خلال الشهور الماضية، نجح الروس، ومعهم النظام السوري، في حصر دائرة الثورة السورية في منطقة واحدة، هي حلب. حتى بات الاهتمام العربي والدولي منصباً على إنهاء المأساة التي تعيشها المدينة، ليختفي معه أي حديث آخر كان يجري تداوله في أروقةٍ دوليةٍ كثيرة، على غرار المراحل الانتقالية أو بقاء نظام الأسد من عدمه. مثل هذا الكلام لم يعد له مكان على طاولة المستجدّات التي تنصب فقط على حلب.
حتى عندما أعلنت القوات الروسية عن الهدنة، وهي القوات الآمرة الناهية الآن على الأراضي السورية، اقتصر الأمر على حلب، فيما بقيت الغارات والمعارك قائمةً في مناطق أخرى. لم تثر هذه الغارات أي اهتمام من الدول الغربية التي تعاطت بإيجاب مع الهدنة الروسية، وأشارت إلى إمكان أن تكون اختبارا لنوايا الروس، متجاهلةً ما هو حاصل من قصف وتدمير وتهجير في مناطق أخرى، سواء في إدلب أو ريف دمشق.
“نوايا الروس”؟ من المؤكد أن ما هو حاصل جزء من هذه النوايا التي لا تخفيها موسكو، فهي تعمل بشكل واضح على كسب مزيد من الوقت والأرض، على حساب الحيرة الغربية في كيفية التعاطي مع التمدّد الروسي الذي بات له وجود دائم وشرعي على الأرض السورية. ووفق هذه النوايا، تعمل موسكو على رفع الأوراق التي تناسب استراتيجيتها. حالياً، يلعب الروس ورقة حلب في وجه المجتمع الدولي والدول الإقليمية، تجر وزراء الخارجية إلى اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية، لبحث كيفية حل وضع هذه المنطقة السورية. يخرج وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من الاجتماعات، ليعلن تأجيل الاتفاقات إلى اجتماعاتٍ لاحقة، وبالتالي إبقاء الوضع على ما هو عليه، في حلب تحديداً، التي لا حديث اليوم إلا عنها.
يدرك الروس الارتباك الغربي جيداً، وعدم القدرة على المواجهة في ظل الانكفاء الأميركي وعدم النية الأوروبية على التحرّك بشكل منفرد، لذا، هم يديرون المعارك الميدانية والسياسية وفق ما يريدون، في وقتٍ يتلقف الغرب ما يقدمه الروس على أنه إنجاز. تماماً مثل ما هو حاصل في ما يتعلق بهدنة حلب، والتي يريد فيها الروس التمهيد للمعركة الكبرى في المدينة، إذ يدركون أن المعارضة لن ترفع راية الاستسلام. مع ذلك، تبنت الدول الغربية، والأمم المتحدة، الهدنة، واعتبرتها إنجازاً يسمح بإدخال المساعدات وإخراج الجرحى، وهو ما لم ولن يتم، فالشعار الضمني في حصار المدينة هو الاستسلام بشكل كامل أو الموت بأشكال مختلفة، منها الموت جوعاً أو عطشاً.
وفي سياق أوراق اللعب الروسية، من غير المستبعد أن تقدم موسكو نهاية الوضع في حلب، سواء باتفاق سياسي أو بجريمة حربٍ كبرى، على أنه نهاية للأزمة السورية بالمطلق، بعدما تم اختصار كل الثورة السورية بالوضع الجاري في حلب حالياً. الغرب بدوره، وعلى غرار تعاطيه مع السياسة الروسية، سيكتفي بالإدانات والتلويح بالخيارات غير الموجودة أساساً، تماماً كما فعل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أول من أمس. غير أنه، في النهاية، سيسلم بما يروّجه الروس، ولا سيما أنه بات ينظر إلى الوضع السوري بأنه تهديد مباشر، وأن نهايته أصبحت واجبة بأي شكل كان.
