“في 22 أيلول/ سبتمبر تحدث الجنرال وليام ف. مولن الثالث من البحرية الأمريكية، ودانيال غرين في منتدى سياسي في معهد واشنطن. ومولن هو القائد العام لـ “قيادة التدريب لفرقة العمل الجوية الأرضية” في البحرية الأمريكية في مدينة توينتينين بالمس في ولاية كاليفورنيا، وكان قد قاد قوات أمريكية على جبهات متعددة، من بينها منطقة الفلوجة في العراق. وغرين، هو زميل للشؤون الدفاعية في المعهد وقد عمل مؤخراً في العراق كمحلل لشؤون العشائر السنية لدى البحرية الأمريكية. وفيما يلي ملخص المقررة عن الملاحظات التي أدلى بها كل منهما”.
وليام مولن
تواجه مشاركة الولايات المتحدة في العراق حالياً قيوداً لم تكن مطروحة في السابق. ويكمن الفارق الأكبر الآن في التخفيض الكبير في حضور الولايات المتحدة وسيطرتها على العمليات. فقوات التحالف، وخاصة العنصر الأمريكي منها، غالباً ما تعاني من نفاد الصبر لأن الجدول الزمني المفضل لديها لشن العمليات لا يتلاءم مع العراقيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجمود الأولي للقوات البرية العراقية جعل من الصعب التحقق بشكل مستقل من معلومات الاستخبارات العراقية حول أهداف العدو، على الرغم من أن التحالف كان قادراً على تحديد هذه الأهداف وضربها حين بدأت بغداد تشن هجمات على المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»).
وقد طور الخصم وضعه أيضاً. ففي حين كان تنظيم «القاعدة في العراق» – سلف تنظيم «الدولة الإسلامية» – يواجه قيوداً مفروضة على وحشيته نظراً إلى تأثير تنظيم «القاعدة» المركزي، فإن تنظيم «داعش» يتصرف اليوم بطرق وحشية تفوق الخيال.
وفي ظل الوضع الراهن، تُعتبر عملية قياس التقدم مرهونة بالمنظور المعتمد. فعلى الرغم من نفاد الصبر الغربي، تنص الضرورات السياسية والعسكرية على أن يكون الهجوم القادم لاستعادة الموصل نتيجة جهود عراقية أصيلة، مما يعني أنه سيتم وفق الجدول الزمني العراقي. ومن وجهة نظر العراقيين، تسير الحملة بشكل جيد، حيث تشارك قواتهم حالياً في إعداد الميدان للهجوم لاسترجاع الموصل.
وبالنظر إلى المستقبل، سيتوقف نجاح الحملة الحالية على قدرة الحكومة العراقية على الاستفادة من الحملة الجوية لقوات التحالف، واستعادة السيطرة السيادية، ودفع تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الاختفاء من المدينة. وتكمن الآمال في أن يهرب مقاتلو تنظيم «داعش» في الوقت الذي تتقدم فيه القوات العراقية داخل المدينة، كما فعلت في الفلوجة سابقاً.
ومع ذلك، لن تحقق القوة القاسية أهداف التحالف في ظل غياب التقدم السياسي. لذلك، يجب على الحكومة العراقية أن تحاول التصالح مع العشائر والسكان من السنّة بغية تقويض التمرد الذي من المرجح أن يتْبع هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». هذا ويجب أن تلعب القيادات الدينية دوراً حيوياً في هذه الحرب من خلال التشكيك في التفسير المتطرف للإسلام الذي يكمن وراء خلافة تنظيم «داعش». كما يتعيّن على العراقيين أن يعملوا على حل مسألة الحكم الذاتي الكردي، وعلى إعادة فرض احتكار الاستخدام المشروع للقوة من خلال جعل جميع الميليشيات الشيعية تنطوي تحت سيطرة الحكومة، وعلى القضاء تدريجياً على النفوذ الإيراني بعد أن زال تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية»عن بغداد. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الجيش العراقي يواجه تحديات هائلة بسبب ثقافة الفساد المتأصلة على نطاق واسع والتي من المرجح أن تستمر لبعض الوقت.
وعلى الرغم من أهمية التقدم السياسي، ينص الواقع على أن الجانب العسكري لهجوم الموصل سيشغل انتباه القوات العراقية في الوقت الراهن. ونظراً لافتقار الولايات المتحدة إلى التأثير على الحكومة العراقية الذي كانت تتمتع به في السابق، سيتم خوض هذه الحرب وفق الشروط العراقية. وسنشهد تقدماً سياسياً، ولكنه يبقى ثانوياً بالنسبة إلى المقتضيات العسكرية لاستعادة السيطرة على الموصل، خاصة وأن الحملة تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد العراقي. من جهتها، قد لا توافق الجهات الغربية على هذه الاستراتيجية، لكنها قد لا تملك أي خيار آخر لأن الحكومة العراقية تختار مواجهة تحدياتها الواحد تلو الآخر.
