غزوها وتحويل أمنها إلى خوف”. وجاء هذا الإعلان على خلفية قرار أنقرة، أواخر أغسطس الماضي، إرسال قواتها للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
ويعتبر إطلاق النار داخل ملهى ليلي وفي ليلة رأس السنة الجديدة في اسطنبول أحدث مثال على إستراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية لتأجيج الانقسامات الموجودة في المجتمع التركي على مدى العامين الماضيين، حيث أدت التفجيرات التي حملت توقيع التنظيم إلى مقتل المئات في تركيا، وكان ضحاياها من الأديان والأعراق المختلفة، لكن محاولة التنظيم تأجيج نيران الطائفية، جعلت الخبراء يشعرون بالقلق من أن العلويين قد يكونون الهدف التالي.
عندما ينكسر العلويون
تعرف العلوية بأنها فرع فريد من الإسلام موجود في تركيا حيث يمثل العلويون حوالي خمس السكان. وهم يقدسون علي، ابن عم الرسول محمد وزوج ابنته فاطمة، وتركز العلوية على القيم الروحية. وتعتبر اختلافاتها مع التيار السائد من المسلمين الآخرين من حيث الطقوس والعادات، كبيرة للغاية. وذكر جميل بوياز الخبير في شؤون العلويين لمجلة فورين أفريز الأميركية، من اسطنبول، أن “العلويين يعيشون لهذه الأرض، ولا يفكرون لا في سماء ولا في جحيم”، وأضاف “لديهم قيم إنسانية، بما في ذلك التنوع، والمساواة بين الجنسين، والثيولوجيا العلمانية”.
هذه العادات العلمانية جعلت العلويين هدفا طبيعيا لتنظيم الدولة الإسلامية. ويرى بعض العلويين أن تنظيم الدولة الإسلامية يريد قتلهم لأنهم ليسوا من السنة، وبعض المتشددين يربطون بينهم وبين العلويين السوريين. ويقول فيدات كارا، وهو ناشط علوي “إنه أكثر من مجرد صراع طائفي. تنظيم الدولة الإسلامية يستخدمهم ببساطة كهدف آخر”.
ويرى خبراء أنه من المرجح أن يعمد التنظيم إلى دق إسفين بين الحكومة التركية والأقليات العرقية والدينية في البلاد. وقال جنكيز تومار، أستاذ متخصص في دراسات الشرق الأوسط في جامعة مرمرة، إن تنظيم الدولة الإسلامية يحاول من خلال هذه الهجمات “خلق شرخ داخل تركيا”.
تركيا لم تعترف بالعلويين كأقلية دينية، ولم تمنحهم الحقوق التي يستحقونها بموجب المعاهدات التي وقعتها
ذوو الدم الفاسد
يعتقد العلويون أنهم تعرضوا لاضطهاد مستمر طوال تاريخهم، بما في ذلك على يد الحكومات التركية الحديثة. وهم ميالون إلى تأييد العلمانية الكمالية، وكانت علاقاتهم بحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يتبنى أيديولوجيا إسلامية سنية، مشحونة؛ فتركيا لم تعترف بالعلويين كأقلية دينية ولم تمنحهم الحقوق التي يستحقونها بموجب المعاهدات التي وقعتها، الأمر الذي تسبب في توبيخ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للحكومة عام 2014.
هذا النوع من عدم الاعتراف الرسمي يحرم العلويين من الحصول على تمويل للمؤسسات الدينية، ويجعل الحفاظ على هويتهم أكثر صعوبة. كما ينحدر أغلب العلويين في تركيا من أوساط ذات دخل منخفض، وتعاني العديد من أحيائهم من الفقر وانتشار المخدرات.
وتنفي الحكومة التركية التمييز ضد العلويين، وكانت لها محاولات لتخفيف حدة التوتر. وقبل عامين، حولت الحكومة إحدى الثكنات العسكرية في تونجلي، المدينة التي قتل فيها 13 ألف علوي في مجزرة درسيم بين 1937-1938، إلى متحف يخلد ذكرى الضحايا. وفي عام 2009، نظم حزب العدالة والتنمية ورشات عمل للاستماع إلى شكاوى المجتمع العلوي. وذكر بويراز أن الذين شاركوا في ورش العمل، هم ممثلو الحكومة، بدلا من الاستماع حاولوا إقناع العلويين بالتخلي عن هويتهم واعتماد التيار الرئيسي للإسلام. وتخشى الحكومة أن يفتح الإذعان لمطالب العلويين الباب للأقليات الأخرى للمطالبة بحقوقها.
