تعكس تصريحات المسؤولين الغربيين أن معركة مدينة الرقة الواقعة على الضفة الشرقية من نهر الفرات في سوريا، ستكون التالية بعد الموصل شمال العراق.
وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الرقة في العام 2014، وأعلنها على لسان المتحدث باسمه آنذاك أبومحمد العدناني (قتل في غارة للتحالف في 30 أغسطس 2016) عاصمة لخلافته المزعومة.
وكان من المرجح أن تنطلق العملية العسكرية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في الرقة منذ فترة، إلا أن فشل اتفاق هدنة بين واشنطن وموسكو أعاد خلط الأوراق في سوريا.
وشدد مساعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الجمعة، على أن على التحالف الدولي استعاد المدينة بعد طرد الجهاديين من الموصل في العراق.
ووجهت موسكو ودمشق، في اليومين الأخيرين، انتقادات لواشنطن، حيث تم اتهامها بفسح المجال لمقاتلي تنظيم الدولة للفرار من الموصل باتجاه الرقة لخلط الأوراق في سوريا مجددا.
وقال بلينكن لإذاعة آر.تي.أل الفرنسية “تطرح الموصل أمامنا تحديا ملحا لكن أيضا الرقة. ولدينا فرصة استعادة هذه ‘الخلافة الجغرافية’”.
وأضاف المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الأميركية “بعد الموصل سنفكر في الرقة بالتأكيد. الرقة أمر ضروري، فمن هذه المدينة يخطط داعش للهجمات الخارجية”.
ولم يخف المسؤول الأميركي أن العراق تبقى له الأولوية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الحالية التي شارفت ولايتها على الانتهاء.
وتخوض القوات العراقية بدعم جوي من التحالف الدولي لليوم السادس على التوالي معركة كبرى لاستعادة مدينة الموصل، التي هي ثاني المدن العراقية التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال بلينكن إن “ما بين 5000 و6000 جهادي مازالوا يقاومون” في الموصل، وقد “أتيح لهم الوقت لتحضير دفاعاتهم”.
ويستبعد مراقبون أن تنطلق معركة الرقة في عهد الإدارة الأميركية الحالية، فقد تؤجل إلى ساكن البيت الأبيض الجديد، ولكن الاستعدادات لها قد تبدأ مباشرة بعد الانتهاء من الموصل، خاصة على مستوى تحديد وتجهيز الأطراف التي ستقاتل على الأرض والتي يتوقع أن تكون قوات سوريا الديمقراطية جزءا أساسيا منها.
وفي وقت سابق أشار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى أن الرقة يمكن أن تكون “الهدف التالي” بعد استعادة مدينة الموصل في حال لجوء التنظيم الجهادي إلى هناك.
وأوضح هولاند أنه في حال جرى هجوم على المدينة، فإن فرنسا “ستدعم القوات التي يمكن أن تكون عربية، كردية (…) وقد تضم مكونات معتدلة من المعارضة للنظام”.
وكان هولاند حذر، مساء الأربعاء، في برلين من هروب الجهاديين من الموصل إلى الرقة التي تقع على بعد 400 كيلومتر غربا.
لدى أنقرة نية لتسريع عملية قصقصة أجنحة الوحدات الكردية بضوء أخضر روسي، الأمر الذي من شأنه أن يثير غضب واشنطن
وتعتبر فرنسا أكثر الدول الغربية التي تعرضت لهجمات انتحارية من تنظيم الدولة الإسلامية، وجل المهاجمين كانت لهم علاقة بمقاتلي التنظيم في الرقة السورية.
ويقول مراقبون إن معركة “عاصمة الخلافة” لن تكون سهلة بتاتا بالنظر إلى الخلافات بين الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، رغم محاولات الطرفين التقليل من حجم ذلك.
والتقى وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، الجمعة، كلا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم في أنقرة. وعقب انتهاء اللقاء، أصدرت الخارجية الأميركية بيانا أكدت فيه “اتفاق الجانبين على الإبقاء على اتصالات منتظمة حول مجموعة كاملة من الاهتمامات المشتركة ومن بينها التنسيق الوثيق والشفافية المستمرة في جهود التحالف لإلحاق هزيمة نهائية بداعش”.
ويرى متابعون أن البيان المقتضب للخارجية الأميركية يعكس في واقع الأمر استمرار الخلافات بين الطرفين، خاصة حيال أكراد سوريا الذين تعول عليهم الإدارة الأميركية في الهجوم المرتقب على الرقة. وسبق أن أكد البيت الأبيض أن تحالف سوريا الديمقراطية سيكون جزءا رئيسيا في عملية استعادة المدينة من تنظيم داعش.
وتشكل تحالف سوريا الديمقراطية في العام 2015 ويضم فصائل تركمانية وعربية وإيزيدية وسريانية وأرمنية، ولكن المكون الأبرز والأقوى داخله هو وحدات حماية الشعب الذراع العسكرية للاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
ويبدو أن لدى أنقرة نية لتسريع عملية قصقصة أجنحة الوحدات بضوء أخضر روسي، الأمر الذي سيزيد غضب واشنطن.
وصدقت تنبؤات بعض المحللين في القول إنه وبعد الزيارة التي أداها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا إلى أنقرة، فإن تركيا ستوجه تركيزها أساسا على الوحدات الكردية وحلفائها على الأرض. وقد بدأت قوات درع الفرات فعليا شن عملية عسكرية في مدينة تل رفعت التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ولا يستبعد أن تكون عفرين هي المحطة المقبلة.
وشكل هذا التحول باتجاه تل رفعت مفاجأة للكثيرين، خاصة وأنه كان من المتوقع أن تتجه قوات درع الفرات نحو مدينة الباب لاستعادتها من داعش.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، أن اشتباكات عنيفة، مترافقة مع قصف تركي مكثف، تدور حاليا بين قوات سوريا الديمقراطية الكردية، من جهة ومقاتلي الفصائل الإسلامية والمقاتلة ضمن عملية درع الفرات، في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي من جهة أخرى.
وتابع المرصد السوري، ومقره في بريطانيا، أن الاشتباكات بدأت وسط تحليق للطائرات الحربية التركية في سماء المنطقة، مشيرا إلى وجود معلومات عن استهدافها لمناطق سيطرة القوات. وتأتي هذه التطورات، بعد يومين من شن طائرات حربية تركية، غارات جوية على مواقع قوات سوريا الديمقراطية في قرى وبلدات “حساجك والوردية وحسية وغول سروج وسد الشهباء وإحرص وأم حوش” بريف حلب الشمالي، أسفرت عن مقتل ما بين 160 و200 عنصر، إضافة إلى تدمير 18 هدفا، وفق بيان رسمي للجيش التركي.
وعقب ذلك الهجوم، هدد الجيش السوري بإسقاط الطائرات الحربية التركية، في حال “اخترقت الأجواء السورية” مجددا، فيما اعتبرت روسيا أن ما يحدث أمر مقلق، أما وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر وعند وصوله إلى أنقرة نفى علمه بما حدث.
واعتبر محللون أن موقفي النظام السوري وروسيا لا يعدوان كونهما مجرد ذر رماد على العيون، وأن تركيا ما كانت لتجرؤ على تخطي الأراضي السورية دون موافقة موسكو.
صحيفة العرب اللندنية