دانيال غرين
تلعب العشائر العربية السنية دوراً حيوياً في الساحة السياسية العراقية وفي الصراع الدائر على حد سواء. فالحرب الحالية ليست قابلة لتقبل الحلول التكنولوجية أو النقدية السريعة كما بدت الصراعات الماضية. فهي تتطلب معرفة متعمقة بالمعالم البشرية خارج بغداد، والتي تشمل الأبعاد الثقافية والاجتماعية الكامنة وراء القتال.
وللأسف، تضاءلت المعرفة المؤسساتية الأمريكية بالمشهد العشائري العراقي منذ زيادة عدد القوات الأمريكية في عام 2007. وعلى الرغم من قيام “قوات مشاة البحرية” والسفارة الأمريكية في بغداد بإضفاء الطابع المؤسساتي على هذه المعرفة إلى حد ما، إلا أن العلاقات العشائرية تواجه اليوم عقبات جديدة، يتجلى أهمها في نظام التناوب في الجيش الأمريكي، الذي يخرّج ضباطاً ذوي خبرة ولكنه غالباً ما يعرقل تطوير الخبرات في قضايا معينة. إلى جانب ذلك فإن محدودية الحضور الأمريكي تعيق المشاركة العشائرية، في حين أن سيطرة السفارة على العلاقات العشائرية تعقد عمليات التنسيق العسكري، الأمر الذي يحتمل أن يعرقل التواصل. بالإضافة إلى ذلك، إن واقع تعاون العديد من القبائل حالياً مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو عيشها تحت سيطرته يجعل من الصعب ترتيب اجتماعات في بغداد. لذلك، فمن أجل إحراز تقدم، ينبغي على الولايات المتحدة النظر في وضع جدول تناوبي على المدى الطويل من أجل ترسيخ فهم الجيش للمعالم البشرية والتاريخ العشائري في العراق.
وفيما يتعلق بالحملة الحالية، لا بد من النظر في الأبعاد السياسية للصراع. فالحرب الجوية أدت إلى تدهور وضع تنظيم «الدولة الإسلامية» لدرجة بدأ التنظيم يتصرف كجماعة متمردة أكثر من تصرفه كدولة، ولكن هناك حدود لما يمكن تحقيقه من خلال القوة الجوية وحدها. فبمجرد هزيمة تنظيم «داعش» عسكرياً، من المرجح أن تتحول هذه الجماعة إلى تنظيم متمرد على مستوى منخفض، إلا أن استمرار هذا التمرد يعتمد على المشهد السياسي في الفترة التي تعقب [سلطة] تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن أجل تقويض التمرد القادم، يجب على الحكومة العراقية بناء حكومة شرعية تشمل كافة الأطراف، والتصالح مع المنظمات العشائرية السنية، وإعادة بناء الثقة بين السكان والحكام في المناطق المحررة حديثاً.
وعلى الرغم من هذه المهام الشاقة، تبرز أسباب تدعو إلى التفاؤل. فالمصالحة تشمل ترتيبات من القاعدة إلى القمة وأخرى من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا. ووفقاً لهذه المعايير، تحدث عملية المصالحة بالفعل حيث تعمل القوات الحكومية والميليشيات الشيعية مع الشركاء المحليين لتحرير مناطق معينة من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية». بالإضافة إلى ذلك، دفعت وحشية التنظيم ضد السكان إلى فقدانه الشرعية في بعض المناطق. وفي الوقت نفسه، زاد العديد من زعماء العشائر المحلية من انخراطهم ويعملون على سد الثغرات الأمنية، وذلك باستخدام مواردهم الذاتية لتوفير قدرات المساعدة الإنسانية والقتال.
وعلى المدى الطويل، ينبغي أن ينصب التركيز على استعادة العراق لسيادته، وبنائه حكومة شرعية خالية من تدخل أطراف خارجية مثل إيران. وتبدأ هذه العملية من خلال تفكيك مختلف الميليشيات الشيعية التي تقع خارج سيطرة الحكومة، على الرغم من أن العديد منها أقوى عسكرياً من القوات العراقية نفسها. وينبغي أن تتوج العملية بمصالحة بين الحكومة التي يتزعمها الشيعة والسكان السنّة، حيث أن هذه العلاقة ستكون جوهرية للقضاء على العامل الجاذب لتنظيم «الدولة الإسلامية» في المرحلة القادمة.
كيندال بيانكي
معهد واشنطن