إذا خسر “داعش” مدينة الموصل الشمالية العراقية في المعركة المقبلة، سوف تبهت رؤيته للخلافة، بينما ستتوفر للحكومة في بغداد الفرصة لإعادة صياغة رواية العراق القومية.
* * *
إسطنبول- بالنسبة للحكومة في بغداد، ليس هناك جائزة أكبر من استعادة الموصل؛ ثانية أكبر مدن العراق، التي كانت قد سقطت بطريقة مخجلة عندما تراجع الجيش العراقي في وجه حملة ما تدعى الدولة الإسلامية “داعش” في حزيران (يونيو) من العام 2014.
ومع الهجوم المعاكس الذي يلوح في الأفق في الأسابيع المقبلة، يواجه الجهاديون احتمال ما يمكن أن يكون أكبر صفعة توجه لرؤيتهم لخلافة تمتد عبر شمال أفريقيا، مروراً بالشرق الأوسط إلى باكستان.
وكانت الموصل هي المكان الذي شهد الإعلان أول الأمر عن إقامة تلك الدولة، مع دعوة وجهت للأمة الإسلامية “للاستيقاظ… ونفض غبار الذل والهوان”. وقيل للمسلمين: “النصر قادم. لقد ظهرت إمارات النصر”.
يقول حيدر الخوئي، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن، والذي يحذر من أن الجهاديين لن يختفوا: “إننا لا نتحدث عن انتصار رمزي فقط (على داعش في الموصل)؛ سوف تكون هذه صفعة مميتة لخلافة داعش”.
ويضيف السيد الخوئي: “لكنهم سيظلون مع ذلك قوة كبيرة وتنظيماً إرهابياً خطيراً. وإذا حدث شيء، فهو أن فقدان دولتهم سيزيد من وتيرة هجماتهم في الغرب، وبالتأكيد في العراق وسورية على حد سواء. هذه ببساطة هي طريقتهم للقول: “إننا ما نزال مهمين. خسارة عاصمتنا في العراق لن تجعلنا نختفي””.
وقد تكون المعركة من أجل الموصل محورية وحاسمة بالنسبة للعراق أيضاً. ويقول محللون إن الاستيلاء على آخر معقل رئيسي لـ”داعش” في البلد -في أعقاب استعادة الحكومة لمدينتي تكريت والرمادي، والأحدث مدينة الفلوجة في حزيران (يونيو)- قد يساعد على تغيير الرواية عن الدولة المركزية الضعيفة وعديمة الحيلة، من خلال إقناع المواطنين العراقيين بانبعاث قدراتها العسكرية.
الآن، تسير وحدات مكافحة الإرهاب والجيش العراقي إلى ساحة المعركة، في تتويج لعامين ونصف العام من الوعود التي بذلتها بغداد بطرد “داعش” من الموصل. كما تنتشر قوات البشمرغة الكردية أيضاً بالقرب من المدينة التي كانت تضم ذات مرة عدد سكان يقدر بنحو مليوني شخص، والذي تراجع الآن إلى ما يقدر بنحو 700.000 شخص.
تم إنشاء “مركز عمليات تحرير نينوى” لهذه الغاية. والهدف منه هو تنظيم الهجوم المضاد بمساعدة العشرات من المستشارين الأميركيين والبريطانيين، الذين يتلقون الدعم من المدفعية والقوة الجوية الأميركيين على بعد حوالي 40 ميلاً إلى الجنوب من الموصل في القيارة.
رسائل إلى الموصل
من المؤكد أن تكون أي عملية عسكرية ضد “داعش” محفوفة بالمخاطر، نظراً لأن الجهاديين أصبحوا ضليعين في تفخيخ مناطق برمتها، وفي إخفاء تحركاتهم عن أعين الطائرات من دون طيار وطائرات الاستطلاع بواسطة إحراق النفط، والاستخدام الماكر -والقاتل- لعربات الهامفي وغيرها من العربات التي استولوا عليها من الجيش العراقي كسيارات مفخخة ولتوجيه ضربات متتابعة. لكن المسؤولين العراقيين يعربون عن ثقتهم حول النتيجة النهائية.
وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد وجه في وقت مبكر من الأسبوع الماضي أول حديث لسكان الموصل الذين أشاروا إلى ارتفاع وتيرة العنف الذي يمارسه “داعش” في الأسابيع الأخيرة ضد أفراد في طابور خامس مزعوم.
وقال السيد العبادي في خطابه: “سوف نحتفل بانتصار الموصل الكبير معكم قريباً”. متعهداً بأن يرفرف العلم العراقي فوقهم مرة أخرى، وأن تعلن أسماء المدن “المحررة” التي أعيد توحيدها مع وطننا، العراق، ومع شعبنا”.
وكانت القوات العراقية قد ألقت منشورات على جنوب المدينة في الشهر الماضي، والتي جاء فيها: “احموا أنفسكم ولا تكونوا دروعاً بشرية للعدو. غادروا البلدة في الحال”. وفق ما ذكرته شبكة “سي. إن .إن” التلفزيونية الأميركية.
وكان “داعش” قد دافع باستماتة عن بعض البلدات والأراضي في العراق، لكن مقاتليه بدوا في أحدث مواجهة في الفلوجة قليلي العدد والعدة في العديد من الحالات، واختفوا تاركين القوات العراقية تحقق انتصاراً بلا كلفة تقريباً، وهو ما عزز الثقة لدى القادة العراقيين بأن الموصل أيضاً قد تشهد ما هو أقل من قتال.
توقعات ما بعد المعركة
إذا فقد “داعش” قبضته على آخر مدينة كبيرة له في العراق، فإن لدى اللاعبين المختلفين توقعات مختلفة.
يقول مايكل نايتس، الخبير في الشأن العراقي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “إذا كنت من مواطني الموصل، فهي نهاية كابوس وبداية حقبة جديدة -لأول مرة تأتي القوات الأمنية العراقية إلى داخل المدينة كمحررين، وليس كمحتلين”.
ويضيف: “وإذا كنت الولايات المتحدة، فإنك تتطلع دائماً إلى لحظة ميناء طوكيو تلك؛ حيث يبدو الأمر مثل الانتصار، ويسمح للرئيس بنفض يديه من فوضى العراق، وكأن كل شيء فعله الرئيس تم وفق الطريقة التي خطط لها”.
ويضيف نايتس أيضاً: “وإذا كانت الحكومة العراقية ورجال العبادي، فسيكون هذا انتصاراً كبيراً رئيسياً قد يقوي موقفك لتبعد عنك كل هذه الميليشيات الشيعية وتمنعها من الاستيلاء على البلد”.
ثمة متغير رئيسي سيتجسد في دور الميليشيات الشيعية وعشرات الآلاف من رجالها الذين قد جندوا في منتصف العام 2014 للدفاع عن بغداد والأضرحة الشيعية في وجه “داعش”. وقد لعبوا دوراً رئيسياً في القتال ضد التنظيم الإرهابي، لكنهم عمقوا الانقسامات الطائفية مع مزاعم بإساءة معاملتهم أقلية العراق السنية التي انخرطت في ثورة عارمة ضد الحكومة شيعية القيادة في بغداد في العام 2014. وفي العديد من الحالات، رحبت بوصول “داعش”، بل وسهلت وصوله.
الحاجة إلى توازن طائفي
هذا الأسبوع، حذر أثيل النجيفي، المحافظ السني لمحافظة نينوى وعاصمتها الموصل، عندما استولى عليها “داعش”، من المخاطر الطائفية.
وقال النجيفي لوكالة رويترز من قاعدته في مدينة أربيل الكردية العراقية: “الخوف الأكبر هو أن يتشظى العراق إذا لم يضبطوا هذا القتال بطريقة حكيمة، وإذا لم يعطوا العرب السنة السلطة الفعلية”. وأضاف: “إن الأكراد هم شركاء على الأرض. ولا توجد لنا مشاكل معهم. أما فيما يتعلق بالمليشيات الشيعية، فإنهم كينونة غريبة في المحافظة”.
