منذ قتل إسرائيل 12 قياديًا من ضباط حزب الله وإيران في الجولان السورية، الأسبوع الماضي، والسؤال لا يزال يتردد في إسرائيل: “أين سيرد حزب الله وإيران؟ هل سيردون من لبنان؟ أم من الجولان نفسها التي يعتقد أن اجتماع هؤلاء القادة اللبنانيين والإيرانيين كان يجهز لفتح جبهة جديدة هناك؟ أم يردون في داخل إسرائيل بدعم عمليات جهادية تنطلق من الضفة الغربية؟ أم يقتصر الرد علي المصالح الإسرائيلية في العالم؟”.
حزب الله قال إنه سيرد، ولكنه لم يحدد طبيعة الرد، ونائب رئيس الحرس الثوري الإيراني حسن سلامي، قال يوم السبت الماضي إن إيران وحزب الله “ستفتحان جبهات جديدة من شأنها تغيير ميزان القوى“، بين إسرائيل وإيران وبأنهما ستنتقمان ضد العملية الإسرائيلية، ما يشير بالفعل إلى جبهتي سوريا وفلسطين.
وعزز هذا القائد الإيراني “سلامي” عندما قال: “لا بد من فتح جبهة جديدة في الضفة الغربية، وهي جزء هام من فلسطين وعلى جدول عملنا وهذا جزء من الواقع الجديد الذي تطور تدريجيًا“، لهذا يقول الإسرائيليون إن إيران تعمل على إنشاء بنية تحتية تهدف إلى فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في الضفة الغربية.
ويتمنى كثيرون أن تعود الضفة الغربية للانضمام إلى “محور المقاومة”، بعدما نجح التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني في تكبيل المقاومة ووضع المقاومين في السجون، وإجهاض أي عمليات ضد تل أبيب، ولا يعرف ماذا يعني تصريح إيران؟ هل هو مناورة لإبعاد أنظار إسرائيل عن مكان الرد الذي قد لا يكون الضفة الغربية؟ أم أن الخطط الإيرانية تعني مزيدًا من التنسيق مع حماس في غزة لإشعال الضفة عبر أنصار حماس هناك؟
تصور الأمن القومي الإسرائيلي
اللواء “يعقوب عميدرور” الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي وضع تصورًا هامًا لرد حزب الله وإيران على عملية اغتيال إسرائيل للجنرال الإيراني الكبير محمد علي الله دادي وابن عماد مغنية (جهاد) ومرافقيهم في الجولان السوري، في صحيفة يسرائيل هَيوم، يوم 23 يناير الجاري ركز فيها على سؤال: “ما هي الردود المحتملة للإيرانيين ولحزب الله؟“.
“عميدرور” قال إن لدى حزب الله وإيران ثلاثة سيناريوهات للرد هي:
- عملية في هضبة الجولان: بحيث يحاول حزب الله والذين يدعمونه في طهران بناء قدرات للقيام بهذه العملية، ولكن انتظار الفرصة من أجل توجيه ضربة مؤلمة إلى إسرائيل في الهضبة السورية المحتلة، ويرى أن هذا الحل هو الأنسب سواء بالنسبة لحزب الله أو إيران، فمن جهة سيوضح ردهم رفضهم للخط الأحمر الذي رسمته إسرائيل بعدم الهجوم عليها من الجولان، ومن ناحية ثانية لن يتيح هذا الهجوم لإسرائيل القدرة على الرد على المصالح الحيوية لحزب الله في لبنان. فإذا ما هاجمت إسرائيل لبنان حينئذ، فإن في إمكان حزب الله أن يصور نفسه “المدافع عن لبنان”، وأن يبرر المجازفة التي يعرض لها اللبنانيين من خلال رده على الهجوم، لكن هذه الشرعية لن يحصل عليها الحزب إذا رد على عملية إسرائيلية وقعت في سورية من خلال الأرض اللبنانية؛ لأن تبريراته ستصبح غير مقبولة للبنانيين الذين سيتضررون، ولذلك، فإن الحزب والإيرانيين سيفضلون تركيز ردهم في هضبة الجولان، وتقليص خطر رد إسرائيلي في أراضي لبنان.
