فيما يلي مساهمة الكاتب في حلقة أقامتها صحيفة “نيويورك تايمز” بعنوان “غرفة للنقاش” حول موضوع “هل يحتاج تنظيم «الدولة الإسلامية» السيطرة على الأراضي من أجل البقاء؟”
يشكّل إنطلاق هجوم الموصل في الأسبوع الثالث من هذا الشهر اختباراً آخر لقدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») على التأقلم بعدما قلّل من شأن سلسلة الخسائر التي مُني بها أو تجاهلها على صعيد الأراضي في العراق وسوريا خلال العام الماضي. وفي حين ستكون الموصل الاختبار الأهم من الناحيتيْن الاستراتيجية والرمزية – باعتبارها الموقع الذي أعلن فيه أبو بكر البغدادي نفسه خليفة، وإحدى المدن التي تمكّن فيها تنظيم «داعش» من إنشاء دولة الخلافة ووجوده فيها هو الأكثر أهمية في العراق – إلا أن تحرير هذه المدينة، فضلاً عن الرقة (عاصمة «الدولة الإسلامية» في سوريا) في النهاية، لن يشير إلى هزيمة نهائية للتنظيم. وبعدما كانت السيطرة على الأراضي ضرورية لكي تبني الجماعة علامة مميزة وخاصة بها على مدى العامين الماضيين، إلا أنها لم تعد أساسية اليوم لأنها ستبقى دائماً جزءاً من تاريخ التنظيم وروايته.
ويقيناً، أن معركة تنظيم «داعش» للاحتفاظ بالموصل ستكون طويلة ودموية، وربما هي الموقع الإقليمي الأكثر أهمية لعلامته. ومع ذلك، فكما أظهرت أنشطته الدعائية المتزامنة، علينا توخي الحذر على ألا ننسى أن التنظيم كان رائداً في مجال وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات بطريقة لم تفعلها أي جماعة جهادية أخرى.
لقد كان فن الخطابة المجال الوحيد الذي أثبت فيه التنظيم أنه متميز واستثنائي، وليس الاستيلاء على الأراضي. أما في حالة الجماعات الجهادية السورية الأخرى، فلا يُعزى السبب إلى عدم المحاولة، بل لأن أهدافها مختلفة في الأساس – لا سيما الاعتراف بها كالحلّ الوحيد للنزاع السوري. وفي المقابل، فإن العلامة المميزة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» التي تتسم بالعقوبات القاسية والابتزاز الجماعي وترهيب المجتمع، لن تكون مستدامة كاستراتيجيات حوكمة طويلة الأمد – وهو أمر من المتوقع أن تكون قيادة تنظيم «داعش» قد خططت له.
وشكّلت الحوكمة على الأراضي (وحكم الموصل على وجه الخصوص) موضوعاً أساسياً لهذه الرسائل. لكن بالقدر الذي يتركّز فيه هدف التنظيم على “إلهام” الآخرين ليتبنوا قضيته، قد يستخدم الحوكمة أو الاستغناء عنها وفقاً لما يراه مفيداً لتحقيق هذا الهدف. وبالفعل، تراجعت وتيرة حديثه عن الحوكمة خلال حملاته الدعائية الأخيرة بالمقارنة مع تغطيته الواسعة النطاق للالتزام بالشعائر والدين الإسلامي. ويُعتبر واقع الفرصة التي حظي بها يوماً لحكم مثل هذه الرقعة الواسعة من الأراضي كافياً لأغراض حملته الدعائية وسط ادعائه أنه الجهة “الإسلامية” الوحيدة الملتزمة بتطبيق ما يعتبره بأنه الإسلام الأصلي والحقيقي ومعاقبة أي انتهاك له.
يعقوب أوليدروت
معهد واشنطن