مجندو داعش: الفقر ليس الطريق الوحيد نحو التطرف

مجندو داعش: الفقر ليس الطريق الوحيد نحو التطرف

_92998_dach3

“الباحثون عن الحياة”، عنوان أحدث الإصدارات التي تروج لها المنصة الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية، بالتزامن مع اندلاع معركة الموصل والتبشير بقرب اندلاع معركة الرقة للقضاء على هذا التنظيم. وتضمن صورا ومقاطع للحياة في “أرض الخلافة” في حلب. يختزل عنوان الإصدار بشكل كبير الإجابة عن سؤال طرحه مسؤول عسكري أميركي، عن خلفية معركة الموصل، وهو “لماذا يقاتلون من أجل أرض ليست لهم؟”، ويختزل بشكل أكبر الإجابة على إشكالية أعمق طرحتها مؤخرا دراسة حديثة صدرت عن البنك الدولي وتكشف أن المجندين في صفوف داعش ليسوا فقراء ولا أميين بل شباب في ربيع العمر وبمستويات تعليمية فاقت المتوقع.

شباب ناجح في تعليمه لكنه فاشل في حياته (مجتمعه)، هم هؤلاء الباحثون عن الحياة بالموت في سبيل أرض ليست أرضهم، والذين يمكن بسهولة استقطباهم عن طريق إصدارات من قبيل إصدار “الباحثين عن الحياة”، الذي يحمل كل مقومات استيلاب العقول من مؤثرات صوتية وقصص بطولية وصور هوليوودية توثق عددا من عمليات التنظيم في ريف حلب.

عوامل انضمام الأجانب إلى تنظيم داعش الأكثر قوة تتعلق بنقص الاحتواء الاقتصادي والاجتماعي والديني في بلدانهم

بخلفية موسيقية حماسية، وصوت متحدث يبدو شابا في العشرينات من العمر يتحدث اللغة العربية بطلاقة، يصف في أول مقاطع الإصدار الحياة في “أرض الخلافة” (في سوريا) حيث “الشمس مشرقة والأطفال يلعبون ببراءة والناس في الأسواق منتشرون، أشهى المأكولات وأطيبها وأفضل الملابس وأجملها”، لتعود بعد ذلك المؤثرات الموسيقية لاستكمال هذا العمل المصور وأبطاله هم أبوالفاروق الشامي (المصاب بشلل نصفي وجهز له التنظيم سيارة مفخخة لذوي الاحتياجات الخاصة)، وأبوأيوب التونسي (عرفه الصوت المتحدث بأنه مقترع يبحث عن الحياة) وأبومارية الشامي ووالده أبوأحمد، وأبوشهاب الحموي. باستثناء أبي أحمد الشامي، الذي يبدو في نهاية العقد الرابع من عمره، فإن بقية الشخصيات الظاهرة في الشريط تبدو أعمارها بين العشرين والثلاثين. ومن جملة مجموعة من الصور والمقاطع التي يوردها الشريط، صوت لأبي محمد العدناني في دعوة له إلى القتال، ترددتت فيها كلمة “الكرامة” أكثر من مرة.

يقدم هذا الشريط جانبا من الإجابة على التساؤلات التي تطرحها دراسة البنك الدولي بشأن العلاقة بين التعليم والانضمام إلى داعش، ويفسر كيف يتحول شاب تونسي، نشأ في دولة علمانية وتعتبر منفتحة مقارنة بدولة عربية أخرى، من جامعي يحلم بالعمل والكرامة إلى مقاتل يؤمن حقا بأنه محظوظ لأنه فاز في القرعة لركوب السيارة المفخخة التي ستنقله للقاء ربه وأحبة رسوله.

من الثورة إلى الجهاد

لم يكن أحد يتوقع أن يتحول شباب ثورة الياسمين الذي فاجأ العالم بمطالبته بحقه في الكرامة والتشغيل والعدالة الاجتماعية إلى شباب يتربع على عرش الإرهاب ويستحوذ على النسبة الأكبر من المقاتلين العرب في تنظيم الدولة الإسلامية رغم تمتعهم بمستوى تعليمي مرموق. وقد تبين بعد سنوات من ظهور داعش واستقطابه لعدد كبير من المجندين أن الربط بين الفقر والإرهاب أمر مغلوط فالفقر ليس دائما طريق للتطرف فمة شباب من طبقة اجتماعية ميسورة يحاربون في صفوف داعش ومثيلاته لاعتماد المتطرفين الاستقطاب الفكري، وهذا أكّدته دراسة البنك الدولي ولقاءات أجرتها “العرب” مع عائلات تونسية سافر أبناؤها إلى ليبيا وسوريا وانضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يختلف عن بقية التنظيمات، حيث روج لإقامة دولة تحتاج موارد ورأس مال بشريا، بخلاف القاعدة وبقية الجماعات التي تتخذ من الجبال والكهوف ملاجئ لها وعملها أشبه بعمل العصابات.