- عملية في الخارج: حث حلفاء حزب الله الشيعة يستطيعون البحث عن فرصة لمهاجمة إسرائيل ما وراء البحار في دول أخرى، وهذا الأسلوب سبقت تجربته مرتين في الماضي عبر هجمات في الأرجنتين، مثل تفجير السفارة الإسرائيلية ومبنى الجمعية اليهودية في بوينس آيريس ردًا على اغتيال عباس الموسوي (الأمين العام لحزب الله قبل نصر الله)، وعلى الهجوم على مقاتلي حزب الله في معسكر للتدريب في لبنان. وإلى جانب ذلك، نفذ الإيرانيون وحزب الله في السنوات الأخيرة عشرات العمليات ضد أهداف إسرائيلية، لكن نجاحها كان محدودًا، لكن لا شك في أنهم سيستمرون في مساعيهم بقوة إذا اختاروا هذا المجال للرد على الضربة التي تلقوها.
- الرد من داخل لبنان: والمقصود هنا مثل عملية هجوم برية من الحدود أو إطلاق قذائف وصواريخ على إسرائيل، ولكن مثل هذه العملية ستعرض لبنان وحزب الله إلى وضع لا يرغبه، لأن إسرائيل تستطيع استغلال مثل هذا الهجوم لتصفية حسابها مع الحزب، والمجازفة هذه المرة أكبر بكثير والثمن قد يكون فادحًا، إذ يغرق حزب الله في سورية ويعمل من أجل إنقاذ الأسد، وقد خسر هناك المئات من مقاتليه، ومن غير المريح بالنسبة له أن يفتح جبهة جديدة الآن، وليس من الأكيد أن هذا من مصلحة إيران في هذا الوقت أيضًا؛ حيث تجد نفسها مضغوطة اقتصاديًا بسبب انخفاض أسعار النفط، وفي خضم مفاوضات مع الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي وبدأت تقترب من اتفاق. لكن على الرغم من ذلك، فإن أسعار النفط التي انخفضت بصورة ملحوظة يمكن أن ترتفع إذا اندلعت حرب إقليمية، وبذلك تربح طهران.
ومع أن “عميدرور” لم يتطرق لخيار الضرب من الضفة الغربية الذي تحدث عن القائد الإيراني، فهو قال إنه أيًا كان القرار الذي سيتخذه الإيرانيون وزعماء حزب الله؛ “فإنه يجب على الجيش الإسرائيلي والاستخبارات أن تأخذ هذه الاحتمالات في حسابها وتستعد لها كما يجب، فعاجلًا أم آجلًا سيضطر الطرف الثاني إلى الرد، لذا يتعين علينا أن نكون مستعدين لأي رد ولأي سيناريو“.
وفي الأيام الأخيرة، نقلت إسرائيل مركبات عسكرية كثيرة إلى شمال البلاد، وتحدثت تقارير صحفية عن حركة كثيفة للجنود والمركبات العسكرية في الطرق المحاذية للحدود مع لبنان تحسبًا لمعارك قد تندلع، كما نُقلت أجهزة إطلاق الصواريخ الإسرائيلية المتطورة “القبة الحديدية” نحو الحدود الشمالية، وألغى رئيس الأركان الإسرائيلي، بيني غانتس سفره للخارج إلى مؤتمر رؤساء الأركان في أوروبا وبقي في إسرائيل، كما زار وزر الدفاع المنطقة.
أيضًا، قالت مصادر عسكرية إسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي قام بتعزيز قواته في منطقة الحدود الشمالية مع سورية تحسبًا لإقدام حزب الله على عمل عسكري ردًا على الهجمة الجوية التي شُنّت على منطقة القنيطرة في الجانب السوري من هضبة الجولان.
فمنذ اللحظة الأولي التي وقع فيها العدوان الإسرائيلي الذي قتل فيه هؤلاء القادة، والسؤال يتردّد: “ما الذي كان يفعله هؤلاء القادة الإيرانيون ومن حزب الله في منطقة الحدود السورية الإسرائيلية؟ وهل جاؤوا إلى الجولان من أجل التخطيط لعملية كبيرة ضد إسرائيل في المستقبل القريب؟ وهل وجودهم كان جزءًا من دورية مبكرة هدفها تحديد أساليب العمل ومناقشة الاحتمالات المستقبلية؟ وهل من هذا المكان يُتوقع أن تأتي المفاجأة لدى اندلاع الحرب المستقبلية بين إسرائيل وتنظيم حزب الله؟”.
أيًا كان الرد من حزب الله وإيران، فسوف تظل هذه الجبهات الأربع: (لبنان – سوريا – الضفة الغربية – الخارج) ساخنة ومتوترة وتنتظر اللحظة المناسبة لاندلاع قتال جديد قد لا يكون محدودًا هذه المرة، وإنما يطال إيران والمنطقة العربية ككل.