ومن جهته، يقول الخوئي إنه من واقع إدراك الحاجة إلى تحقيق ذلك التوازن للتخفيف إلى الحد الأدنى من الاحتكاك الطائفي في حقبة ما بعد الموصل، فإن الميليشيات الشيعية “أعطيت أوامر واضحة جداً: أنتم لن تهاجموا المدينة. سوف تظلون على أطرافها”.
ومن شأن ذلك أن يطلق يد القوات الفيدرالية في المعركة الفعلية، كما يقول؛ حيث ستجد مواطنين خضعوا لسنوات من الكراهية والتلقين المعادي للشيعة من جانب “داعش” والتي غذتها التقارير عن إساءة معاملة الشيعة للسنة في أمكنة أخرى.
ويقول الخوئي: “من المرجح أن يكون لذلك تأثير على نفسية مواطني الموصل الذين يقولون -يا إلهي إذا جاء هؤلاء الناس سيكون هناك حمام دماء”. لكنه يضيف: “لكن ذلك لم يحدث في الفلوجة ولم يحدث في تكريت، وأنا متأكد تماماً أنه لن يحدث في الموصل، على الرغم من حقيقة أنها قد تكون هناك عناصر متمردة وحوادث معزولة. لا أحد يستطيع إنكار هذا، بعض الحوادث المزعجة حدثت”.
ويقول الجنرال الكندي، ديف أندرسون، الذي يقود القوة العراقية للتدريب في الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد، إن الانتصار في الموصل “حتمي”، ومن المرجح أن يكون نقطة انعطاف ضد “داعش” في صيغته الحالية. لكنه يوضح أن خسارة الموصل “لا تعني أن داعش مني بالهزيمة وفق أي تصور للخيال”.
وقال أندرسون في اتصال مع مؤتمر عقد في البنتاغون يوم الأربعاء الماضي: “إنها بداية النهاية. وداعش يعرف ذلك”. وأضاف: “لقد شاهدنا أصلاً إشارات تخلي قادته عن مراكزهم في الموصل لأنهم يعرفون ما هو قادم. إنهم يعرفون أن الموصل ستسقط”.
قصة أفضل للعبادي والولايات المتحدة
لكن كيفية سقوطها ستحدد شكل السياسة في العراق لأعوام مقبلة، كما يقول محللون. ويقول نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “إذا استطاع العبادي أن يفعل هذا من دون الميليشيات الشيعية، فستكون هذه ريشة أخرى في قبعته وفي قبعة أجهزة محاربة الإرهاب وفي قبعة الجيش العراقي، وسوف تبدأ في إعادة بناء الإيمان بالدولة”.
ويضيف “أن السبب في أن الميليشيات الشيعية أصبحت قوية جداً هو أن الناس قالوا: “في وقت حاجة العراق انهارت الدولة، وكانت الميليشيات والناس هم الذين أنقذوا بغداد”. حسناً، كان ذلك صحيحاً”. وكان يُنظر إلى الولايات المتحدة وكأنها ” تفرقع أصابعها وتعبث بها” بينما كان العدو يقرع بوابات بغداد.
ويقول نايتس: “الآن، أصبح السرد مختلفاً قليلاً. ما الذي فعلته الحكومة؟ لقد استعادت تكريت والرمادي والفلوجة وبيجي والقيارة والموصل. وماذا فعلت الولايات المتحدة؟ لقد فعلت الكثير. ما فعلناه هو الإدارة لتغيير السرد في العام الماضي، وهذا شوط مهم فعلاً”.
ويضيف نايتس: “أعتقد أن ثمة الكثير من الدروس التي يجب أن تستقى من هذه الحرب. الشيعة تعبوا من القتال، والسنة يعرفون أن الحكومة في بغداد هي حكومة شرعية، والتي جاءت وحررتهم. قد لا يحبونها، ولكن الناس في أقصى جنوب الولايات المتحدة لا يحبون واشنطن كذلك، لكنهم يتعاملون معها”.
سكوت بيترسون
صحيفة الغد