وتزايد التوتر بين الجانبين منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو الماضي. ورغم أن العلويين نجوا من الاعتقالات الجماعية فإن حالة الطوارئ التي تمر بها تركيا تجعل الأقليات في حالة تأهب قصوى. وفي ليلة الانقلاب اندلعت معارك في حي غازي في اسطنبول بين أنصار حزب العدالة والتنمية والعلويين، الذين اختاروا عدم التعبئة لدعم الحكومة. وعلى بعد كيلومترات قليلة في حي كوتشوك أرموتلو، خص المتظاهرون الموالون للحكومة العلويين بمطالبتهم بالمشاركة عبر مكبرات الصوت. وقال سنان يسيليورت/21 عاما/ إنه عندما رفض العلويون ذلك اتهموا من قبل المتظاهرين بالخيانة.
ويقول العلويون إنهم خائفون من أن يتجه أردوغان إلى تحويل تركيا إلى مكان به غرفة صغيرة للمعارضة أو لأنماط الحياة المختلفة. ويتهمون الحكومة بطردهم من معاقلهم التاريخية من خلال استبدالهم باللاجئين السوريين من السنة. ففي الأناضول نقلت تركيا الآلاف من السوريين، بتمويل من المانحين الدوليين، ومن حزب العدالة والتنمية نفسه، إلى الأحياء العلوية حيث الإيجار أرخص.
نوراي جيديك /42 عاما/ امرأة علوية قُتل ابنها حسن عندما احتج علنا ضد تجار المخدرات في حيهم. وقد أعربت عن قلقها بشأن التوجه السياسي للبلاد. وقالت “سوف تزداد حال العلويين سوءا لأن الناس سوف ينقسمون وينشئون مجموعات مختلفة”. وأضافت أن “رجب طيب أردوغان قال إن العلويين ليسوا مسلمين لأنهم لا يصلون ولا يصومون. لهذا السبب، هو لا يحبنا”.
أمل جديد
مع استمرار الشعور بانعدام الثقة بين العلويين والحكومة، يحاول تنظيم الدولة الإسلامية التفريق أكثر بين الجانبين. وأوضح تومار أن منع وقوع هجمات ضد العلويين في غازي عنتاب قد يؤدي عن غير قصد إلى المزيد من الوحدة، من خلال تحويل تنظيم الدولة الإسلامية إلى عدو يمكن أن يتوحد ضده العلويون والأغلبية السنية.
وتأتي محاولة تنظيم الدولة الإسلامية نشر الخوف والانقسام في وقت لا تستطيع فيه الدولة التركية خلق المزيد من الأعداء في الداخل منذ محاولة الانقلاب، وقال أحد موظفي إنفاذ القانون الذي رفض الكشف عن هويته إن “الحكومة ليست مجنونة في ما يتعلق بمسألة العلويين، وخاصة في المناطق الكردية، وهي سوف تحميهم من تنظيم الدولة الإسلامية لتقديم جبهة موحدة، لأنها بحاجة إلى العلويين كحلفاء في الوقت الحالي”.
وقال بوياز إن تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية ضد العلويين ليست جديدة، إلا أن الحكومة منحتها المزيد من الانتباه في الأشهر السبعة الماضية. وأضاف “تجاهلت الاستخبارات في السنوات الخمس الأخيرة الهجمات ضد العلويين. والآن حان الوقت لإيلائها المزيد من الاهتمام لأنها مرتبطة بالقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.
ويقول العلويون إنهم خائفون من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية تماما مثل باقي المواطنين الأتراك، رغم أنهم لا يثقون في حماية الحكومة لهم. لكن النشطاء يؤكدون أنه إذا كان حزب العدالة والتنمية يمد يده للتضامن، فإنهم سوف يبنون على ذلك، فتنظيم الدولة الإسلامية عدو مشترك يجب مواجهته كأمة موحدة.
صحيفة العرب اللندنية