إلا أن الثورة السورية ليست مجرد حلب، على الرغم من خطورة حرب الإبادة التي تشن على المدينة، فالأهداف والشعارات التي رفعت في التظاهرات الأولى، حتى وإن خفتت أمام صوت الرصاص والطائرات والبراميل المتفجرة، إلا أنها لا تزال موجودة، ولا تخضع لحسابات روسيا واستراتيجياتها.
حتى عندما أعلنت القوات الروسية عن الهدنة، وهي القوات الآمرة الناهية الآن على الأراضي السورية، اقتصر الأمر على حلب، فيما بقيت الغارات والمعارك قائمةً في مناطق أخرى. لم تثر هذه الغارات أي اهتمام من الدول الغربية التي تعاطت بإيجاب مع الهدنة الروسية، وأشارت إلى إمكان أن تكون اختبارا لنوايا الروس، متجاهلةً ما هو حاصل من قصف وتدمير وتهجير في مناطق أخرى، سواء في إدلب أو ريف دمشق.
“نوايا الروس”؟ من المؤكد أن ما هو حاصل جزء من هذه النوايا التي لا تخفيها موسكو، فهي تعمل بشكل واضح على كسب مزيد من الوقت والأرض، على حساب الحيرة الغربية في كيفية التعاطي مع التمدّد الروسي الذي بات له وجود دائم وشرعي على الأرض السورية. ووفق هذه النوايا، تعمل موسكو على رفع الأوراق التي تناسب استراتيجيتها. حالياً، يلعب الروس ورقة حلب في وجه المجتمع الدولي والدول الإقليمية، تجر وزراء الخارجية إلى اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية، لبحث كيفية حل وضع هذه المنطقة السورية. يخرج وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من الاجتماعات، ليعلن تأجيل الاتفاقات إلى اجتماعاتٍ لاحقة، وبالتالي إبقاء الوضع على ما هو عليه، في حلب تحديداً، التي لا حديث اليوم إلا عنها.
يدرك الروس الارتباك الغربي جيداً، وعدم القدرة على المواجهة في ظل الانكفاء الأميركي وعدم النية الأوروبية على التحرّك بشكل منفرد، لذا، هم يديرون المعارك الميدانية والسياسية وفق ما يريدون، في وقتٍ يتلقف الغرب ما يقدمه الروس على أنه إنجاز. تماماً مثل ما هو حاصل في ما يتعلق بهدنة حلب، والتي يريد فيها الروس التمهيد للمعركة الكبرى في المدينة، إذ يدركون أن المعارضة لن ترفع راية الاستسلام. مع ذلك، تبنت الدول الغربية، والأمم المتحدة، الهدنة، واعتبرتها إنجازاً يسمح بإدخال المساعدات وإخراج الجرحى، وهو ما لم ولن يتم، فالشعار الضمني في حصار المدينة هو الاستسلام بشكل كامل أو الموت بأشكال مختلفة، منها الموت جوعاً أو عطشاً.
وفي سياق أوراق اللعب الروسية، من غير المستبعد أن تقدم موسكو نهاية الوضع في حلب، سواء باتفاق سياسي أو بجريمة حربٍ كبرى، على أنه نهاية للأزمة السورية بالمطلق، بعدما تم اختصار كل الثورة السورية بالوضع الجاري في حلب حالياً. الغرب بدوره، وعلى غرار تعاطيه مع السياسة الروسية، سيكتفي بالإدانات والتلويح بالخيارات غير الموجودة أساساً، تماماً كما فعل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أول من أمس. غير أنه، في النهاية، سيسلم بما يروّجه الروس، ولا سيما أنه بات ينظر إلى الوضع السوري بأنه تهديد مباشر، وأن نهايته أصبحت واجبة بأي شكل كان.
إلا أن الثورة السورية ليست مجرد حلب، على الرغم من خطورة حرب الإبادة التي تشن على المدينة، فالأهداف والشعارات التي رفعت في التظاهرات الأولى، حتى وإن خفتت أمام صوت الرصاص والطائرات والبراميل المتفجرة، إلا أنها لا تزال موجودة، ولا تخضع لحسابات روسيا واستراتيجياتها.
حسام كنفاني
صحيفة العربي الجديد