شباب ناجح في تعليمه لكنه فاشل في حياته (مجتمعه)، هم هؤلاء الباحثون عن الحياة بالموت في سبيل أرض ليست أرضهم

تتحدث خ.ص لـ”العرب” عن ابنها الذي التحق بداعش بمدينة سرت الليبية السنة الماضية، مشيرة إلى أن “أسباب انضمامه مازلت غامضة، فالعائلة وفرت له كل ما يريد كما أن دخلها المادي جيد ورغم أنه مازال في مقاعد الدراسة الثانوية اقتنت له العائلة سيارة وكان من المثير للاستغراب أن ذلك جاء قبل يوم واحد من مغادرته البلاد للالتحاق بداعش”.

وفي مثال آخر، لفت محمد بن يحيى شقيق الطيار العسكري التونسي، الذي التحق بداعش، في تصريحات لـ”العرب”، إلى أن ضغوطا نفسية دفعت بأخيه إلى الالتحاق بالتنظيم المتطرف. كما أقدم أخ ثان له على القيام بذات الخطوة، مشيرا إلى أن “الأول كانت رغبته في الفترة الأخيرة قبل مغادرته تحسين ظروفه المهنية التي لم تكن سيئة حسب محمد لكن عرضتــه لأزمة نفسية. أما الثاني فيرجح محمد تعرضه لمشاكلات اجتماعية خاصة سببت له حالة من اليأس ما جعله صيدا سهلا لمجندي التنظيم المتطرف”.

وتؤكد دراسة البنك الدولي “الفقر ليس أحد دوافع الراديكالية باتجاه التطرف العنيف”، خصوصا في مجتمعات مثل المجتمع التونسي والمجتمعات الأوروبية، لافتة إلى أن غالبية المنضويين تحت تنظيم داعش ومعدل سنهم تقريبا 27 سنة هم أكثر تعليما من الشباب في بلدانهم الأصلية، و3.43 بالمئة منهم قاموا بدراسات ثانوية و4.25 بالمئة بدراسات جامعية، في حين أن 13.5 بالمئة فقط يقتصر مستواهم التعليمي على المرحلة الابتدائية.

وبلغت نسبة الأميين في صفوف التنظيم 1.3 بالمئة فقط، أما النسبة المتبقية من الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وهي 16.3 بالمئة، فلم يصرحوا بمستوى تعليمهم. وتوصلت الأبحاث إلى أن المجندين المنحدرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب وشرق آسيا أكثر تعليما بدرجة كبيرة مما هو معتاد في منطقتهم. ومن النتائج المهمة للدراسة أن نسبة كبيرة من الأفراد الذين شملهم البحث هم من خريجي الجامعات.

إقدام شباب من فئات ذات مستوى مادي جيد وعلمي مرموق على الانتماء إلى داعش سببه وجودي فكري أكثر منه مادي

الإرهاب ليس مقترنا بالفقر

خلصت الدراسة إلى أن الإرهاب ليس مقترنا بالفقر وانخفاض المستوى التعليمي وأن “من بين العوامل التي تدفع الأشخاص إلى مغادرة بلدانهم والانضمام إلى مجموعات متطرفة انعدام الدمج الاقتصادي والاجتماعي في بلدهم”، مشيرة إلى أن البطالة بين المتعلمين تؤدي إلى زيادة احتمال اعتناق أفكار متشددة. يؤكّد أهمية هذه المقاربة علية العلاني، الخبير بالجماعات الإرهابية، مشيرا في تصريحات لـ”العرب” إلى أن إقدام شباب من فئات ذات مستوى مادي جيد ومرفه ومن حاملي الشهادات والمستوى العلمي المرموق على الانضمام إلى داعش يؤكد أن سبب تجنيد هؤلاء هو سبب وجودي فكري أكثر منه ماديا.

ويوضح الخبير التونسي أن “هناك شبابا متعلما تعرض لغسيل دماغ من خلال مجندين بارعين في الإيقاع بذوي الشهادات العلمية، وهذا مؤشر على غياب الرقابة الأسرية وأيضا على مشاكل تخص برامج التعليم”. ويرى العلاني أن “نسبة كبيرة من هذه الشريحة من دارسي العلوم الصحيحة لا العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومعلوم أن معظم قيادات تيار الإسلام السياسي والجهادي السلفي لهم اختصاصات علمية”. ولمواجهة هذا الواقع المركب من مجموعة من الأزمات تدفع بالشباب إلى داعش، يرى عالم الأنثروبولوجيا، سكوت أتران، أن نجاح الدولة الإسلامية بهذه السهولة في تجنيد الأشخاص يتطلب منها تقديم قصة منطقية وقابلة للتصديق؛ ولمقاومتها وجب علينا خلق قصص وسرديات قادرة على منافستها.

آمنة جبران

صحيفة العرب اللندنية